هل من يترك التزوج على امرأته مأجور؟

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

هذا النقل منتشر في الناس انتشار النار في الهشيم.

وهو مقصوص مبتور، فما الذي بُتر منه؟

النص في «الفتاوى الهندية» وعن الفتاوى الهندية نقله ابن الهمام في «فتح القدير» وابن نجيم في «البحر الرائق» وصاحب «مجمع الأنهر» وكلهم نقلوه مع تلك الفقرة المقصوصة.

ونُنوِّه أن المذكور في «الفتاوى الهندية» ليس قول كل الحنفية، وإنما جماعة من متأخريهم فقط.

قال ابن الهمام: “وفي الفتاوى: رجل له أربع نسوة وألف جارية، أراد أن يشتري جارية أخرى فلامه رجل آخر يخاف عليه الكفر. وقالوا: إذا ترك أن يتزوج كي لا يدخل الغم على زوجته التي كانت عنده كان مأجورا”.

فقبل النص المنتشر في مواقع التواصل ينصون على أن من لام معدداً فإنه يُخشى عليه الكفر ولو كان عند المعدد ألف جارية!

وهذه على عادتهم في التوسع في التكفير، فهُم من أوسع المذاهب بهذا.

فإن قلت: كلامهم ليس بحجة هنا.

فنقول: وكلامهم الثاني ليس بحجة، ولماذا يؤخذ من كلامهم ما يوافق أهواء النساء أو أهل العصر، ويُترك كلامهم الآخر الملتصق به، هل هذا من الأمانة العلمية؟

والحق أن هذا سلوك متكرِّر أن يؤتى من كلام العلماء والمذاهب ما يوافق أهواء شريحة من الجمهور.

واليوم لا يُلام المعدد فحسب، بل يُذم التعدد مطلقاً ويحارَب المعدد ويُسخر منه ويُوصف بالشهوانية وانعدام الوفاء وغيرها من الأوصاف.

وصاحب «البحر الرائق» ما خشي الكفر على من لام المعدد في الزواج لحقوق الزوجية، ولكنه أبقى الخشية على من لام المتسرِّي (من يعدد الجواري)، لأنهن دون الزوجات في ذلك.

فلا يصلح أن تأخذ من التراث شيئاً يغذي نظرة عصرية متشبعة بثقافة وافدة، -حتى إن العزباء التي لا تدري نصيبها يأتي بتعدد أم لا، تذم التعدد- وتترك ما يخالف هذه الأهواء فتكتمه، هذه ليست من المصلحة، بل الاعتدال أن يُبيَّن الأمر بتمامه، حتى لا يذهب الناس إلى غلو أو جفاء.