ينتحرون من السعادة!

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

ينتحرون من السعادة!

ينشر بعض العالمانيين إحصائيات تتكلم عن الدول الأكثر سعادة، فيكون من ضمنها الدول الإسكندنافية وهولندا وغيرها، ثم بعد ذلك يقفز ليهاجم ثوابت إسلامية، وكأنَّ الدول الأكثر تعاسة في العالم وفقًا لمقاييسهم تُحكِّم الشريعة!

فعلى سبيل المثال ستجد في بعض الدوريات اعتبار البرازيل والأرجنتين وفنزويلا من الدول الأكثر بؤسًا في العالم، وهذه دول في باب العادات الاجتماعية والقيم أقرب ما يكون إلى الليبرالية والتحرر.

دول شرق أوروبا والبحر الكاريبي وأمريكا اللاتينية والكثير من الدول الأفريقية والآسيوية (مثل الفلبين وكمبوديا) يعيش أهلها حالًا سيئًا جدًّا مع كونهم أقرب من الدول العربية لقيم الدول الأوروبية.

الدول الإسكندنافية دولٌ ذات موارد كثيرة مع عدد سكان قليل، وحين يتكلم القوم عن الأكثر سعادة فهم يقيسون وفقًا لمعيار رأسمالي، وذلك يعني توفر وظيفة وخدمات، وإلا فهناك حقائق صادمة جدًّا حول هذه الدول.

ولو فرضنا أن أهلها سعداء جدًّا فالآخرة هي الحيوان، ومَن لم يحقق الهدف الذي خُلق من أجله فهو مغبون، وفي النهاية السعادة أو عدمها فيها عامل فردي يتعلق بعقيدة الإنسان وفهمه للحياة، ومَن يظن أن السعادة والتعاسة متعلقة بالنظام العام فقط هذا إنسان لا زال يعيش طفولة فكرية.

وقد كنت سجلت قديمًا صوتية بعنوان “الدول الاسكندنافية قدوة أم عبرة”.

وهنا سأذكر بعض المضامين المتعلقة بدولة فنلندا، التي ذكروا أنها الأسعد، لتعرف أن الأمر تلاعبٌ لفظي فحسب.

فهناك مقال منشور في البي بي سي بعنوان: الشعور بالاكتئاب في “أسعد بلد في العالم”، وقد نُشر بتاريخ ١٥ سبتمبر ٢٠١٩ (أي بعد صوتيتي المشار إليها لأنها كانت بتاريخ ٢٢ يناير ٢٠١٨).

مما ورد في هذا المقال قولهم: “لكن العديد من الخبراء يجادلون بأن هذه الصورة لفنلندا كدولة سعيدة تتجاهل التحديات المستمرة عندما يتعلق الأمر بالصحة العقلية – خاصة عندما يتعلق الأمر بالشباب. يعتقد البعض أنه قد يكون من الصعب على الفنلنديين التعرف على أعراض الاكتئاب والاعتراف بها وطلب العلاج.

بلغت معدلات الانتحار في فنلندا نصف ما كانت عليه في التسعينيات وانخفضت في جميع الفئات العمرية – وهو تحول ارتبط بحملة منع الانتحار على مستوى البلاد عندما كانت الأمور في أسوأ حالاتها، إلى جانب تحسين علاج الاكتئاب.
لكنها تظل أعلى بكثير من المتوسط ​​الأوروبي”.

وورد أيضًا قولهم: “فإن حوالي ١٦٪ من النساء الفنلنديات تتراوح أعمارهن بين ١٨ و ٢٣ عامًا و ١١٪ من الشباب يعرّفون أنفسهم بأنهم “يكافحون” أو “المعاناة” في الحياة.

معدلات الانتحار في فنلندا هي نصف ما كانت عليه في التسعينيات… لكنها لا تزال أعلى بكثير من المتوسط ​​الأوروبي.

كانت آخر دراسة متعمقة على مستوى البلاد حول الاكتئاب في فنلندا في عام ٢٠١١، ولكن منظمة غير هادفة للربح Mieli (Mental Health Finland) تقدر أن حوالي ٢٠٪ من الأشخاص دون سن الثلاثين قد عانوا من أعراض الاكتئاب في العام الماضي.

سلط تقرير صدر عام ٢٠١٧ عن مركز الشمال للرعاية الاجتماعية والقضايا الاجتماعية الضوء على الروابط الوثيقة بين تعاطي المخدرات واعتلال الصحة، مشيرًا إلى أن الفنلنديين يشربون أكثر من جيرانهم الشماليين. كما حدثت زيادة في تعاطي المخدرات في الفئة العمرية من ٢٥ إلى ٣٤ عامًا.

أقول: نعم، معدلات الانتحار في هذا البلد الذي وُصف بأنه الأسعد في العالم أعلى بكثير من معظم دول أوروبا، وقد ذكرت في الصوتية أن هناك من يفسر الأمر داروينيًّا فيقول إنه بسبب الرفاه الذي يُخالف طبيعة البشر في مصارعة المصاعب والتقدم وهم يصارعون يميل الاسكندنافيون للانتحار لأن الانتخاب الطبيعي لا يرغب بالضعفاء المرفهين!

وتأمَّل الاكتئاب في النساء عندهم، ومشهور جدًّا أن السويد جارة فنلندا، هي عاصمة الاغتصاب في أوروبا، ويقولون إن هذه الدول التي تسعى لأطروحة المساواة بشكل متطرف تعيش فيها النساء معضلة حقيقية.