وصية نافعة من شيخ الإسلام ابن تيمية للمستثقفين

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء
الصراط المستقيم ص442 :” ومن شأن الجسد إذا كان جائعا فأخذ من طعام حاجته ؛
استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكراهة، وتجشم، وربما ضره أكله،
أو لم ينتفع به، ولم يكن هو المغذي له الذي يقيم بدنه، فالعبد إذا أخذ من غير
الأعمال المشروعة بعض حاجته، قلّت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من
غيره، بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع، فإنه تعظم محبته له ومنفعته به، ويتم
دينه ، ويكمل إسلامه .

ولذا تجد من أكثر من سماع القصائد لطلب
صلاح قلبه ؛ تنقص رغبته في سماع القرآن، حتى ربما كرهه، ومن أكثر من السفر إلى
زيارات المشاهد ونحوها ؛ لا يبقى لحج البيت الحرام في قلبه من المحبة والتعظيم ما
يكون في قلب من وسعته السنة، ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس
والروم، لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع، ومن أدمن قصص الملوك
وسيرهم ؛ لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام، ونظير هذا كثير “.

أقول : هذا الكلام العظيم من شيخ الإسلام
فيه توجيهات نافعة تحتاجها الأمة أجمع وأدعياء الثقافة خاصة

فأولها : قوله ( ولذا تجد من أكثر من سماع
القصائد لطلب صلاح قلبه ؛ تنقص رغبته في سماع القرآن) ينطبق تماماً على أهل
الأناشيد الذين يحرصون على ترقيق قلوبهم بهذه الأمور ، فتنقص رغبتهم في القرآن بل
قد تنعدم

قال أحمد في مسنده 10220 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو أَحْمَدَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنِ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
” لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا حَتَّى يَرِيَهُ ، خَيْرٌ
لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا “

والشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح كما
قالت أم المؤمنين عائشة ، غير أن هذا النهي عن الإكثار منه إنما ورد لصده عن
القرآن ، هذا إذا لم يكن الشعر في نفسه مطلوباً لترقيق القلب ، فأما إذا طلب
لترقيق القلب واقترن به الصوت الحسن ودخلت فيه شبهة التعبد صار مضاهياً للقرآن
وصاداً عنه

ثانيها :قوله ( من أدمن على أخذ الحكمة
والآداب من كلام حكماء فارس والروم، لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك
الموقع) وهذا ينطبق على أدعياء الثقافة في عصرنا ممن يدرسون ثقافة الأمم الكافرة ،
وأشباههم ممن يحاولون السير على طريقتهم والتشبه بهم وإن لم يكن في مثل معرفتهم
فترى هؤلاء يكثرون من

( قال أرسطو ) و ( قال دافنشي ) وغيرهم ،
وقد أغنانا الله عز وجل عن كل هذا بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وسير من
اقتفى الوحي من السلف

قال الله تعالى ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ
أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِن فِي ذَلِكَ
لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)

وقال الله تعالى ( قُلْ إِنَّمَا
أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا
يُنْذَرُونَ)

وقال الله تعالى ( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ
بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ )

وفي حديث جابر الطويل في صحيح مسلم : وَقَدْ
تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ ، كِتَابُ
اللهِ

وقال البخاري في صحيحه 6117 – حَدَّثَنَا
آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي السَّوَّارِ الْعَدَوِيِّ
قَالَ سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ
كَعْبٍ مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ إِنَّ مِنْ الْحَيَاءِ وَقَارًا وَإِنَّ مِنْ
الْحَيَاءِ سَكِينَةً فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صَحِيفَتِكَ

وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (2/84)
:” وعند المسلمين من العلوم الإلهية الموروثة عن خاتم المرسلين ما ملأ العالم
نورا وهدى “

ومثل المفتونين بفلاسفة الغرب ، المفتونون
بأخبار الأعراب المتأخرين ، والتي تسجل في أشرطة اليوم ، ويسمى المختص في هذا
الأمر ( راوية ) ، ولعل هذا الراوية يجري أبحاثاً في بعض القصص هل حصلت مع فلان من
القبيلة الفلانية أو فلان من القبيلة الفلانية ، وكأنه يخرج حديثاً مرفوعاً !

فالانشغال بمثل هذه الأمور لا يبقى لحكمة
الإسلام وآدابه في قلب المرء ذاك الموقع

ثالثها : قوله ( ومن أدمن قصص الملوك
وسيرهم ؛ لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام، ونظير هذا كثير) ينطبق
على من فتن بما يسمى ب( الروايات )

وفيه توجيه مبطن للمؤرخين الذين يخلطون
سير الصالحين من الفقهاء والمحدثين والأئمة العادلين ، والطالحين من الملوك الظلمة
، وفساق الشعراء بل وصل الأمر ببعضهم أن ترجم لجنكيز خان

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم