ويحسبون أنهم مهتدون

في

,

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

( ويحسبون أنهم مهتدون )

هذه الآية يقف عندها كل متأثر بالقيم الحديثة فيتساءل

كيف يحسبون أنهم مهتدون ؟

هذا معناه أنهم متأولون وإذا كانوا متأولين فلماذا يؤاخذون ؟

والجواب : أن ليس كافر مؤاخذ يعرف أنه مبطل يقينا بل قد يظن أنه مهتدي بناء على كبر أو حسد أو تعصب قام في قلبه فجعله ينظر للحق نظرة بعيدة عن الإنصاف نظرة تعالي وتربص وهذه النظرة تحرمه من إبصار الهدى والنور الذي في الكلام

فلما لم يكن معذورا في أصل حسده أو تعصبه أو كبره لم يكن أيضا معذورا فيما تفرع عنها من الشبهات

وحاجز التعصب أو الحسد أو الكبر قد يكون ضعيفا أو متوسطا ينكسر بكثرة ترداد الحجج فتسقط هي وما ترتب عليها

وقد يكون حاجزا كثيفا مستحكما لا ينكسر إلا بالوعظ الزاجر المخاطب بشكل مباشر لهذه الآفات وقد لا ينكسر البتة

ومن هنا يظهر فضل الخطاب المتأثر بالوحي الجامع بين الوعظ والمحاججة على الخطاب الفلسفي أو الكلامي المقتصر على المحاججة العقلية المحضة لذا قل نفع هذا الأخير

وعادة الناس في زماننا أن الأصل فيهم اعتقاد سوء الظن في البينات الشرعية فالأصل فيها أنها خفية حتى في أهم المباحث وأعلاها ومع بلوغها للمكلف

وإحسان الظن بالإنسان فالأصل فيه أنه خال من الآفات طالب للحق مسترشد مهما كانت المسألة التي خالف فيها بينة

لهذا يستقيم في عقول الكثيرين عندنا أن يضل كثير من الأذكياء طالبي الحق بإخلاص في أهم المطالب مع بلوغ النصوص وما فيها من بينات لهم بل هم معذورون حتى مع اعتقادهم أن الهدى ليس في القرآن مع إيمانهم أنه من الله وهذا عجيب غاية

وأهل هذا العصرإلا ما رحم الله لا يَرَوْن أن مثل هذا لو عذر فذلك تفضل محض بل ينظرون له على أنه العدل الضروري لأن الأصل عندهم إساءة الظن في الله الكامل وإحسان الظن المفرط في المخلوق الناقص ضرورة