يقين كيقين خزيمة بن ثابت

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

يقين كيقين خزيمة بن ثابت.

قال أبو داود في سننه [٣٦٠٧]: “حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، أن الحكم بن نافع، حدثهم أخبرنا شعيب، عن الزهري، عن عمارة بن خزيمة، أن عمه، حدثه وهو من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- : أن النبي -صلى الله عليه- وسلم ابتاع فرسا من أعرابي، فاستتبعه النبي -صلى الله عليه وسلم- ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المشي وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي، فيساومونه بالفرس ولا يشعرون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ابتاعه، فنادى الأعرابي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإلا بعته؟ فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- حين سمع نداء الأعرابي، فقال: «أو ليس قد ابتعته منك؟» فقال الأعرابي: لا، والله ما بعتكه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : «بلى، قد ابتعته منك» فطفق الأعرابي، يقول هلم شهيدا، فقال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- على خزيمة فقال: «بم تشهد؟»، فقال: بتصديقك يا رسول الله، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شهادة خزيمة بشهادة رجلين“.

أقول: هذا خبر صحيح، وفي الصحيح الإشارة إلى جعل النبي ﷺ شهادة خزيمة بن ثابت بشهادة رجلين.

خزيمة بن ثابت -رضي الله عنه- في مسألة دنيوية بين النبي ﷺ وأعرابي استحضر إيمانه بالنبوة، وأن النبي ﷺ لا يمكن أن يكون مخطئاً.

هذا اليقين يفتقده كثير من الناس ممن يصلي ويصوم، وإذا حدثته في بعض الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية قال لك: “بغضِّ النظر عن الدين فالأمر كذا وكذا”.

ويفتقده كثير من الناس ممن يسمي نفسه مسلماً ثم تحتاج إلى أن تجلب له الدراسات الطويلة في مفاسد الحياة الغربية، وكون الأمر الشرعي نافعاً والأمر المحرم ضاراً.

وسبب تشككه أن قوماً لا يؤمنون بالله واليوم الآخر لا يعجبهم الأمر!

وبعضهم ينظر ويبحث في الإسناد باحثاً عن علة، وهو يعلم علم اليقين أن المتن لو أعجبه ما بحث في سنده، وهذه من المخادعات الشائعة.

يأتي الإنسان ويسألك “هل هذا الخبر صحيح؟” كالمنكر على متن الخبر ويطلب جواباً.

ولا يوطن نفسه على أن براهين الشرع عظيمة، لا يصلح أن تبددها لاستشكال يسير، وأن علمك لا يقارن بعلم الله لذا عليك التسليم.

وليت المستشكلين يُرجعون الأمر إلى علمهم، بل إلى ذوق غربي أو إلى علم من علومهم ظني، صار يقينياً بسبب أثر زرقة أعينهم في أنفسنا.

وهذا عكس للأمر، فإيمانك بالنبوة يقتضي التشكك بما يخالفها، لا أن تتشكك بالنبوة إن خالفَت هوى أو علم كافر.

خزيمة -رضي الله عنه- صارت شهادته بشهادة رجلين؛ لأنه علِم (ماذا تعني النبوة؟).

وموقفه كموقف الصديق في المعراج.

ولهما نصيب من قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط} [آل عمران].