فإن المبطل لا يتكلم بالرد على مبطل أعظم
منه إبطالاً إلا ولقن أهل السنة الحجة عليه فيما أبطل هو
واليوم وقفة مع عدنان إبراهيم حيث تكلم
في خطبة طويلة أسماها برهان الصديقين ملأها بالكلام عن المنطق
وبحث مسألة هل الوجود مشترك معنوي أو
مشترك لفظي وادعى أن المتكلمين يقولون أنه مشترك لفظي لكي لا يقعوا في تشبيه الخالق
بالمخلوق
ولكنه رجح أنه مشترك معنوي ورد عليهم
بقوة فما معنى مشترك لفظي ومشترك معنوي
المشترك اللفظي هما أمران يشتركان باللفظ
فقط مع تباين كلي في الحقيقة
كقولك العين الماء والعين الباصرة والعين
الجاسوس
وأما المشترك المعنوي فهو ما نسميه التواطؤ
كقولك نور الشمعة ونور الشمس فينهما قدر
مشترك وليس النور كالنور
وقد نص شيخ الإسلام على أن القول بأن
العلاقة بين أسماء الخالق وصفاته وأسماء المخلوق وصفاته علاقة اشتراك لفظي هو قول متأخري
الأشاعرة
قال شيخ الإسلام في درء التعارض
(5/324) :” وقد رام طائفة من المتأخرين كالشهر ستاني والآمدي والرازي في بعض كلامه
ونحوهم أن يجيبوا هؤلاء عن هذا بأن لفظ الموجود و الحي و العليم و القدير ونحوها من
الأسماء تقال على الواجب والممكن بطريق الإشتراك اللفظي كما يقال لفظ المشتري على الكوكب
والمبتاع وكما يقال لفظ سهيل على الكوكب والرجل المسمى بسهيل وكذلك لفظ الثريا على
النجم والمرأة المسماه بالثريا
ومن هنا قال الشاعر :
أيها المنكح الثريا سهيلا *** عمرك الله
كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت *** وسهيل إذا
استقل يمان “
ونص شيخ الإسلام على أن الصواب هو وجود
التواطؤ مع وجود الاشتراك في اللفظ في بيان تلبيس الجهمية
قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية
(4/386) :” فان مذهب عامة الناس بل عامة الخلائق من الصفاتية كالأشعرية والكرامية
وغيرهم أن الوجود وهو مقولا بالاشتراك اللفظي فقط وكذلك سائر أسماء الله التي سمي بها
وقد يكون لخلقه اسم كذلك مثل الحي والعليم والقدير فإن هذه ليست مقولة بالاشتراك اللفظي
فقط بل بالتواطىء وهي أيضا مشككة فإن معانيها في حق الله تعالى أولى وهي حقيقة فيهما
ومع ذلك فلا يقولون أن ما يستحقه الله تعالى من هذه الأسماء إذا سمي بها مثل ما يستحقه
غيره ولا أنه في وجوده وحياته وعلمه وقدرته مثلا لخلقه ولا يقولون أيضا أن له أو لغيره
في الخارج وجودا غير حقيقتهم الموجودة في الخارج بل اللفظ يدل على قدر مشترك إذ اطلق
وجرد عن الخصائص التي تميز أحدهما وهو لا يستعمل كذلك في أسماء الله فقط ولا هو موضوعا
في اللغة كذلك وإنما يذكر كذلك في مواضع تجرد عن الخصائص كما تجرد في المناظرة لأمور
يحتاج إليها فيقدر تجريده عن الخصائص تقديرا كما يقدر أشياء لم توجد وهو حينئذ دال
على قدر مشترك بين المسميين ولكن ذلك المشترك ليس مجموع حقيقة كل منهما الموجودة في
الخارج فإن لفظ الموجود إذا جرد يدل على الموجود المطلق لم يكن الوجود المطلق حقيقة
إلا في الذهن وأما الوجود الخارجي فوجود كل موجود معين مميز عن الآخر مختص به وذلك
الجسم المطلق والحيوان المطلق والإنسان المطلق”
وقال شيخ الإسلام في الرد على المنطقيين
موضحاً مسألة التواطؤ أكثر ص155 :” ولهذا كان الحذاق يختارون أن الأسماء المقولة
عليه وعلى غيره مقولة بطريق التشكيك الذي هو نوع من التواطؤ العام ليست بطريق الاشتراك
اللفظي ولا بطريق الاشتراك المعنوي الذي تتماثل أفراده بل بطريق الاشتراك المعنوي الذي
تتفاضل أفراده كما يطلق لفظ البياض والسواد على الشديد كبياض الثلج وعلى ما دونه كبياض
العاج فكذلك لفظ الوجود يطلق على الواجب والممكن وهو في الواجب أكمل وأفضل من فضل هذا
البياض على هذا البياض”
ومما يدل على هذا المعنى ما روى مسلم
19 – ( 2752 ) حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير حدثنا أبي حدثنا عبدالملك عن عطاء عن
أبي هريرة
: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن
لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون
وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها وأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده
يوم القيامة
فبين أن رحمة الخلق من آثار رحمة الله
عز وجل ، مع كون رحمة الخالق ليست كرحمة المخلوق وهذا هو المراد بيانه
ويقول المنطقيون الاشتراك المعنوي: هو
لفظ يدل على معنى كلي عام واسع له مصاديق كثيرة،
إذ أن اللفظ وضع مرة واحدة،
الإنسان مشترك معنوي بين كل آحاد النوع
المصاديق غير متغايرة لوجود معنى الإنسانية
في أفراد هذا العموم، فكل الأفراد يشتركون في معنى الإنسانية.
القلم: مشترك معنوي: ينطبق على مختلف
الأقلام
ويقولون المشترك المعنوي يقبل القسمة
والمشترك اللفظي لا يقبل القسمة
العين كمشترك لفظي:
لا يجوز أن نقول إنها تنقسم إلى: الجاسوس،
والباصرة، وعين الماء… ?
في حين أن المشترك المعنوي يقبل القسمة:
الكلمة مثلا مشترك معنوي تنقسم إلى اسم
وفعل وحرف
فإن قلت : ما وجه الحجة على عدنان في
إثباته الاشتراك المعنوي في الوجود
فيقال : إذا كان وجود الخالق ووجود المخلوق
بينهما اشتراك معنوي ولكن وجود الخالق ليس كوجود المخلوق ولا يقتضي ذلك التشبيه لأن
حقيقة وجود المخلوق فيها بداية ونهاية ووجود الله ليس كذلك وكمال المخلوق وحياته مستمدة
من غيره والله عز وجل ليس كذلك
فليسحب هذا على صفات الله كلها ومن أهمها
العلو المطلق لله عز وجل والذي لا يشركه في مخلوق أصلاً
وبهذا يكون نفي الصفات بدعوى التنزيه
لا معنى له وهذه القاعدة التي نبه عليها ابن تيمية بقوله الكلام في الصفات فرع عن الكلام
في الذات
ولهذا نفي صفات الله نهايته نفي وجود
الله
وما قاله عدنان مفحم لقومه الأشعرية فقال
لهم أن الاشتراك المعنوي يقبل القسمة وكل الفلاسفة والمتكلمين يقسمون الوجود إلى ممكن
وواجب ويقول الله واجب الوجود فهذا يدل على أنه اشتراك معنوي
وما نلزم به عدنان هنا يلزم كل القائلين
بالاشتراك المعنوي في وجود الله ومنهم رافضة وزيدية وجهمية أشعرية وغيرهم
هذا وصل اللهم على محمد
وعلى آله وصحبه وسلم