تداول الناس الأيام الماضية تسجيلاً لوفاة أبي الخطاب محمود بن عبد اللطيف _ رحمه الله _ حيث كان يلقي كلمة في حفل زفاف فتلفظ بالشهادة أثناء الكلمة ثم أسلم روحه ، كان موقفاً مؤثراً جداً تداوله الناس سائلين رب العالمين حسن الخاتمة حتى قال بعض الأفاضل معلقاً على الفيديو : من أعجب ما رأيت عن حسن الخاتمة.
شيخ يتحدث في مجلس خطوبة عن الموت في سبيل الله، ثم عن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في حجر عائشة، ثم يتشهد ويسلم الروح.
أما أنا فمنذ رأيت الفيديو تذكرت علماً من أعلام الأمة المظلومين وهو أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي ، له قصة وفاة فيها نوع قرب من هذا الحدث إذ أنه حدث بحديث من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة . وأسلم الروح رحمه الله ورضي عنه ، أحب ذكر هذه القصة بين طلبة العلم وكنت أكره ذكرها أمام بعض المتحاذقين ممن يتشككون في غير محل تشكك وهم يصدقون بالخرافات إن جاءتهم من الغربيين على هيئة فلسفات أو نظريات طبائعية ! ، فسبحان الله حين انتشر هذا الفيديو قلت في نفسي وكأنها هبة من الله أن تذكر قصة وفاة أبي زرعة ويخنس كل متحاذق بعدما رأى نظيرها بعينيه ، نعم هذا ليس لازماً وينبغي أن نذكر مناقب أئمتنا وكراماتهم الثابتة ولا نحفل بالجهال ولكن لا بأس مزيد قيام حجة
قال ابن أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل باب ما ظهر لأبي زرعة من سيد عمله عند وفاته سمعت أبي يقول: مات أبو زرعة مطعونا مبطونا يعرق جبينه في النزع فقلت لمحمد بن مسلم: ما تحفظ في تلقين الموتى لا إله إلا الله؟ فقال محمد بن مسلم: يروى عن معاذ بن جبل – فمن قبل أن يستتم رفع أبو زرعة رأسه وهو في النزع فقال: روى عبد الحميد ابن جعفر عن صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة.
فصار البيت ضجة ببكاء من حضر ( يعني أنه مات بعدها ).
حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أحمد بن إسماعيل ابن عم أبي زرعة يقول سمعت أبا زرعة يقول في مرضه الذي مات فيه: اللهم إني أشتاق إلى رؤيتك، فإن قال لي بأي عمل اشتقت إلي؟ قلت: برحمتك يا رب.
تأمل أن أبا زرعة وهو في تلك الحال ذكر الحديث بإسناده وأبى أن يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستلقي بل رفع رأسه نعم الفارق بين القصة العصرية وقصة أبي زرعة أن أبا زرعة كان ظاهراً أنه في النزع وصاحبنا الذي توفي لم يظهر ذلك عليه ، ولكن العجيب في قصة أبي زرعة أنه أمهل حتى ذكر الحديث بتمامه بالإسناد ثم مات لم يمت قبلها ولم يطل بقاؤه بعدها ولو لدقائق
وأعلم جيداً أن كثيراً من الناس لا يعرفون من هو أبو زرعة الرازي هذا الرجل من كبار أئمة الجرح والتعديل والعلل هو في ذلك الزمان بمنزلة البخاري بل ربما أجل عند كثير منهم من البخاري ولكن البخاري صنف الصحيح فاشتهر بين العامة وأما أبو زرعة فمكانته يعرفها الخاصة وراجع تقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم لتعرف منزلة هذا الإمام الذي له يد على الأمة ولا يعرفه أكثرها .