هل كلمة (خارجي) أو (مرجئ) قسيم لكلمة (سني)؟

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

هل كلمة (خارجي) أو (مرجئ) قسيم لكلمة (سني)؟

قد يبدو هذا السؤال غريباً، ويبدو للبعض أنه بحث ترفي، ولكنك إن جئت معي إلى الأخير ستفهم أننا نبحث في مسألة مهمة جداً، وبديهية علمية تلاشت في لجة تعظيم الأشخاص والغلو فيهم.

ما معنى كلمة (قسيم)؟ القسيم هو النظير والذي لا يكون قسماً من الشيء، كأن يقال (الأعداد الفردية) قسيم (الأعداد الزوجية)، و(الحر ) قسيم (البرد)، وفي المسميات الشرعية يقال (المسلم) قسيم (الكافر)، و(الذمي) قسيم (الحربي).

وهذا يعني أنك إذا قسمت أمراً فستذكر هذه الأقسام كل واحد منها في خانة ولا يدخل أحدها على الآخر، فيقال مثلاً المذاهب الفقهية المتبوعة أربعة: (الحنفي)؛ و(المالكي)؛ و(الشافعي)؛ و(الحنبلي).

قسيم الشيء لا يجتمع معه، فلا يكون العدد فردياً وزوجياً في آن واحد، ولا يكون المرء حنبلياً ومالكياً في الفقه في آن واحد.

إذا فهمت ما سبق تفهم سؤالي الذي عنونت به للمقال (هل كلمة خارجي ومرجيء قسيم لكلمة سني؟).

معلوم أن السني قسيم المبتدع، فلا يكون المرء سنياً ومبتدعاً في آن واحد، وهنا تظهر فائدة السؤال، بمعنى أن نسبة الإنسان إلى الخارجية أو الإرجاء أو أحد فرق الخوارج يعني أنه ليس سنياً فلا حاجة أبداً أن نتبعها بقولنا (مبتدع).

الذي يظهر من ممارسات عموم الناس أن المرء إذا كان خارجياً أو مرجئاً فهو قسيم السني، فلا يوجد خارجي وسني في آن واحد، كما لا يوجد عدد زوجي فردي في آن واحد، وكما لا يوجد مسلم كافر في آن واحد.

كذلك إذا قلنا (ناصبي) أو (شيعي) أو (قدري) أو (رافضي) أو (كرامي) أو (معتزلي) أو (جهمي) هل هذه المسميات قسيم للسني بمعنى أن إطلاقها على الشخص إخراج له من السنة؟

الجواب: هذا المتعين ويدل عليه جماعة من السلف (من قال كذا وكذا فهو جهمي)، فلو لم يكن لكلمة جهمي مدلول في إبعاد الإنسان عن السنة أو الإسلام لما اضطروا إلى بحث الأوصاف التي ينبغي أن تتوفر في الإنسان ليكون جهمياً.

قال البخاري في خلق أفعال العباد: “وحذر يزيد بن هارون، عن الجهمية وقال: «من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي، ومحمد الشيباني جهمي”.

وقال عبد الله بن أحمد في السنة: “54- حدثني عباس العنبري، حدثني شاذ بن يحيى، قال: سمعت يزيد بن هارون، يقول: «من قال القرآن مخلوق فهو -والله الذي لا إله إلا هو- زنديق”.

فلاحظ مرة (فهو جهمي) ومرة (فهو زنديق)، فالجهمي عنده قسيم المسلم أو قسيم السني.

وقال الخلال في السنة: “1788- وأخبرنا عبد الله بن أحمد في موضع آخر، قال: سمعت أبي  يقول: “من كان في أصحاب الحديث أو من أصحاب الكلام، فأمسك عن أن يقول: القرآن ليس بمخلوق، فهو جهمي”.

1785- وأخبرنا أبو بكر المروذي، قال: سألت أبا عبد الله عن من وقف، لا يقول غير مخلوق؟ قال: أنا أقول: كلام الله. قال: ” يقال له: إن العلماء يقولون: غير مخلوق، فإن أبى فهو جهمي”.

فهنا الإمام أحمد بعد قيام الحجة على الرجل يكتفي بنعته بـ(جهمي)

فإن قيل: أنت تتكلم في بديهيات.

فأقول: هذه البديهيات تتلاشى إن تكلمنا على الأشاعرة، فوصف المرء بأنه (أشعري) عند من يعتقد أن الأشاعرة فرقة ضالة منحرفة يساوي تماماً قولك (مبتدع) أو (كافر)، بحسب مذهبك في هذه البدعة، فالأشعري قسيم السني، كما أن الخارجي قسيم السني، والمرجيء قسيم السني، والقدري قسيم السني، وحتى لو كان مذهبك عذر المعين منهم في الكفر فهذا لا ينفي التبديع، فمن زعم أن الإمام أحمد لم يكفر كل أعيان الجهمية ما تجرأ أن يقول أن الإمام أحمد لم يبدع أعيانهم.

ولا يصلح أن نختلف في شخص هل هو أشعري أم ليس أشعرياً ثم نزعم أننا متفقون على أنه سني، فإن وصفه بأنه أشعري هذا نقيض قولنا سني، ولا يجتمع النقيضان.

وهنا نغير السؤال ونقول (هل الأشعري قسيم السني)؟

وفي الجواب فوائد من أهمها أنه لن نحتاج إلى نص مخصص في تبديع هذا المعين أو حتى تكفيره إن قلنا بتكفيرهم، لأن نسبته إلى الفرقة كافية، كما أن نسبة الناصبي والخارجي والشيعي إلى الفرقة كافية، ومن فوائده أن يسقط قياسه على سني زل في مسألة لم تلحقه بفرقة من فرق الضلال، فالعالم السني إذا وافق فرقة بدعة في شيء من فروع أقوالهم فقد يعذر، بخلاف من هو منهم أو يوافقهم في غالب قولهم ويواليهم، فيستحق أن يكون واحداً منهم.

قال ابن تيمية في الرد على البكري: “ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن يكون الله -تعالى- فوق العرش لما وقعت محنتهم، أن لو وافقتكم كنت كافراً؛ لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال، وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم”.

هذا النقل عادة يستدل به المخالفون حتى رأيت جماعة منهم يزعمون أن من يصف شخصاً بالتجهم ثم لا يكفره فهو متناقض، علماً أن هذا مذهب شيخ الإسلام الذي عادة ما يحتجون به، فمذهبه أن الجهمي المعين قد يكون كافراً، وقد يكون معذوراً، وقد يكون متوقفاً فيه، ولكن ظاهر من كلامه أنه لا ينفي التبديع، وقد نقل المحقق للرد على البكري تعقيب الشيخ عبد الله بو بطين على كلام شيخ الإسلام، والذي أذهب إليه وشرحته مراراً أن إطلاق التجهم تكفير، ولكنني أردت أن أبين للمخالف أنه يزري على العلماء الذي يزعم الاتكاء عليهم، ومن ازرائه عليهم تشبيه ما وقعوا فيه من غلط ببلايا المتجهمة المتأخرين من نفي للعلو والكلام، وعموم الصفات، وقول بالجبر والإرجاء الغالي.

والمشاهد أن كلمة خارجي هي قسيم لكلمة سني، بينما كلمة أشعري لا تكون كذلك، مع أن بدعة الأشعرية في تعطيل الصفات شر من بدعة الخوارج عند عموم أهل السنة، وقد نص ابن تيمية على ذلك مراراً.