استحضر كماله سبحانه وافتقارك ونقصك يصفو لك قلبك عند التسبيح

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال البخاري في صحيحه: “6405- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال: من قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة، حطت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر.

6406- حدثنا زهير بن حرب، حدثنا ابن فضيل، عن عمارة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده”.

والحديثان في صحيح مسلم.

هذا الذكر «سبحان الله وبحمده» على وجازته هو من شطرين، شطر فيه التسبيح وشطر فيه الحمد.

وفي الجمع بينهما إشارة إلى معنيين ينبغي أن يمتزجا ويتداخلا في ذهنك، وهما:

كمال الله عز وجل وشدة افتقارك إليه سبحانه، واستحضارك للنعم المترتبة على ذلك.

«سبحان الله» تستحضر كمال حلمه وعلمه ومغفرته ورحمته.

«وبحمده» تستحضر ذنبك واحتياجك للمغفرة ومنَّه عليك سبحانه بمكفرات الذنوب.

«سبحان الله» تستحضر الحي القيوم.

«وبحمده» تستحضر منه عليك بالحياة بعد أن لم تكن شيئاً، وأن حياتك ومماتك بيده.

«سبحان الله» تستحضر أنه الصمد الغني الذي لا يأكل ولا يشرب سبحانه، فسروه بالذي لا جوف له، وإليه يصمد في الحوائج.

«وبحمده» تستحضر افتقارك للطعام والشراب وأنه سبحانه وتعالى ينزِّل المطر وتنبت الأرض بالمتاع لنا وللأنعام وأنه سخر لنا بهيمة الأنعام وأنه يطعمنا ويسقينا.

«سبحان الله» تستحضر أنه حكم قسط سبحانه مع كمال علمه وحكمته.

«وبحمده» تستحضر أن ما فينا من عدل وخير هو من آثار رحمته وعدله، وأن حتى العادل فينا ربما لا يستكمل عدله لنقص علمه، فكيف بالظالم، لذا نحمد الله على استجابته دعوة المظلوم ونسأل الله أن يعافينا يوم القيامة حيث يستتم العدل ونسأله فضله ورحمته.

«سبحان الله» تستحضر كمال علمه ورحمته ورأفته بإنزال الوحي.

«وبحمده» نستحضر نقصنا وقلة علمنا وتخطف الأهواء لقلوبنا ونحمده على نعمة الوحي والهداية وتعليمنا ما لم نعلم.

«سبحان الله» نستحضر كمال غناه وعظيم ملكه وسلطانه.

«وبحمده» نستحضر فقرنا، وأن تقانا وفجورنا لا يزيد من ملكه شيئاً، ولا يُنقصه، ومع ذلك يُبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويُبسط يده بالنهار ليتوب مسيء النهار.

وهكذا إلى نسق لا يمكن استقصاؤه، غير أن هذا المعنى لا ينبغي أن يغيب عن قلبك في مشاهدة عموم أمور حياتك، هكذا تنتفع بأذكارك أكثر مما مضى.