هل يحصل تزاوج بين الإنس والجن ؟

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد رأيت بعض الناس ينكر وقوع التزاوج والتناكح بين الجن والإنس مطلقاً

والحكم الشرعي في ذلك أنه محرم على الصحيح ، ولكن هل هو جائز الوقوع
( حساً ) ؟

هذا هو البحث هنا

قال ابن أبي حاتم في تفسيره [ 16430 ]:

 حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ
حَمْزَةَ، ثنا شَبَابَةُ، ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ
قوله: صرح بِرْكُةُ مَاءٍ ضَرَبَ عَلَيْهَا سُلَيْمَانُ قَوَارِيرَ أَلْبَسَهَا وَكَانَتْ
بِلْقَيْسُ هَلْبَاءَ شَعْرَاءُ قَدَمَاهَا حَافِرٌ كَحَافِرِ الْحِمَارِ، وَكَانَتْ
أُمُّهَا جِنِّيَّةً.

وهذا صحيح إلى مجاهد وظاهره أنه يرى جواز وقوع التزواج والتوالد بين
الجن والإنس ( حساً )

وقال ابن أبي حاتم في تفسيره [16431 ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
يَحْيَى، أَنْبَأَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، ثنا يَزِيدُ، ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ
قَوْلُهُ: يل لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً

مَاءً وَكَانَ الصَّرْحُ بِنَاءً مِنْ قَوَارِيرَ بُنِيَ عَلَى الْمَاءِ
فَلَمَّا رَأَتِ اخْتِلافَ السَّمَكِ وَرَاءَهُ لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهَا أَنَّهُ
لُجَّةُ مَاءٍ، كَشَفَتْ، عَنْ سَاقَيْهَا، وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ أَحَدَ أَبَوَيْهَا
كَانَ جَنِيًّا وَكَانَ مُؤَخَّرُ رِجْلِهَا كَحَافِرِ الدَّابَّةِ وَكَانَتْ إِذَا
وَضَعَتْهُ عَلَى الصَّرْحِ هَشَّمَتْهُ.

وهذا كسابقه ، وقد روي عن الحسن أنه كان ينكر التوالد ولم ينكر التناكح
ولم أقف عليه

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان (2/ 413) :”
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ الْمُنَاكَحَةِ بَيْنَ بَنِي آدَمَ وَالْجِنِّ.
فَمَنَعَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَبَاحَهَا بَعْضُهُمْ.

قَالَ الْمَنَاوِيُّ (فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) : فَفِي الْفَتَاوَى
السِّرَاجِيَّةِ لِلْحَنَفِيَّةِ: لَا تَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ
وَإِنْسَانِ الْمَاءِ ; لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ. وَفِي فَتَاوَى الْبَارِزِيِّ مِنَ
الشَّافِعِيَّةِ: لَا يَجُوزُ التَّنَاكُحُ بَيْنَهُمَا. وَرَجَّحَ ابْنُ الْعِمَادِ
جَوَازَهُ. اه.

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا مُسْتَنْكَرٌ لِلْعُقُولِ ; لِتَبَايُنِ
الْجِنْسَيْنِ، وَاخْتِلَافِ الطَّبْعَيْنِ ; إِذِ الْآدَمِيُّ جُسْمَانِيٌّ، وَالْجِنِّيُّ
رُوحَانِيٌّ. وَهَذَا مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ، وَذَلِكَ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ،
وَالِامْتِزَاجُ مَعَ هَذَا التَّبَايُنِ مَدْفُوعٌ، وَالتَّنَاسُلُ مَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ
مَمْنُوعٌ. اه.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ: نِكَاحُهُمْ جَائِزٌ عَقْلًا
; فَإِنْ صَحَّ نَقْلًا فَبِهَا وَنِعْمَتْ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ – عَفَا اللَّهُ عَنْهُ -: لَا أَعْلَمُ فِي كِتَابِ
اللَّهِ وَلَا فِي سُنَّةِ نَبِيِّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – نَصًّا
يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ مُنَاكَحَةِ الْإِنْسِ الْجِنَّ، بَلِ الَّذِي يُسْتَرْوَحُ
مِنْ ظَوَاهِرِ الْآيَاتِ عَدَمُ جَوَازِهِ. فَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ:
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا الْآيَةَ ، مُمْتَنًّا عَلَى
بَنِي آدَمَ بِأَنَّ أَزْوَاجَهُمْ مِنْ نَوْعِهِمْ وَجِنْسِهِمْ، يُفْهَمُ مِنْهُ
أَنَّهُ مَا جَعَلَ لَهُمْ أَزْوَاجًا تُبَايِنُهُمْ كَمُبَايَنَةِ الْإِنْسِ لِلْجِنِّ،
وَهُوَ ظَاهِرٌ”

أقول : الذي عليه مجاهد وقتادة جواز وقوع ذلك عقلاً وحساً ، ولا أعلم
لهما مخالفاً من التابعين ولزوم هدي الأوائل هو المتعين ، ويبقى بحث جواز ذلك شرعاً
فيستدل بالأدلة التي ذكرها الشيخ على التحريم

وقد ادعى الآلوسي في روح المعاني استحالة ذلك

ونقل كلامه وقال به حاطب الليل مشهور حسن سلمان في كتابه الذي جمعه
في كلام شيخ الإسلام عن الجان

وقد وصف الآلوسي آثار السلف في المسألة بالخرافات وأقره مشهور

والخرافة هي وحدة الوجود التي كان يؤمن بها هذا ( الآلوسي )

وليحذر المرء من مخالفة سبيل السلف والتأثر بالمتكلمين ومن تأثر بهم
، ولم يزعم أحد من السلف في القرون الفاضلة فيما أعلم استحالة ذلك ومجاهد وقتادة نصا
على ذلك وهما من أعيان التابعين وعمدة في التفسير

وقال الترمذي في جامعه [  2952 ]:

 حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ
قَالَ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَزْمٍ، أَخُو حَزْمٍ القُطَعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ
الجَوْنِيُّ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي القُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ
أَخْطَأَ.

هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الحَدِيثِ فِي
سُهَيْلِ بْنِ أَبِي حَزْمٍ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ، أَنَّهُمْ شَدَّدُوا فِي
هَذَا فِي أَنْ يُفَسَّرَ القُرْآنُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَأَمَّا الَّذِي رُوِيَ عَنْ
مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّهُمْ فَسَّرُوا القُرْآنَ،
فَلَيْسَ الظَّنُّ بِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي القُرْآنِ أَوْ فَسَّرُوهُ بِغَيْرِ
عِلْمٍ أَوْ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا
قُلْنَا، أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ

وهذا باب خبري محض لا علاقة له بالرأي أصلاً

وقد قال شيخ الإسلام كما مجموع الفتاوى (19/39) :” وقد يتناكح
الإنس والجن ويولد بينهما ولد وهذا كثير معروف”

وشيخ الإسلام ثقة ثبت إذا قال هذا كثير معروف فهو في عصره كثير معروف

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم