وقفات مختصرة مع قولهم ( فلان أصوله سلفية ) فلا ينبغي إسقاطه

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن مما ينتشر اليوم عند الكلام على أي منحرف أنك تسمع من يقول ( هذا أصوله
سلفية ) ، كذا يقال لرد جرح العلماء فيه

ولي مع هذه الكلمة وقفات

الأولى : أن يُسأل
قائل هذا الكلام ( ما هي الأصول السلفية ) ؟ ، وكم عددها وما ضابط معرفتها؟

وهل اتصف من وصفته بهذا الوصف بهذه الأصول ؟

قال البربهاري في شرح السنة :” ولا يحل لرجل أن يقول: فلان صاحب سنة
حتى يعلم منه أنه قد اجتمعت فيه خصال السنة، لا يقال له: صاحب سنة حتى تجتمع فيه السنة
كلها”

وعامة من يطلق هذه الكلمة لا يعرف ( الأصول السلفية ) ما هي ؟ ، ولا كيف
تعرف ولا طريقة الاستدلال عليها

الثانية : أنه قد ثبت
عن جمع من أئمة أهل السنة التبديع بأمور يراها هؤلاء الإخوة ( فروعاً )

قال ابن رجب في فتح الباري (5/166) :” وسئل الإمام أحمد ، فقيل لهُ
: إن عندنا قوما يأمروننا برفع اليدين في الصلاة ، وقوما ينهوننا عنه ؟ فقالَ : لا
ينهاك إلا مبتدع ، فعل ذَلِكَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وكان ابن عمر يحصب
من لا يرفع .

فلم يبدع إلا من نهى عن الرفع وجعله مكروها ، فأما المتأول في تركه من
غير نهي عنه فلم يبدعه “

قلت :مسألة رفع اليدين في الصلاة قبل الركوع وبعده ، مسألة فروعية ومع
هذا بدع الإمام أحمد من ينهى عن فعل السنة فيها .

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (13/ 361) :” مَنْ عَدَلَ عَنْ
مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَفْسِيرِهِمْ إلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ
كَانَ مُخْطِئًا فِي ذَلِكَ بَلْ مُبْتَدِعًا وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا مَغْفُورًا
لَهُ خَطَؤُهُ”

قلت : لا شك أنه لا يريد مخالفتهم في كل التفسير ، وإنما يريد مخالفتهم
في أفراد ، وقول شيخ الإسلام يشمل من كانت أصوله سلفية على ما يقال اليوم ، ومن لم
تكن كذلك

وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (24/ 172) :” وَرُبَّمَا اخْتَلَفَ
قَوْلُهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ مَعَ بَقَاءِ الْأُلْفَةِ
وَالْعِصْمَةِ وَأُخُوَّةِ الدِّينِ . نَعَمْ مَنْ خَالَفَ الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ
وَالسُّنَّةَ الْمُسْتَفِيضَةَ أَوْ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ خِلَافًا
لَا يُعْذَرُ فِيهِ فَهَذَا يُعَامَلُ بِمَا يُعَامَلُ بِهِ أَهْلُ الْبِدَعِ”

وهذا يشمل مسائل الأصول والفروع

الثالثة : أن من المتقرر
عند السلف أن من ينافح عن أهل البدع فإنه يعاقب ويلحق بهم وإن كانت أصوله سلفية

قال ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/160) :” أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ قِرَاءَةً قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّارَقُطْنِيُّ حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ إِسْمَاعِيل بْن بكر السكري قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيَّ
يَقُولُ قلت: لأبي عبد اللَّه أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ أَرَى رَجُلا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ
مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ أَتْرُكُ كَلامَهُ قَالَ: لا أو تعلمه أَنَّ الرَّجُلَ
الَّذِي رَأَيْتَهُ مَعَهُ صَاحِبُ بِدْعَةٍ فَإِنْ تَرَكَ كَلامَهُ فَكَلِّمْهُ وَإِلا
فَأَلْحِقْهُ بِهِ”

فكيف بمن ينافح عنه ويدخله في السنة ، ويؤصل الأصول الفاسدة في الذب عنه

قال ابن بطة في الشرح والإبانة ص309 :” ومن السنة مجانبة كل من اعتقد
شيئاً مما ذكرناه ، وهجرانه والمقت له ، وهجران من والاه ، ونصره وذب عنه وصاحبه ،
وإن كان الفاعل لذلك يظهر السنة “

فقوله (وإن كان الفاعل لذلك يظهر السنة ) يساوي قول الناس اليوم ( أصوله
سلفية )

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (15/ 286) :” وَلِهَذَا كَانَ
مُسْتَحِقًّا لِلْهَجْرِ إذَا أَعْلَنَ بِدْعَةً أَوْ مَعْصِيَةً أَوْ فُجُورًا أَوْ
تَهَتُّكًا أَوْ مُخَالَطَةً لِمَنْ هَذَا حَالُهُ بِحَيْثُ لَا يُبَالِي بِطَعْنِ
النَّاسِ عَلَيْهِ “

وكلام شيخ الإسلام في المخالطة فقط ، فكيف بالمنافحة عنه وأذية أهل السنة
من أجله

بل إنهم شنعوا على من لم يحكم بحكم أهل العلم على أهل البدع ، وإن كان
يغلطهم

قال أبو بكر ابن عبد الخالق في زوائد الورع ص 89 سألت عبد الوهاب _ يعني
الوراق _ عمن لا يكفر الجهمية قلت يا ابا الحسن يصلي خلفه قال لا يصلي خلفه هذا ضال
مضل منهم على الاسلام

وقال أيضاً سألت عبد الوهاب يجالس من لايكفر الجهمية قال لا تجالسون ولا
يكلمون المرء على دين خليله

الرابعة : أن هذا المجروح
لو كان مخلصاً في تطبيق الأصول السلفية ، لما وقع في مخالفات يجرحه العلماء بها ، ولو
وقعت منه مخالفة بغير قصد أو عن طريق الاجتهاد ، فإنه عند أول مناصحة ترجعه أصوله السلفية
إلى الحق

ويقال أن القاعدة فيمن جرحه العلماء المعتبرين جرحاً مجملاً وهو في الأصل
معدل أن يتوقف فيه حتى ينظر في الجرح ، لا أن يرد الجرح مباشرةً ، أو يجتهد بعضهم في
اختيار سبب للجرح ثم يأخذ في رده

قال المعلمي في التنكيل (1/61) :” فالتحقيق أن الجرح المجمل يثبت
به جرح من لم يعدل نصاً ولا حكماً ، ويوجب التوقف فيمن قد عدل حتى يسفر البحث عما يقتضي
قبوله أو رده”

فكيف بمن جرحه العلماء جرحاً مفسراً وتتابعوا عليه ، وقبل جرح العلماء
له قد رد عليه طائفة من طلبة العلم جهله وتخبطات

ومن كان متوقفاً لا يجوز له أن يصدر هذا المجروح ، فليست هذه حال المتوقفين

الخامسة : أن هذا الأسلوب
في الدفاع عن بعض المجروحين ، صالح للاستخدام عند الحزبيين

فالقطبي والسروري والحزبي وغيرهم  يقول ( أصولي سلفية )

وهكذا كل أصول أهل التمييع التي يؤصلونها في الدفاع عن مشايخهم ، يستفيد
منها أهل التحزب والقطبيين

بل هي أصلاً مأخوذة من القطبيين فهذا حامد العلي يقول في كتابه ضوابط ينبغي
تقديمها قبل الحكم على الأشخاص :” أما إن كان موافقا لأهل السنة في جملة ما يقولون
، وفي عامة أقواله ، ثم زل في مسألة ليست من أصول العقيدة ، فوافق فيها قول طائفة من
أهل البدع ، فإنه لا يخرج من جملة أهل السنة والجماعة “

وقد تقدم نقض هذا الكلام

السادسة : أن السلف
بدعوا الواقفة واللفظية مع أن فيهم محدثين وأئمة في العلل من أمثال يعقوب بن شيبة

قال الخلال في السنة 2109: سمعت أبا بكر المروذي يقول : أتيت أبا عبد الله
ليلة في جوف الليل فقال لي : يا أبا بكر ، بلغني أن نعيماً كان يقول :

 لفظي بالقرآن مخلوق، فإن كان قاله
فلا غفر الله له في قبره .

ونعيم لم يصح عنه أنه قال هذه الكلمة  ، ولكن تأمل قول أحمد ( لا رحمه الله إن كان قالها
) ، ونعيم أصوله سلفية بل من أئمة أهل السنة ، وقد مات في سجن الجهمية

السابعة : أن هذا الذي
تقولون عنه ( أصوله سلفية ) بشر ، والبشر ليس معصوماً عن التناقض ، فقد تكون أصوله
سلفية ثم يناقض هذه الأصول لهوى فيه في مسألة ما ، فتكون أصوله السلفية حجةً عليه لا
له

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم