
هذا غلط فظيع بين مطلق الإيمان بالخالق، والإيمان بالرسالات وترك الشرك.
فالفراعنة الذين ذكروا أنهم من نسل الإله، وهذا الإله في كثير من الأحيان كان يأخذ صورة الشمس (أتون).
فأخناتون وحَّد العبادة لإله الشمس وادَّعى أنه ولد هذا الإله وأخناتون أقلهم شركاً، وحتى قيل إن الأهرامات تعبير عن رحلة إله الشمس.
قال عبد العزيز صالح في كتابه «الشرق الأدنى في مصر والعراق»: “فقد تلقب خفرع بلقب “سا رع” أي ابن رع، وكانت من المرات الأولى التي يصرح فرعون فيها ببنوته للإله رع إله الشمس، ثم أصبحت سنة ثابتة بعد عهده، واكتملت بها ديباجة الألقاب الملكية الخمسة”.
والأدلة على عبادة الشمس في الحضارة المصرية كثيرة جداً جداً مع ذكر آلهة كثر يولدون ويتعبون ويموتون أيضاً.
جاء في بعض البرديات في زمن أخناتون: “لأنك خلقت العالم وأوجدتهم لابنك الذي ولد من لحمك ملك الوجهين القبلي والبحري العائش في الصدق رب الأرضين ((نفر خبرو رع وان راع)) (إخناتون) ابن (رع) العائش في الصدق رب التيجان أخناتون ذو الحياة الطويلة ولأجل كبرى الزوجات الملكية محبوبته سيدة الأرضين ((نفر نفرو آتون)) (نفرتيتي) عاشت وازدهرت أبد الآبدين” (منقول عن فجر الضمير).
فهو يدَّعي أنه ابن الإله وأن الإله من لحم ودم.
“ليس هناك واحد يعرفك إلا ابنك أخناتون لقد جعلته عليماً بمقاصدك وقوتك”
“لأنك خلقتهم لنفسك وأنت سيدهم جميعاً وأنت الذي تنهك نفسك من أجلهم وأنت رب كل قطر”
هنا ينسب لله الإنهاك والتعب.
“عندما كنت لا تزال وحيداً (لا شيء غيرك) آلاف الألوف من الأنفس موجودة فيك لتحفظها حية”.
وهنا يقول إنه حفظ المخلوقات في ذاته، وهذا مخالف لعقائد المسلمين واليهود والنصارى.
وقال محمد أبو المحاسن عصفور: “ويرى البعض أن إخناتون كان أول مبشر بالتوحيد؛ ولذا اعتبروه عبقريًّا وأنه يمثل أعظم فلاسفة العالم القديم؛ إلا أن هذا غير صحيح؛ إذ إن “إخناتون” كان في أول عهده يحترم كل العبادات، ومع أنه لم يعترف بغير آتون فيما بعد؛ فإنه لم يحارب غير دين آمون وظل يسمح بمباشرة العبادات القديمة الأخرى، ولا شك في أنه أساء التصرف؛ لأنه لم ينل من السياسة التي اتبعها سوى سخط الكهنة والعسكريين حتى إن أهل عصره لقبوه بعد وفاته بلقب “مجرم آتون””.
وكان الملك إذا لم يعجبهم دمروا كل آثاره ولا ينجو منها إلا القليل إذا نجا.
والواقع أن عقيدة الخالق الأوحد عقيدة فرعونية أقدم من أخناتون، حتى يصفون بعض الآلهة بأنهم مخلوقون للإله الأعظم، فهم كعباد الأصنام القرشيين.
قلت في مقال مضى: “وبعض الناس يدعي أن المصريين موحدون محتجاً بما في هذا الكتاب من ذكر الخالق الأوحد الذي خلق كل شيء وكان قبل كل شيء”.
وخذ هذا النص أيضاً: “أبو البدايات، أزلي أبدي، دائم قائم
خفي لا يعرف له شكل، وليس له من شبيه
سرّ لا تدركه المخلوقات، خفي على الناس والآلهة
سرّ اسمه، ولا يدري الإنسان كيف يعرفه
سرّ خفي اسمه. وهو الكثير الأسماء
هو الحقيقة، يحيا في الحقيقة، إنه ملك الحقيقة
هو الحياة الأبدية به يحيا الإنسان، ينفخ في أنفه نسمة الحياة
هو الأب والأم، أبو الآباء وأم الأمهات
يلد ولم يولد. ينجب ولم ينجبه أحد
خالق ولم يخلقه أحد، صنع نفسه بنفسه
هو الوجود بذاته، لا يزيد ولا ينقص
خالق الكون، صانع ما كان والذي يكون وما سيكون
عندما يتصور في قلبه شيئاً يظهر إلى الوجود
وما ينجم عن كلمته يبقى أبد الدهور
أبو الآلهة، رحيم بعباده، يسمع دعوة الداعي
يجزي العباد الشكورين ويبسط رعايته عليهم”.
أقول: هذا النص لا يزيدنا شيئاً سوى أن ديانة المصريين كشرك قوم نوح وكشرك قريش، فهم يصفون الله عز وجل بأنه خالق الآلهة!
فهذا كقول قريش: “إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك”.
ومن شرك المصريين قولهم في هوليوبوليس: “إنك أنت الذي تشرف على كل الآلهة ولا يشرف عليك إله ما”، وهذا كقول قريش تماماً: “تملكه وما ملك”.