وقفة مع الكلمة المروية عن الشافعي ( من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه )

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال أبو نعيم في حلية الأولياء (9/140) : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْمُزَنِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ،
يَقُولُ:  مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ سِرًّا فَقَدْ
نَصَحَهُ وَزَانَهُ، وَمَنْ وَعَظَهُ عَلَانِيَةً فَقَدْ فَضَحَهُ وَخَانَهُ.

هذه الكلمة المروية عن الإمام الشافعي – رحمه الله –  يحتج بها أصناف من الناس فمن محتج بها في حق لا مرية
فيه كمناصحة ولاة الأمر ، ومن محتج به في باطل يريد إسكات أهل الحق عن الرد على الأخطاء
المعلنة

وقبل الشروع في إيضاح الأمر ، لا بد من التنبيه على أن هذا الأثر لا يصح
عن الشافعي فإن في سنده كذاباً ، وهو أحمد بن محمد بن مقسم

قال الذهبي في الميزان :” 541 – أحمد بن محمد بن الحسن بن مقسم المقري.

حدث عن الباغندي.

قال أبو القاسم الأزهري: كذاب.

وقال الخطيب: حدثنا عنه أبو نعيم الحافظ، ومحمد بن عمر بن بكير، والخلال،
وكان يظهر النسك والصلاح، ولم يكن في الحديث ثقة.

وقال حمزة السهمي: حدث عمن لم يره.

وقال العتيقي: توفى سنة ثمان وثلاثمائة”

وروي هذا المتن عن أم الدرداء ، ولا يصح ففي سنده متهم بالكذب

قال الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 45 : وأخبرني الحسن بن
عبد الوهاب ، أن إسماعيل بن يوسف ، قال : ثنا الوليد بن شجاع ، قال : حدثني سعيد بن
أبي سعيد الزبيدي ، قال : ثنا ثور بن الأسود ، عن صالح بن زنبور ، قال : سمعت أم الدرداء
، تقول :   من وعظ أخاه سرا فقد زانه ، ومن وعظه علانية فقد
شانه .

سعيد بن أبي سعيد الزبيدي هو ابن عبد الجبار كذبه جرير

والتسامح في أمر الآثار ، لا يعني قبول كل ما روي وإن كان من طريق الكذابين
.

 والناس في هذا الباب طرفي نقيض
، طرف يريد أن يطبق المنهج المتبع في الأحاديث المرفوعة ، على الآثار وطرف آخر يريد
أن يقبل كل ما في الكتب ولو كان معضلاً شديد الإعضال أو سنده الهلكى والمتروكين

وهذه الآثار إن صحت فلها محمل حسن ، وهو أن يكون المرء ممن لم يظهر بدعة
بحيث يضر الناس ، وإنما كان على معصية أو أمر في خاصة نفسه يناصح فيه

قال البخاري (ح 6753): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ
قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي
أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا
لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ
وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ
هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى
لَهُ أَمْ لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ
أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا
عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا قَالَ سُفْيَانُ قَصَّهُ عَلَيْنَا
الزُّهْرِيُّ وَزَادَ هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعَ أُذُنَايَ
وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنِي وَسَلُوا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ سَمِعَهُ مَعِي وَلَمْ
يَقُلْ الزُّهْرِيُّ سَمِعَ أُذُنِي خُوَارٌ صَوْتٌ وَالْجُؤَارُ مِنْ تَجْأَرُونَ
كَصَوْتِ الْبَقَرَةِ.

قال ابن حجر  في الفتح:” وفيه
أن من رأى متأولاً أخطأ في تأويل يضر من أخذ به أن يشهر القول للناس ويبين خطأه ليحذر
من الاغترار به وفيه جواز توبيخ المخطئ”

وفي هذا الرد على من أنكر قاعدة ( من أخطأ في العلن يرد عليه في العلن
) محتجاً بخبر ( ما بال أقوام ) مع أنه حجة عليه إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
تلك الكلمة في محفل من الناس ، وقد علم عدد منهم من قال تلك الكلمات

قال مسلم في صحيحه 1965- [48-870] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ
، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ
، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، أَنَّ رَجُلاً خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، فَقَدْ رَشَدَ ،
وَمَنْ يَعْصِهِمَا ، فَقَدْ غَوَى ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ ، قُلْ : وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.

قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ : فَقَدْ غَوِيَ.

فهذا أخطأ في العلن ورد عليه النبي صلى الله عليه وسلم في العلن ، ورد
فيه شدة خلافاً لمن يزعم أن السني لا يشد عليه بحال

قال البخاري في صحيحه 2223 : حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ أَخْبَرَنِي طَاوُسٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ فُلَانًا
بَاعَ خَمْرًا فَقَالَ قَاتَلَ اللَّهُ فُلَانًا أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ
الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا

وفلان هذا صحابي معروف ، وكان متأولاً ومع ذلك رد عليه عمر في العلن لما
خشي من اتباع الناس له

قال ابن أبي شيبة في المصنف 17355: حَدَّثَنَا عَبدَة , عَنْ عُبَيْدِ
اللهِ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ سُئِلَ عَنِ الْمُتْعَةِ , فَقَالَ : حرَامٌ
فَقِيلَ لَهُ : إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يُفْتِي بِهَا , فَقَالَ : فَهَلاَّ تَزَمْزَمَ
بِهَا فِي زَمَانِ عُمَرَ.

وهذا إسناد صحيح ، وهنا ابن عمر قبل خبر الثقة ، ورد على ابن عباس رضي
الله عنهما في العلن

وقال ابن أبي شيبة في المصنف 18594: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ
أَيُّوبَ ، قَالَ : قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : إنَّ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ كَانَ
يَقُولُ : إذَا زَوَّجَ السَّيِّدُ ، فَإِنَّ الطَّلاَقَ بِيَدِهِ ، فَقَالَ : كَذَبَ
جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ.

هنا سعيد بن جبير قبل قول الثقة ورد على جابر بن زيد فتياه ، وكان رده
بشدة وعلنياً

وقال ابن عباس لما بلغه ما قال أن نوفاً قال أن موسى صاحب الخضر غير موسى
بني إسرائيل قال ( كذب عدو الله )

والأمثلة على ذلك كثيرة ، من تطبيقات السلف وغيرهم

فإن قيل : أليس الأمر متعلقاً بالمصلحة ؟

فيقال : قد علمنا أن الله عز وجل قد أمرنا في كتابه وعلى لسان رسوله صلى
الله عليه وسلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فعلمنا أن مصلحة الأمر والنهي راجحة

وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ودرج عليه السلف في تطبيقهم
للأمر والنهي الأصل فيه أن فيه الحكمة والمصلحة ، ومن ادعى خلاف ذلك في حال معينة فعليه
الدليل ، وإلا فالأصل الذي يسير عليه الناس بيان الحق بالتي هي أحسن للتي هي أقوم

غير أنه ليعلم أن الرد العلني لا يقتضي الشدة بكل حال ، بل بحسب حال المخالفة
وما يكون انفع ، والشدة لا تكون انتصاراً للنفس وإنما تكون انتصاراً للشرع ، وكثيرون
يخلطون بين المقامين

قال الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 48 : أخبرني زكريا بن يحيى
الناقد ، أن أبا طالب ، حدثهم أنه ، قال لأبي عبد الله : إذا أمرته بالمعروف فلم ينته
أدعه ، لا أقول له شيئا ؟

 قال : لا ، مر بالمعروف ، قلت
له : فإن أسمعني ؟

 قال :   دعه ، إن
رددت عليه ذهب الأمر بالمعروف ، وصرت تنتصر لنفسك فتخرج إلى الإثم ، فإذا أمرت بالمعروف
فإن قبل منك ، وإلا فدعه .

قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (5/256) :” وأصل الدين أن يكون الحب
لله والبغض لله والموالاة لله والمعاداة لله والعبادة لله والإستعانة بالله والخوف
من الله والرجاء لله والإعطاء لله والمنع لله وهذا إنما يكون بمتابعة رسول الله الذي
أمره أمر الله ونهيه نهي الله ومعاداته معاداة الله وطاعته طاعة الله ومعصيته معصية
الله

وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك ولا يطلبه
ولا يرضى لرضا الله ورسوله ولا يغضب لغضب الله ورسوله بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه
ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه ويكون مع ذلك معه شبهة دين أن الذي يرضى له ويغضب له
أنه السنة وهو الحق وهو الدين فإذا قدر أن الذي معه هوالحق المحض دين الإسلام ولم يكن
قصده أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا بل قصد الحمية لنفسه وطائفته
أو الرياء ليعظم هو ويثنى عليه أو فعل ذلك شجاعة وطبعا أو لغرض من الدنيا لم يكن لله
ولم يكن مجاهدا في سبيل الله فكيف إذا كان الذي يدعي الحق والسنة هو كنظيره معه حق
وباطل وسنة وبدعة ومع خصمه حق وباطل وسنة وبدعة “

وهذا كلام جليل ينبغي تأمله طويلاً

قال شيخ الإسلام في الاستقامة (2/233) :” فلا بد من هذه الثلاثة العلم
والرفق والصبر العلم قبل الأمر والنهي والرفق معه والصبر بعده وان كان كل من الثلاثة
لا بد ان يكون مستصحبا في هذه الاحوال

وهذا كما جاء في الاثر عن بعض السلف ورووه مرفوعا ذكره القاضي ابو يعلى
في المعتمد لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر الا من كان فقيها فيما يأمر به فقيها
فما ينهي عنه رفيقا فيما يأمر به رفيقا فيما ينهى عنه حليما فيما يأمر به حليما فيما
ينهى عنه

وليعلم ان اشتراط هذه الخصال في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يوجب
صعوبته على كثير من النفوس فيظن انه بذلك يسقط عنه فيدعه وذلك قد يضره اكثر مما يضره
الامر بدون هذه الخصال او اقل فإن ترك الامر الواجب معصية وفعل ما نهى عنه في الامر
معصية فالمنتقل من معصية الى معصية اكبر منها كالمستجير من الرمضاء بالنار والمنتقل
من معصية الى معصية كالمتنقل من دين باطل الى دين باطل قد يكون الثاني شرا من الاول
وقد يكون دونه “

وهذا الكلام لا يقل نفاسة عن سابقه

وكثير من الناس أمر الشدة واللين عنده بحسب هواه .

 فإن مالت نفسه إلى اللين مع المردود
إليه صار يأتي بنصوص اللين .

 وإن مالت إلى الشدة صار يأتي بنصوص
الشدة .

 والواجب معاكسة دواعي النفس الأمارة
بالسوء لا مسايرتها ، هذا مع التقيد بالأدب السلفي مع الله ورسوله فإذا كان الأمر شركاً
أو بدعة عظم الأمر وغضب لله ورسله

قال مسلم في صحيحه 79 – ( 2328 ) حدثناه أبو كريب حدثنا أبو أسامة عن هشام
عن أبيه عن عائشة قالت : ما ضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا قط بيده ولا امرأة
ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك
شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل

قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/256) :” وَقَالَ أَحْمَدُ:
النَّاسُ مُحْتَاجُونَ إِلَى مُدَارَاةٍ وَرِفْقِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ بِلَا غِلْظَةٍ
إِلَّا رَجُلًا مُعْلِنًا بِالْفِسْقِ، فَلَا حُرْمَةَ لَهُ، قَالَ: وَكَانَ أَصْحَابُ
ابْنِ مَسْعُودٍ إِذَا مَرُّوا بِقَوْمٍ يَرَوْنَ مِنْهُمْ مَا يَكْرَهُونَ، يَقُولُونَ
مَهْلًا رَحِمَكُمُ اللَّهُ، مَهْلًا رَحِمَكُمُ اللَّهُ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: يَأْمُرُ بِالرِّفْقِ وَالْخُضُوعِ، فَإِنْ أَسْمَعُوهُ
مَا يَكْرَهُ، لَا يَغْضَبُ، فَيَكُونُ يُرِيدُ يَنْتَصِرُ لِنَفْسِهِ”

فاستثنى الإمام أحمد المعلن ، وهذا قيد مهم

أبنت هذا لأن كثيراً من الناس يريدون أن يظهروا بيان أخطائهم – ولو بعلم
وأدب – فتنة .

 وصاروا يقولون ( السلفي يجب أن
تذكر حسناته إذا رددت عليه ) !

و ( السلفي يجب أن تتثبت منه )

و ( السلفي يرد عليه برفق )

والإلزام بهذه الأمور لا يكون إلا بأدلة شرعية ، وقد علمت أن الأدلة الشرعية
تدل على مشروعية الرد على السلفي الذي أخطأ علناً مع عدم التزام الرفق وعدم ذكر حسناته

بل لعل الرد على خطأ أخيك السلفي ، يكون آكد من الرد على المخالف ، لأن
السلفي محسوب عليك ، وأما المخالف فأنت تحذر منه جملةً وتفصيلاً ، فلا يلزمك بيان أخطائه
تفصيلاً كما يلزمك في أخيك

وما زال الناس في أزمنة السلف يرد بعضهم على بعض ولم تأتِ هذه القواعد
إلا في هذا العصر العجيب ، ومن أبان له أحد إخوانه غلطاً فلا اطالبه أن يشكر لأخيه
، وإنما فقط أقول :  ارجع بصمت.

 ولا تذهب تؤصل تأصيلات تحمي بها
نفسك في المستقبل

وحتى لو علمت من هذا المبين أنه سيء الطوية حاسد ، أو مبغض فلا يمنعك هذا
من قبول الحق ، وبدلاً من أن يصور كل تنبيه على خطأ أنه فتنة ، أو سعي للإسقاط , هو
نصح اقبله بصدر رحب ، وإن كان متحاملاً قولك ما لم تقل ، أو غلطك في شيء أنت فيه مصيب
، أو صغرك مما لا تستحق فدونك فانتصر ولكن اخش على نفسك من حظها

قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/9) :” وَقَالَ عِيسَى – صَلَوَاتُ
اللَّهِ عَلَيْهِ – : لَا يَحْزُنْكَ قَوْلُ النَّاسِ فِيكَ ، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا
كَانَتْ حَسَنَةً لَمْ تَعْمَلْهَا ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا كَانَتْ سَيِّئَةً عُجِّلَتْ
عُقُوبَتُهَا “

وقال ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (2/214) :” ويروى عن عبد الرحمن
بْن مهدي أنه قَالَ: ” لولا أني أكره أن يعصى اللَّه عز وجل لسرني أن لا يبقى
فِي المصر أحد إلا اغتابني وأي شيء أشهى من حسنة يجدها المرء فِي صحيفته لم يعملها

وقال الذهبي في السير (12/500) :” وَمَا زَالَ العُلَمَاءُ قَدِيْماً
وَحَدِيْثاً يَرُدُّ بَعْضُهُم عَلَى بَعْضٍ فِي البَحْثِ، وَفِي التَّوَالِيفِ، وَبمثلِ
ذَلِكَ يتفَقَّهُ العَالِمُ، وَتتبرهَنُ لَهُ المشكلاَتُ”

قال الخطيب في الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع 1129 : أنا أبو بكر البرقاني
، قال : قرأت على محمد بن محمود المروزي حدثكم محمد بن علي الحافظ ، قال : سمعت إسحاق
بن منصور يقول :   صرت أنا ورجل خراساني وآخر بصري إلى وهب بن جرير
فحدثنا بحديث وهم فيه فإذا أنا في المنزل ، إذ أتاني فقال لي وأصلح ذلك الحديث : اكفني
الخراساني وأنا أكفيك البصري .

فهذا هدي الأتقياء والعقلاء

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (17/ 270) :” قَالَ عَبْدُ الغَنِيِّ:
لمَا رددتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ الحَاكِم (الأَوهَامَ الَّتِي فِي المدخلِ) بَعثَ
إِليَّ يَشْكُرُنِي، وَيَدْعُو لِي، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ عَاقِلٌ “

ولو انتشرت بيننا هذه النفسية الطيبة ، لزال كثير من الخلاف .

وما أبريء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء .

وقديماً كانوا يقول ( فلان يخطيء ويصر ) وأما اليوم فأصبح  (يخطيء ويؤصل )!

وإذا ظهر بعض الغلاة المنفرين ، فالتأصيلات الضبابية ليست حلاً ، فإن الخطأ
لا يعالج بالخطأ

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم