وقفة مع أبيات وعظية لابن الوزير الصنعاني

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:


فهذه أبيات قرأتها لابن الوزير الصنعاني
، وهي جد مؤثرة لا تخلو فائدة من نقلها والتعليق عليها

يقول :

إذا خاف الخليل وخاف موسى *** وآدم والمسيح وخاف نوح

ولم يتشفعوا للخلق خوفاً *** فما لي لا أخاف ولا أنوح

كذاك من الحجارة هابطات *** لخشيته وأملاك وروح

فهذا خوف من لم يعص قطعاً *** فكيف المسرف العاصي الجموح

ولست بقانط والله حسبي *** ولا أغدو بذاك ولا أروح

هذه الأبيات التي فتحت على الشاعر عجب !

فحقاً أنبياء الله وعلية أوليائه يخافون يوم القيامة ولا يشفعون وكل يقول
( نفسي نفسي )

فيقولها آدم أبو البشر الذي خلقه الله بيده ، وما فعل ذاك إلا ليكرمه وأسجد
له ملائكته ، مع كل هذا الفضل يأتي يوم القيامة خائفاً ويهاب الشفاعة

ويقولها نوح وأول رسول أرسل إلى أهل الأرض دعا إلى التوحيد ألف عام إلا
خمسين سنة ، ومع كل هذا الفضل يأتي القيامة خائفاً ويهاب الشفاعة

ويقولها إبراهيم وهو الذي حطم الأصنام بيده ، وألقي في النار لأجل التوحيد
وهاجر لله وقدم ابنه قرباناً لله عز وجل وحارب الشرك السماوي والشرك الأرضي ودعا إلى
الحنيفية السمحة كان أمةً قانتاً لله ، وبلغ رتبة الخلة ومع ذلك يأتي يوم القيامة خائفاً
ويهاب الشفاعة

ويقولها موسى _ عليه الصلاة والسلام _ وهو الذي كلمه الله وقربه نجياً
، وكتب له التوراة بيده وأوذي في ذات الله كثيراً فصبر ، وغيرها من الفضائل ومع كل
هذا يأتي يوم القيامة خائفاً ويهاب الشفاعة

ويقولها عيسى وهو الذي جعله الله آية للعالمين ، وأنزل عليه الانجيل ورفعه
إلى السماء وعيسى لم يذكر خطيئة ! ومع ذلك يأتي خائفاً ويهاب الشفاعة

فما بالك بمن هو دون الأنبياء بمراحل بل كيف بمن ليس في العدول أصلاً ،
وإذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول لخالد بن الوليد في شأن عبد الرحمن بن عوف ( لو
أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) فإذا كان هذا في المقارنة بين
صحابي وصحابي ، فما عسى أن يقال في المقارنة بين نبي وشخص مسرف عاص !

ثم ذكر الشاعر حال الحجارة التي تهبط من خشية الله ، وذكر حال الملائكة
الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، إذا تكلم الله بالوحي صعقوا من خشية
الله ، وهم ما خالفوا الوحي

فما بال من خوطب بالوحي يخر على آيات الله أصماً أعمى !

 بل إنك ترى عجباً من حال من يقوم
لله بالقرآن في شهر رمضان ، فإذا جاء العيد رأيت إعراضاً عجباً عما سمعه وقام به في
شهر رمضان

ولما أحس الشاعر بأن هذه الأبيات ربما قنطت الناس ذكر أنه يحسن الظن بالله
عز وجل 

وضابط حسن الظن بالله المحمود أنه لا يحمل على ترك المأمور أو فعل المحظور فإن
حمل على ذلك كان أمناً من مكر الله

وكذلك الأمر في الخوف من الله إذا حمل على ترك المأمور أو فعل المحظور
كان ذلك قنوطاً

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم