وقفات مع كلام الدكتور محمد الحسن ولد الددو عن مفهوم أهل السنة والجماعة

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

وقفات مع كلام الدكتور محمد الحسن ولد الددو عن مفهوم أهل السنة والجماعة

أرسل لي بعض الأخوة مقطعاً صور حديثاً للدكتور محمد الحسن ولد الددو يقول فيه صراحة: لا يوجد فرقة ناجية. وأن هذا تحجير لواسع، وأنه يوم القيامة لا يوجد فِرَق وإنما أفراد، وفي كلامه تناقض إذ حصر أهل السنة بالحنبلية والأشعرية والماتردية.

فإذا كان لا يوجد فرقة ناجية فما فضل هؤلاء على الرافضة والمعتزلة والجهمية يوم القيامة؟

ألن يحاسب الخوارج جميعاً على بدعتهم ويثاب من اجتنب بدعتهم؟

ألا توجد سورة في القرآن اسمها (الزمر) فهناك زمر للجنة وزمر للنار، فالمرء يحاسب باعتبار أفعاله الفردية ولا شك، وهناك مجموع لأهل الفضل، فكما أن هناك مجموع للعدول في مقابل الفساق، ومجموع لأهل الإسلام في مقابل الكفار، فهناك مجموع لأهل السنة مقابل المبتدعة.

ومن عجيب كلامه أن مشكلة الصفات جاءت بسبب دخول أناس ليسوا عرباً في الإسلام فلا يمكن أن نقول لهم (الاستواء معلوم).

ومع أن الاستواء مفسر بالعلو والارتفاع في صحيح البخاري وعموم كتب التفسير، إلا أن علو الله على خلقه الذي أنكره الجهمية الذين يسميهم الددو أهل سنة من المشتركات بين الأمم، ولهذا حتى من يؤمن بالتوراة والانجيل بل حتى المجوس يقولون بالعلو.

قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية: “وروى الإمام «عبد الرحمن بن أبي حاتم» في كتاب «الرد على الجهمية» عن «سعيد بن عامر الضبعي» إمام أهل البصرة علمًا ودينًا، من طبقة شيوخ الشافعي وأحمد وإسحاق، أنه ذكر عنده الجهمية، فقال هم شر قولًا من اليهود والنصارى، وقد اجتمع اليهود والنصارى، وأهل الأديان مع المسلمين، على أنَّ الله فوق العرش، وقالوا هم: «ليس عليه شيء»”.

ولابن كلاب كلام معروف في أن عموم الناس يؤمنون بالعلو بالفطرة، وكذلك الحكيم الترمذي، واعترف الغزالي أن عقيدة الأشاعرة صعبة على العوام، ولا يعتقدها إلا الواحد بالألف.

ومن عجيب كلام الددو قوله بأن الأشعري اقترح التأويل للوجه واليد كما أول ابن عباس وأم سلمة (وهو معكم أينما كنتم) بأنه بالعلم.

وكلامه فيه مشاكل، أولها أن تأويل اليد ليس ثابتاً عن الأشعري وهو قول الجهمية، وإنما قال به المتأخرون.

قال الترمذي في جامعه: “وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر، فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إن معنى اليد هاهنا القوة.
وقال إسحاق بن إبراهيم: إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيد، أو مثل يد، أو سمع كسمع، أو مثل سمع، فإذا قال: سمع كسمع، أو مثل سمع، فهذا التشبيه”.

وأما المذكور عن الأشعري ففي طبقات الشافعية الكبرى: “وما نقموا من الأشعرى إلا أنه قال بإثبات القدر لله خيره وشره ونفعه وضره، وإثبات صفات الجلال لله من قدرته وعلمه وإرادته وحياته وبقائه وسمعه وبصره وكلامه ووجهه ويده، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق”.

لاحظ (ويده ووجهه) وقد نسب هذا المذهب للأشعري كل من الجويني وابن عطية وابن المنير، وهو واضح في كلام الباقلاني في التمهيد وهو يصف نفاة اليد بالاعتزال.

وأما ما نسبه الددو للصحابة فغلط على أم سلمة، وأما المروي عن ابن عباس فهو في سياق إثبات العلو ومراعاة السياق، وليس صرفاً للفظ عن ظاهره.

قد ذكر ابن عبدالبر وغيره أن هذا إجماع من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولم يخالفهم فيه أحد يعتد بقوله، وهو مأثور عن ابن عباس، والضحاك، ومقاتل بن حيان، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل، وغيرهم.
ثم ذكر ما رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد: 4]، قال: هو على العرش وعلمه معهم .

وفي كلامه مشكلات لا تنحصر بيسر، فالأشاعرة والماتردية وقعوا في الإرجاء، والأشعرية وقعوا في الجبر، وهو شر من قول القدرية الذين ذمهم السلف، وعامتهم قالوا بخلق القرآن الذي بين أيدينا، وكلام أحمد لا ينحصر في تجهيم من هذا قوله، وقد وقع الإجماع على هذا، ولهذا لا خصوصية للحنابلة، ولهذا أيضاً كان الحنابلة في عداء مع الأشاعرة طوال تاريخهم.

وأخطر ما في كلامه قوله بأن (أهل السنة) بزعمه ابتدعوا التأويلات لأن الأمر ضرورة وحاجة والحاجة أم الاختراع، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم ما تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

وقد كمل لنا الدين، وهذا أعظم مطلب، وهو مطلب معرفة الله عز وجل، وكل البشر إذا سمعوا عن رؤية الله عز وجل ولذة النظر إلى وجهه تقبل قلوبهم على ربهم إلا من جحد أو كابر دون أن تمر وساوس الجهمية.

وتصويره أنه لا خلاف في أن يغفر ويرحم ويثيب وغير ذلك باطل بل هناك خلاف، فعامتهم الجهمية لا يثبتون لله أفعالاً تقوم به من محبة الأمور وبغضها، ويثبتون آثار هذه الصفات فقط.

فالناس يفرقون بين الفعل القائم بالذات كأن تكون غاضباً وبين الفعل المتعدي كأن تعاقب غيرك، والجهمية جعلوا ذلك واحد في حق الله، وحملوه على المخلوق المنفصل.