قال سليمان العلوان في شرح تجريد التوحيد :” فلو عبد الصنم وقال:
أنا أعرف أن عبادة الأصنام شرك ، وأعرف أن هذا لا يضر ولا ينفع ولكن لحظِّ من حظوظ
الدنيا عند الوزير الفلاني والملك الفلاني فنقول إن هذا لا يعفيه من كفره ، كذلك الذي
يحكم بغير شرع الله ويبطل شرع الله ، ويضع موضع ذلك القوانين الوضعية ويحكم بآراء اليهود
والنصارى وبآراء العلمانيين ويرفض الحكم بشرع الله ويبطش بمن طالبه بذلك ، فلا ينفعه
حينئذٍ أن يقول: أنا اعتقد أن حكم الله أحسن من حكم الطاغوت .
إذا كنت تعتقد أن حكم الله أحسن من حكم الطاغوت لماذا تحكم بغير شرع الله
؟ كالذي يقول أنا اعتقد أن عبادة الأصنام باطلة ويعبد الأصنام ، لا فرق بين هذا وهذا
.
فالله جل وعلا سمى هذا مشركاً وسمى هذا مشركاً ، فقال تعالى } ولا يشرك
في حكمه أحداً { سماه الله جل وعلا مشركاً ، } ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم
الكافرون { الكفر إذا عُرِّف بالألف واللام فلا يحتمل إلا الأكبر .
ولا يغني عن هؤلاء ترقيع أتباعهم لهم بأن هذا كفر دون كفر أو غير ذلك من
شبه هؤلاء”
أقول : ظاهر كلام العلوان بل نصه أن الآية في الكفر الأكبر فيلزمه أن يكفر
كل من دخل عموم الآية ويدخل فيه حتى من حكم بغير ما أنزل الله ولو حكم في مسألة واحدة
وهذا عين مذهب الخوارج
قال أبو المظفر السمعاني في تفسيره [2/ 42]: اعلم أن الخوارج يستدلون بهذه
الآية ويقولون من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر وأهل السنة لا يكفرون بترك الحكم.
اهـ
قال ابن عبد البر في التمهيد [17/ 16]: وقد ضلت جماعة من أهل البدع من
الخوارج والمعتزلة في هذا الباب واحتجوا بآيات ليست على ظاهرها مثل قوله عز وجل: {ومن
لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم
الكافرون}.اهـ
وقال الجصاص في أحكام القرآن [4/ 92]: وقد تأولت الخوارج هذه الآية على
تكفير من ترك الحكم بغير ما أنزل الله من غير جحودٍ لها. اهـ
قال الشاطبي في الإعتصام [2/ 183 – 184] والآجري في الشريعة [1/ 31] واللفظ
له: مما يتبع الحرورية من المتشابه قول الله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك
هم الكافرون} ويقرؤون معها {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} فإذا رأوا الإمام حكم بغير
الحق قالوا كفر. اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة [5/ 131]: {فلا وربك لا يؤمنون
حتى يحكموك فيما شجر بينهم …. } وهذه الآية مما يحتج به الخوارج على تكفير الولاة
الذين يحكمون بغير ما أنزل الله. اهـ
قال إسماعيل بن سعد في [سؤالات ابن هاني 2/ 192]:
سألت أحمد: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْكَافِرُونَ}. قلت: فما هذا الكفر؟
قال: كفر لا يخرج من الملة. اهـ
ولما سأله أبو داود السجستاني في سؤالاته [ص 114] عن هذه الآية؛ أجابه
بقول طاووس وعطاء وسيأتي ذكرهما.
وذكر شيخ الإسلام بن تيمية في [مجموع الفتاوى 7/ 254] وتلميذه ابن القيم
في [حكم تارك الصلاة ص 59 – 60]: أن الإمام أحمد -رحمه الله- سئل عن الكفر المذكور
في آية الحكم.
فقال: كفر لا ينقل عن الملة؛ مثل الإيمان بعضه دون بعض، فكذلك الكفر، حتى
يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه. اهـ
ثم إنه حتى لو اختار مذهباً في المسألة لتأويل تأوله ، أفيجوز له أن يصف مخالفيه بأتباع الطواغيت ؟
وفي هذا كفاية للمنصف ومن أراد المزيد فليراجع رسالتي
وليعلم أن العلوان يعذر عباد القبور بالجهل إذا لم يكونوا معرضين بل وساب
الله عز وجل ورسوله ، فما رأي أصحابه في ذلك؟
قال سليمان العلوان في شرح تجريد التوحيد :” . أن السجود للأصنام
كفر أكبر سواء اعتقد أن الأصنام تنفع أو لم يعتقد، وأن الطواف حول القبور على وجه التعبد
شرك أكبر ، وأن سب الله وسب رسول الله سباً صريحاً كفر أكبر دون ربط ذلك بالتكذيب أو
الاستخفاف أو الاعتقاد ، فمجرد هذا القول كفر أكبر ما لم يكن جاهلاً أو مكرهاً .
أهل الأرجاء ينكرون وجود شيء اسمه كفر الأفعال ، فلا يكفر بالفعل عند المرجئة
سواء سجد للصنم أو طاف حول القبر حتى يعتقد وهذا باطل باتفاق أهل السنة والجماعة .
وأهل الأرجاء أيضاً يقولون لا يكفر بترك جنس العمل مطلقاً ، وهذا باطل
بإجماع أهل العلم كما نقل الإجماع الإمام الآجري في الشريعة ، والإمام ابن بطه في الإبانة
، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان “
تأمل قيد ( ما لم يكن جاهلاً ) بعد ذكر سب الله وعبادة القبور وله كلام آخر في تكفير ساب الله مطلقاً
وأما أثر ابن عباس
والآن إليك التفصيل في الكلام على الأثر:
جاء عن ابن عباس – رضي الله عنه- في هذا ألفاظ منها:
اللفظ الأول: [كفرٌ لا ينقل عن الملة].
رواه ابن نصر المروزي [تعظيم قدر الصلاة، رقم:573] من طريق عبد الرزاق عن سفيان عن رجلٍ عن طاووس عن ابن عباس به، ففي إسناده رجل مبهم؛ فلا يصح.
واللفظ الثاني: [إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفراً ينقل عن الملة].
رواه -أيضاً- ابن نصر المروزي [رقم:569] والحاكم [مستدركه2/ 313 – 3219] من طريق ابن عيينة عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباسٍ.
وهشام ضعيف؛ ضعفه الإمام أحمد، ويحيى بن معين، والعقيلي وجماعة.
وقال علي بن المديني: قرأت على يحي بن سعيد حدثنا ابن جريج عن هشام بن حجير، فقال يحي بن سعيد: خليق أن أدعه. قلت أضربُ على حديثه؟ قال نعم. وقال ابن عيينة لم نكن نأخذ عن هشام بن حجير ما لا نجده عند غيره.
[انظر الضعفاء للعقيلي4/ 337 – 338] والكامل لابن عدي [7/ 2569] وتهذيب الكمال [30/ 179 – 180] وهدي الساري لابن حجر [447 – 448].
فلا يصح.
واللفظ الثالث: [كفرٌ دون كفر].
رواه الحاكم [2/ 313/3219] من طريق ابن عيينة عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس، وفيه هشام؛ فلا يصح.
واللفظ الرابع: [هي به كفر].
أخرجه المروزي [تعظيم قدر الصلاة ص339]. وابن جرير [10/ 356] عن الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق به. وعبد الرزاق [التفسير1/ 186/713] عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس به .. وقال طاووس: وليس كفراً بالله وملائكته وكتبه ورسله. وهذا سندٌ صحيح لا مطعن فيه.
واللفظ الخامس: [هي به كفرٌ وليس كفراً بالله وملائكته وكتبه ورسله].
رواه الطبري [تفسيره 10/ 355/12053] , فقال: حدثنا هناد حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي عن سفيان – الثوري- عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس؛ وهذا – أيضا- سند صحيح لا مطعن فيه على الإطلاق.
ولكن , في اللفظين الرابع والخامس وقفتان:
1 – قال أحمد بن حنبل [ترجمة معمر في تهذيب المزي وابن حجر]:
حديث عبد الرزاق عن معمر أحب إلي من حديث هؤلاء البصريين كان يتعاهد كتبه وينظر فيها باليمن وكان يحدثهم حفظا بالبصرة – يعني معمراً-.
غير أن هذا لا يرجح لفظ عبد الرزاق على لفظ سفيان الثوري فسفيان كوفي , وسفيان أثبت من عبد الرزاق
وأما الكلام على الأثر من جهة الدراية فقد هذى بعضهم وخلط
فزعم أن قول ابن عباس [هي به كفر] معناه كفرٌ أكبر
وهذا من جهله بألفاظ أهل العلم!
فلفظة [هي به كفر] من ألفاظ الكفر الأصغر لأربعة براهين:
البرهان الأول:
قول النبي صلى الله عليه وسلم [اثنتان في الناس هما بهما كفر: النياحة والطعن في الأنساب].
البرهان الثاني:
قول ابن عباس في الرواية الثابتة: [وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله] >
البرهان الثالث:
إيراد ابن بطة لأثر ابن عباس هذا في [الإبانة 2/ 723]:
تحت باب: ذكر الذنوب التي تصير بصاحبها إلى كفر غير خارج به من الملّة.
وذكر ضمن هذا الباب: الحكم بغير ما أنزل الله، وأورد آثار الصحابة والتابعين على أنه كفر أصغر غير ناقل من الملة , فابن بطة أعلم بألفاظ السلف ممن تأخر .
البرهان الرابع:
قال محمد بن نصر المروزي – رحمه الله – في [تعظيم قدر الصلاة2/ 520] على لسان جماعة من أهل الحديث: ولنا في هذا قدوة بمن روى عنهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين؛ إذ جعلوا للكفر فروعاً دون أصله، لا تنقل صاحبه عن ملة الإسلام، كما ثبتوا للإيمان من جهة العمل فرعاً للأصل لا ينقل تركه عن ملة الإسلام، من ذلك قول ابن عباس في قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}. اهـ
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم