يطلبون الآية وكل ما حولهم فيه آية

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

يطلبون الآية وكل ما حولهم فيه آية

قال تعالى: {وقالوا لولا نُزِّلَ عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينَزِّلَ آية ولكن أكثرهم لا يعلمون (٣٧) وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون} [الأنعام]

أقول: هنا كفار قريش الذين لا يؤمنون بالرسالة ولا بالبعث -فحالهم يشبه حال اللاديني اليوم- يطلبون آية من النبي ﷺ على صحة رسالته.

فجاء الجواب الصالح في كل زمان ومكان بتحديثهم عن الدواب والطيور وأنها أمم أمثالهم!

فما علاقة هذا الأمر المشاهد بإثبات البعث والرسالة؟

فيقال: الدواب والطيور والبشر كلهم رزقهم معلوم محفوظ، وكل ميسر لما خلق له، ويتغذى بعضها على بعض، فكل ذلك أشد الناس مكابرة سيقع في نفسه أن ذلك فعل خالق حكيم قدَّر كل شيء تقديرًا.

ثم هل يُعقل أن هذا الخالق العليم الحكيم خلقنا عبثًا وتركنا هملًا دون أمر ونهي وبيان لما ينبغي وما لا ينبغي؟

وهل يُعقل أنه عليم بأرزاق أبداننا وما أعطانا شيئًا لعقولنا يفصل في نزاعاتنا.

ويظهر لك تمام الحجة إذا رجعت إلى تفاسير السلف.

قال إسحاق بن راهوية في مسنده: “322 – أخبرنا كثير بن هشام، نا جعفر بن برقان، نا يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «ما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا سيحشر يوم القيامة، ثم يقتص لبعضها من بعض حتى يقتص للجماء من ذات القرن، فعند ذلك يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا»، ثم يقول أبو هريرة: «فاقرءوا إن شئتم: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون} [الأنعام: 38]»“.

وهذا إسناد صحيح إلى أبي هريرة.

فكلنا إذا أبصر الدواب رآها أممًا أمثالنا ويقع بينها التظالم ومع ذلك لا يوجد فيها محاكم ولا قضاة، وكذلك البشر مع وجود ذلك عندهم فكم من ظالم يُفلت وكم من مظلوم يبقى حقه وكم من نزاع بين الناس تُرتكب فيه المكابرة والسفسطة فلا يثاب المنصف ولا يعاقب المكابر.

وقد فُطِرت نفوسنا على محبة العدل والتلذذ بوقوعه، وحتى الظالم يتملص منه ويُظهر محبة العدل.

وما فطرنا الله عز وجل على هذا إلا ليكون تمهيدًا للإيمان بالبعث، ومن قبل الإيمان بالرسالة التي تتضمن التوحيد والإيمان بالبعث.

ومن هذا الضرب من حجج القرآن لم يُحتج لجدل طويل في قضايا تتفرع يمينًا وشمالًا، فأمتن الحجج ما كان يقيم الحجة على كفار قريش والنصارى واليهود في زمن النبوة، وهي تشمل كل كافر آخر لمن تأمل.