﴿ مالك يوم الدين ﴾

في

,

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

﴿مالك يوم الدين﴾

هذه الكلمات الثلاثة التي نقرؤها كل يوم تُلَّخص الأجوبة على الأسئلة الوجودية وتعطي جواباً جامعاً للكثير من الشبهات

فسؤال “لماذا نحن هنا؟”

أجيبَ بقوله : (مالك) بمعنى أننا مخلوقون لخالق ولَم يذكر الخلق بل ذكر ما ترتب عليه ضرورة مِن كوننا مملوكين لهذا الخالق

وما دمنا مملوكين له فحقُّه علينا هو الأصل، وأعظم مِن كل حقٍ آخر تفرَّع عنه، فمنظومة حقوق الإنسان مبنية على المصلحية بمعنى أنك اِفعل للناس ما يحبونه ولا يؤذيهم لكي لا يؤذوك فهي مبنية على المصلحية والافتقار

بيد أن منظومة حقوق الخالق مبنية على المنة الكاملة منه سبحانه وافتقارنا إليه، هي مبنية على حقيقة عقلية فطرية أننا مُحدَثون مخلوقون بخلاف المنظومات الأخرى المبنية إما على مقدمات عاطفية غير مبرهنة أو على أباطيل محضة ومناكفات أو كلاهما

والخالق سبحانه ليس مثل الوالدين يأكلان ويشربان ويطلبان الرزق لِذا كان برهما يتناسب مع النقص الطبعي فيهما بل هو سبحانه الغني عن العالمين مَن لا يلحقه فناء ولا افتقار لِذا كان حقه علينا شيئاً يناسب غناه وافتقارنا إليه ألا وهو عبادته سبحانه فالعلاقة بين الخالق والمخلوق لا تكون إلا عبادة يُظهر فيها المخلوق افتقاره ومحبته للخالق الذي منَّ عليه بالوجود

لهذا السؤال الطاغوتي والذي لا يطرحه إلا مَن فيه مَس طاغوتية: “لماذا نعبد الله؟” أو في صيغته الأوقح: “هل يحتاج الله لعبادتنا؟”

مبني على مقدمة أننا أنداد لله عز وجل وذلك لا يكونُ إلا مِن غفلة عن كونه خالقاً لَم يسبقه عدم ولا يَلحقه فناء أو غفلة عن حقيقة كوننا مخلوقات افتقرنا في أصل وجودنا إليه لِذا كل صلة بيننا وبينه تكون على هذا الأصل توكيد افتقارنا إليه سبحانه وهو الغني الحميد فَلَو لَم يكن إلا الحمد على نعمة الوجود وما تبعها لكفى لِذا افتُتحت السورة بـ﴿الحمد لله رب العالمين﴾ فكيف ومصيرنا في يده وقلوبنا لا تستقيم إلَّا بالصلة به سبحانه؟

والثقافة الإنسانوية الحديثة تؤكِّد على هذا المعنى وهو تأليه الإنسان وجعلِه ينظر لنفسه على أنه ندٌّ لِمن أوجده بعد عدم

ويستقيم في عقول الخلق ما يسمونه (خدمة الوطن) لأنهم مملوكون لهذا الوطن في عقيدتهم وأن العلاقة مع الوطن لا تكون إلا خدمةً (ويعبِّرون بالخدمة لأن الوطن أعلى فلا يُستنكَف عن خدمته) ولكنْ يستكبرون عن الخضوع لِمالكهم الحقيقي سبحانه ﴿مالك يوم الدين﴾

والسؤال الثاني “كيف ينبغي أن نعيش؟”

جاء الجواب عليه في قوله: ﴿يوم الدين﴾ أي علينا أنْ نعتقد أنَّ هذه الحياة ليست هي المستقَّر وأننا محصورون بها كما يفكِّر الماديون والعالمانيون ممَّن انتهى بهم الأمر إلى العبودية للشهوات والنزوات والتي كان أصلها أمور تضمن استمرار فبالغوا في الالتفات إليها حتى مُسخوا بل هناك يومٌ نُدان فيه على أعمالنا علينا ألَّا نغفله

والسؤال الثالث: “إلى أين سنذهب؟”

جوابه في مجموع الآية سنذهب إلى مَن يملكنا لكي يديننا بأعمالنا ﴿مالك يوم الدين﴾ ومُلكه ليوم الدين يدلُّ على مُلكه للمدينين ومصائرهم

وما دام هناك يوم دين إذن هناك تكليف سنُسأل عنه وإذا كان الأمر كذلك فلا مكان للمناكفات بين الذكور والإناث والأغنياء والفقراء وأصحاب الأعراق المختلفة فكل واحد عليه أن يركز في شيء واحد فقط ما الذي أراده منه مالكه لا ما أراد مِن صاحبه أو نظيره وكيف يكون مِن أهل النجاح في ذلك اليوم فلا مكان لما يسمى بـ(النسوية) ولا الذكورية ولا الاشتراكية ولا غيرها من الأفكار المبنية على الإفراط في المظلومية ثم المناكفة

فإذا امتلأ القلب بهذه الحقائق واستقرت؛ كانت النتيجة أن ينطلق اللسان بتضرُّعٍ بـ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾.