قال تعالى: {فإذا قضيت الصلاةُ فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} [الجمعة: 10].
المرء في حياته إما أن يكون في عبادة محضة، مثل الصلاة والذكر وقراءة القرآن وحضور مجالس العلم والصيام والصدقة وغيرها.
وإما أن يكون آكلاً أو شارباً أو طالباً للرزق، وهذا ما يذهب فيه أعمار عامة البشر، ولو نظروا إليه على ما في الآية أنه ابتغاء لفضل الله، لغنموا أعظم الغنيمة.
فأنت إذا نظرت إلى طعامك وشرابك على أنه نعمة من الله وسميت عليه وحمدت الله عليه وتحريت فيه الحلال، فالطاعم الشاكر كالصائم الصابر.
وإذا نظرت لطلب الرزق على أنه ابتغاء لفضل الله، فتحريت الحلال ونويت التعبد لله بالنفقات الواجبة على الأهل والأولاد، فذلك كله يصير عبادة.
وكثير من الناس ينسى الاحتساب في هذا الباب بسبب غلبة العادة عليه، وإلا فالنفقة الواجبة مقدمة على الصدقة، ولا تشرع الصدقة إلا مع كفاية العيال، كما في حديث النبي ﷺ: «اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يُعِفَّه الله، ومن يستغن يُغنه الله» متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.
وأما قوله تعالى: {واذكروا الله كثيراً}، فيرجى لمن حافظ على أذكار الصباح والمساء وأدبار الصلوات وقبل النوم وبعد الاستيقاظ وعند دخول الخلاء والخروج منه وعند دخول البيت والخروج منه -ونحوها أو معظمها- أن يكون ممن ذكر الله كثيراً.
فبقي وقت النوم ووقت إجمام النفس ومسامرة الإخوان، فإن نوى بهذه أن يتقوى على عبادة الله وابتغاء الفضل من الله، ما بقي للشيطان من يومه إلا قليل.
والحسنة بعشر أمثالها، وبفقه يسير في أمر النية يدرك المرء درجة العباد الزهاد.
والمعول في كل هذا على فضل الله، فدعوة مستجابة قد تكون الفاصلة والمنجية لك يوم القيامة بين يدي الله عز وجل.