أوجه تقارب مفاهيم الأولياء بين النصرانية والصوفية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

بمناسبة مولد البدوي والكلام عن تقديس الصوفية لمن يسمونهم أولياء، هذا كتاب أكاديمي للدكتور النصراني هانز هارماكابوترا كتبه عام ٢٠٢٠، يذكر فيه أوجه تقارب مفاهيم الأولياء بين النصرانية والصوفية، ومدى جواز التقديس للأولياء الصوفية عند النصارى والاستغاثة بهم.

ملخص الكتاب:

يتناول كتاب هانس أ. هارماكابوترا السؤال التالي: «هل يمكن للمسيحيين أن يعترفوا بقداسة غير المسيحيين؟»

يكتب المؤلف من منظور لاهوتي مسيحي (خلفية بروتستانتية)، لكنه ينخرط في لاهوت مقارن يجمع بين الفكر الإسلامي (وخاصة التصوف ومفهوم الولاية في الإسلام) والتقليد المسيحي (الكاثوليكي والبروتستانتي) في حوار لاهوتي متبادل.

الجزء الأول: يعرض دراسة عن عقيدة القديسين والقداسة في اللاهوت المسيحي (كاثوليكي وبروتستانتي)، ثم يقدم نظرة موازية لمفهوم الولاية في الإسلام، وخاصة في السياقات الصوفية، تحت عنوان «أولياء الله».

في قسم الإسلام، يبحث كيف صيغ مفهوم الولاية في الفكر الإسلامي (وخاصة عند الصوفية)، مستنداً إلى رموز وتقاليد أساسية في التصوف، ويخصص فصلاً بعنوان: «أولياء الله والولاية بحسب ابن عربي».

الجزء الثاني: يعيد النظر في فكرة القديسين، ويقدم ثلاثة تصورات لاهوتية مستخلصة من المقارنة بين المسيحية والإسلام:
القديسون بوصفهم تجليات وكاشفين لتواصل الله الذاتي مع البشر.
القديسون المتسمون بـ الخفاء، أي أن كثيراً من دعوتهم خفي وغير ملحوظ، لكنه ذو أثر روحي عميق.
القديسون بوصفهم رفاقاً لا كائنات بعيدة، بل جزءاً من شركة القديسين في اللاهوت المسيحي، وربما يمتد تأثيرهم عبر الحدود الدينية.

الجزء الأخير: يقترح لاهوتاً مسيحياً شاملاً للقديسين في الممارسة، أي كيف يمكن للجماعات المسيحية أن تعيش رؤية للقداسة تُغتنى بالمعرفة المقارنة مع الإسلام.

الحجج الرئيسية والخلاصات:

يرى هارماكابوترا أن مفهوم القداسة في التقليد المسيحي يمكن إعادة تشكيله (لا استبداله) في ضوء التراث الإسلامي الصوفي في تكريم الأولياء، وبهذا يمكن للمسيحيين أن يتصوروا مفهوم القديس على نحو أوسع، بل وأن يعترفوا بقداسة بعض الشخصيات من ديانات أخرى.

يوضح أن القداسة في التصوف ليست بقايا تدين وسطي قديم، بل هي علاقة حية، جماعية، ودينامية متصلة بحياة المؤمن والمجتمع، وهي جوانب يمكن للاهوت المسيحي أن يتعلم منها.

ومن خلال إدخال مفهوم الولاية الصوفية في حوار مع مفاهيم القداسة و«شركة القديسين» المسيحية، يدعو المسيحيين إلى التفكير في القداسة كحقيقة إنسانية- إلهية مشتركة تتجاوز الحدود الدينية.

ويؤكد أن هذا الاعتراف لا يعني الخلط العقائدي أو فقدان الهوية المسيحية، بل يمثل اتساعاً لاهوتياً يجعل لاهوت القديسين أكثر غنى عبر الانفتاح على كيفية تجسد القداسة في تقاليد أخرى.

كيف يُضفي هارماكابوترا الشرعية اللاهوتية على تكريم الأولياء الصوفيين؟
فيما يلي الطرق التي يمنح بها هارماكابوترا شرعية لاهوتية لتكريم الأولياء في التصوف الإسلامي، ويسمح من خلالها باعتراف مسيحي به، ضمن إطار اللاهوت المقارن:
الجسر المفهومي عبر «أولياء الله»
باستخدامه لمفهوم الولاية الصوفية (awliyāʾ Allāh) وشرحه لكيفية كون هؤلاء أشخاصاً تتجلى في حياتهم حضرة الله، يبني هارماكابوترا جسراً يسمح للمسيحيين بالتعرف على فئة «أصدقاء الله» في تقليد آخر غير المسيحية.

يفتح هذا الباب أمام اعتبار تكريم الأولياء الصوفيين ممارسة مشروعة من الناحية اللاهوتية، تشبه (لكنها لا تطابق) تكريم القديسين في المسيحية.

ويعالج فصله «أولياء الله والولاية بحسب ابن عربي» التكريم الصوفي للقديسين في سياقه الأصلي ثم يدعو القارئ المسيحي للتأمل فيه.

القديسون كتجليات وكاشفين لله
أحد أركان تصوراته الثلاثة أن القديسين هم تجليات لتواصل الله الذاتي، وبالتالي فإن تكريمهم —بمن فيهم أولياء الصوفية— ليس مجرد تقدير بشري بل اعتراف بحضور الله العامل في حياة البشر عبر الأديان.

لا يدعو الكتاب إلى تبني كل ممارسات التكريم الصوفي (مثل زيارة الأضرحة) دون تمييز، لكنه يشجع المسيحيين على التعلم من الكيفية التي يعيش بها الصوفيون القداسة: علاقة الشيخ بالمريد، الذكر المرتبط بذكرى الولي، الذاكرة الجماعية للقديسين، الزيارة الروحية، إلخ.

ومن خلال المقارنة، يرى هذه الممارسات كتعابير عن ديناميكية إنسانية– إلهية مشتركة وليست مجرد عادات شعبية.

شركة قديسين شاملة:

يقترح تصوراً لاهوتياً مسيحياً شاملاً لشركة القديسين، بحيث لا تتجاهل الجماعات المسيحية وجود الشخصيات القديسية في ديانات أخرى، بل تعترف بها باحترام ضمن جماعة أصدقاء الله الأوسع.

أقول: هذا نظير الديانة الإبراهيمية، وهكذا الشرك المشترك يمهد للأمر وذوبان العقيدة، ولطالما ثبَّـتت شركيات الصوفية النصارى على بلائهم، وقد ذكر ابن تيمية أن علماء النصارى قالوا له: نفعل مع مريم ما تفعلونه مع نفيسة. وقد قام علي جمعة بتقريب الأمور حين أجاز الاستغاثة بمريم عليها السلام.