أساطير فاخرة

في

,

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

تجد مقالاً منشوراً في جريدة اليوم السابع لكاتب اسمه محمد عبد الرحمن بتاريخ 30 مارس ٢٠١٨ بعنوان : هل استغل موسى بن ميمون علاقته بـ صلاح الدين لتأسيس وطن لليهود فى فلسطين؟

يقول الكاتب فيها : لكن ماذا قدم “بن ميمون” لليهود وكيف فتح ذلك الطبيب السلطانى المجال للهجرة اليهودية إلى فلسلطين، وهل كان للفيلسوف القرطبى يد فى التمهيد فى تأسيس دولة عبرية لليهود فى فلسطين والتى أعلنت بشكل رسمى عام 1948؟

فبحسب كتاب “معجم الفلاسفة” للمفكر الكبير جورج طرابيشى، إن موسى ابن ميمون، ص (35)، الذى كان يسعى إلى رفع المستوى الروحى والخلقى لليهود، استخدم نفوذه لدى البلاد ليوفر المزيد من الحماية لأبناء دينه، وبعد أن فتح صلاح الدين بيت المقدس “القدس” استحصل لأبناء ملته على الحق فى التوطن فيها وفى فلسطين بصفة عامة، وفى ابتناء كنس ومدارس لهم فيها، واستغل تلك الفترة للكتابة إلى فقراء اليهود اليمنيين ليحيى قلوبهم بالإيمان بيهوه وبالتوراة. انتهى النقل

قضية تاريخية خطيرة مثل هذه مرجعه فيها كتاب جورج طرابيشي ! العالماني المعروف بتخبطاته

ليس هذا الكاتب فحسب من اعتمد الأمر كثيرون غيره من أبرزهم

الكاتب الشيعي راجي أنور هيفا في كتابه الإمام علي في الفكر المسيحي المعاصر ( وهذا الكتاب مليء بالمضحكات المبكيات ) حيث قال في ص31 :” ألا يعني ذلك أن بطلنا صلاح الدين هو أول من ساهم في بناء أوائل المستوطنات اليهودية في القدس الشريف
ألم يذكر المفكر والباحث جورج طرابيشي أنه بعد أن فتح صلاح الدين القدس ، استحصل ابن ميمون _ وهو طبيب صلاح الدين وكان يهوديا _ لأبناء ملته على الحق في التوطن فيها أبناء ملته جميعاً “

جورج طرابيشي من جديد ويتكلم وكأن هناك وثيقة أن صلاح الدين أعطى اليهود وثيقة ( الجنسية ) الموجودة في نظام الدول الحديثة ، يستخدم مصطلحات خاصة بالدولة الحديثة ويسقطها على الدولة الإسلامية القديمة فإنه من المعلوم أن هناك أهل ذمة من يهود ونصارى يسكنون في عامة الديار الإسلامية سوى جزيرة العرب

ولكن هل ما ذكر جورج طرابيشي له رائحة ذكر في الكتب التاريخية القديمة ؟

في الواقع لا يوجد في كل تراجم موسى بن ميمون ما يدل على أنه دخل القدس نهائياً لا مع صلاح الدين ولا مع غيره ففي ترجمته في عيون الأنبا في طبقات الأطبا :” الرئيس أبو عمران موسى بن ميمون القرطبي
يهودي عالم بسنن اليهود ويعد من أحبارهم وفضلائهم
وكان رئيسا عليهم في الديار المصرية
وهو أوحد زمانه في صناعة الطب
وفي أعمالها متفنن في العلوم وله معرفة جيدة بالفلسفة
وكان السلطان الملك الناصر صلاح الدين يرى له ويستطبه وكذلك ولده الملك الأفضل علي
وقيل أن الرئيس موسى كان قد أسلم في المغرب وحفظ القرآن واشتغل بالفقه
ثم أنه لما توجه إلى الديار المصرية وأقام بفسطاط مصر ارتد”

ولا وجود نهائيًا لتلك الوثيقة المزعومة لا من قريب ولا من بعيد ولمزيد بيان خذ هذه النقول

وفي كتاب إخبار الحكماء بأخبار الحكماء للقفطي :” يهودي النحلة قرأ علم الأوائل بالأندلس وأحكم الرياضات وأخذ أشياء من المنطقيات وقرأ الطب هناك فأجاده علما وَلَمْ يكن لَهُ جسارة عَلَى العمل ولما نادى عبد المؤمن بن علي الكومي البربري المتولي عَلَى المغرب فِي البلاد الَّتِي ملكها بإخراج اليهود والنصارى منها وقدر لهم مدة وشرط لمن أسلم منهم بموضعه عَلَى أسباب ارتزاقه مَا للمسلمين وعليه مَا عليهم ومن بقى عَلَى رأي أهل ملته فلما أم يخرج قبل الأجل الَّذِي أجله وَمَا أن يكون بعد الأجل فِي حكم السلطان مستهلك النفس والمال ولما استقر هَذَا الأمر خرج المخفون وبقى من ثقل ظهره وشح بأهله وماله فأظهر الإسلام وأسر الكفر فكان موسى بن ميمون ممن فعل ذَلِكَ ببلده وأقام ولما أظهر شعار الإسلام التزم بجزئياته من القراءة والصلاة لفعل ذَلِكَ إلى أن مكنته الفرصة من الرحلة بعد ضم أطرافه فِي مدة احتملت ذَلِكَ وخرج عن الأندلس إلى مصر ومعه أهله ونزل مدينة الفسطاط بَيْنَ يهودها فأظهر دينه وسكن محله تعرف بالمصيصة وارتزق بالتجارة فِي الجوهر وَمَا يجري مجراه وقرأ عَلَيْهِ الناس علوم الأوائل وذلك فِي أواخر أيام الدولة المصرية العلوية وراموا استخدامه فِي جملة الأطباء وإخراجه إلى ملك الإفرنج بعسقلان فإنه طلب منهم طبيباً فاختاروه فامتنع من الخدمة والصحبة لهذه الواقعة وأقام عَلَى ذَلِكَ ولما ملك المعز مصر وانقضت الدولة العلوية اشتمل عَلَيْهِ القاضي الفاضل عبد الرحيم ابن علي البيساني ونظر إليه وقرر لَهُ رزقا فكان يشارك الأطباء ولا ينفرد برأيه لقلة مشاركته وَلَمْ يكن رقيقاً فِي المعالجة وتزوج بمصر أختا لرجل كاتب من اليهود يعرف بأبي المعالي كاتب أم نور الدين عَلَى المدعو بالأفضل بن صلاح الدين يوسف ابن أيوب وأولدها ولداً هو اليوم طبيب بعد أبيه بمصر وتزوج أبو المعالي أخت موسى وأولدها أولادا منهم أبو الرضى طبيب ساكن عاقل يخدم آل قليج أرسلان ببلاد الروم ومات موسى بن ميمون بمصر فِي حدود سنة خمسين وستمائة”

وقال أبو حيان الأندلسي في تفسيره البحر المحيط :” وكان رئيس اليهود في زمانه في مصر موسى بن ميمون الأندلسي القرطبي قد كتب رسالته إلى يهود اليمن أن صاحبهم يظهر في سنة كذا وخمسمائة، وكذب عدو الله. جاءت تلك السنة وسنون بعدها كثيرة، ولم يظهر شيء مما قاله، لعنه الله. وكان هذا اليهودي قد أظهر الإسلام، حتى استسلم اليهود بعض ملوك المغرب، ورجل من الأندلس. فيذكر أنه صلى بالناس التراويح وهم على ظهر السفينة في رمضان، إذ كان يحفظ القرآن. فلما قدم مصر، وكان ذلك في دولة العبيديين، وهم لا يتقيدون بشريعة، رجع إلى اليهودية وأخبر أنه كان مكرها على الإسلام، فقبل منه ذلك، وصنف لهم تصانيف، ومنها: (كتاب دلالة الحائرين) ، وإنما استفاد ما استفاد من مخالطة علماء الأندلس وتودده لهم، والرياسة إلى الآن بمصر لليهود في كل من كان من ذريته. فاستعذ بالله: أي التجئ إليه من كيد من يحسدك. إنه هو السميع لما تقول ويقولون، البصير بما تعمل ويعملون، فهو ناصرك عليهم وعاصمك من شرهم”
ولا وجود نهائياً لأي إشارة في كتب التاريخ لما ذكر طرابيشي ولعلك تستغرب ولكن هذا هو الشأن في المستشرقين وأذنابهم من العالمانيين والمنصرين والروافض ينشرون أساطير لا أصل لها أو يأخذون حادثة تاريخية ويزيدون عليها أكاذيب لا تمسخ وجه الحقيقة فيها مثلما يقولون في محنة ابن رشد هذا مجرد مثال وإلا فالقوم لهم في ذلك كثير وتجدهم ينشرونها في الجرائد والمنتديات ومواقع التواصل بكل ثقة وما يحمل بعض كبرائهم على الكذب هو الذي يحمل الصغار فيهم على تصديق الكذب دون أدنى تحقق لأنه يوافق أهواءهم ثم يحدثونك عن الحقيقة وعن الجمود عند رجال الدين !