بلغني أن بعض الشباب من المائلين للتفويض كتب بحثا ينسب فيه كتاب الرد على الجهمية للإمام أحمد لمقاتل بن سليمان المتهم بالتشبيه
ويظن أنه بذلك اكتشف ما خفي على كل الحنابلة الأوائل ممن أثبت نسبة هذا الكتاب بالجملة حتى من تأثر منهم بأقوال الجهمية مثل ابن عقيل وابن الجوزي
والواقع أن نسبة هذا الكتاب لمقاتل بعيدة جدا جدا
فأولها في الكتاب يذكر أن جهما تبعه على مقالته عدد من أصحاب أبي حنيفة وعمرو بن عبيد ثم صار يرد عليهم وهذا يدل على بعد هذا التصنيف عن مقاتل من عدة وجوه
الأول : أن مقاتلا متقدم جدا أكبر من مالك وسفيان فيبعد أن يخصص قوما من طبقة تلاميذه بالرد ومقامه سنا أن يرد على جهم مباشرة فهو قرينه
الثاني : أن المقالات التي ذكرها عن الجهمية من التصريح بنفي العُلو والرؤية ما ظهرت في المعتزلة وأصحاب أبي حنيفة إلا في وقت متأخر عن مقاتل فيكفيك أن رأس نفاة العُلو والرؤية والقائلين بخلق القرآن من أصحاب أبي حنيفة وهو بشر المريسي ولد قبل وفاة مقاتل باثني عشر عاما فقط
الثالث : الكلام يوحي أن أبا حنيفة متوفى لأن أصحابه لو كان يخالفهم وهو حي لاشتهرت مناظراته معهم وبراءته منهم كما اشتهر كلام أبي يوسف في المريسي وأنت ترى وفقا لنظرية الباحثين أن قولهم اشتهر حتى وصل لخراسان عند مقاتل واذا كان يوافقهم فينبغي أن يرد عليه لا عليهم وقد وقع من بعض متقدمي القوم موافقة في القرآن وأما الموافقة في نفي العُلو والرؤية والكلام بنفي الجسمية والفوق وتلك السلوب كلها فبعيد
ويزداد هذا الوجه وضوحا اذا علمت أن مقاتلا وأبا حنيفة ماتا في عام واحد
ثانيها : ورد في الكتاب قول المصنف : من حديث سفيان عن أبي إسحاق عّن عامر بن سعد .
وهذا يبعد جدا أن يكون كلاما لمقاتل فهو أكبر من سفيان ولا يروي عنه ومعلوم أن مقاتل متهم والنزول والرواية عن الأقران والأصغر علامة صدق عالية
ثم في طبقة مقاتل لا يعرف قَص الأسانيد بهذه الطريقة فإما أن يقول ( حدثنا ) وإما أن يذكر المتن وأما ذكر المدار مع المتن فهذه طريقة أئمة العلل المتأخرين
فمثلا اذا روى الخبر عن سفيان خمسة تجده يقول : حديث سفيان عن فلان ولا يذكر هؤلاء الخمسة ولا واحد منهم اذا كان يذاكر أو يستشهد
وأحمد حلف يميناً ألا يسند حديثا كاملا بعد خروجه من السجن لذا كان يقص الأسانيد كما في رسالته للمتوكل
وفِي الكتاب أيضا : ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى .
وهذه أيضا قصة إمام في العلل فالحديث رواه جمع عن ثابت فبدأ من المدار وبداية التفرد ومقاتل متهم بعيد كل البعد عن هذه الأمانة والدقة
وبعض الكتاب مقطوع بنسبته لأحمد مثل الكلام على استدلال الجهمية بقوله ( إنَّا جعلناه ) فلا يكاد يعرف هذا الاستدلال عنهم قبل أحمد ورد عليهم الإمام بردود مفحمة في كل المناظرات المروية ولما جمع الآيات التي فيها الرد على الجهمية اعتنى بدفع هذه الشبهة وهذا الجمع في السنة لعبدالله والسنة للخلال
والقوم ألصقوا الكتاب لمقاتل ليقولوا هو متروك فلا يعتد بما فيه
ولكن مقاتلا في علمه بالتفسير محل ثناء كبير بين الأئمة ويبعد أن يكون مشبها ويثنون هذا الثناء الكبير
و قال الخليلى : محله عند أهل التفسير محل كبير و هو واسع ، لكن الحفاظ ضعفوه فى الرواية ، و هو قديم معمر ، و قد روى عنه الضعفاء مناكير ، و الحمل فيها عليهم
وقال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله، هو أحمد بن حنبل، يسأل عن مقاتل بن سليمان، فقال: كانت له كتب ينظر فيها، إلا أني أرى أنه كان له علم بالقرآن. «تاريخ بغداد» 13/161.
وقال ابن عدي في الكامل حَدَّثَنَا عَلانٌ، حَدَّثَنا ابْنُ أَبِي مريم قَال لي نعيم بْن حَمَّاد رأيت عند سُفْيَان بْن عُيَينة كتابا لمقاتل بْن سُلَيْمَان فقلت لسفيان يَا أَبَا مُحَمد تروي لمقاتل فِي التفسير؟ قَال: لاَ ولكن أستدل بِهِ وأستعين بِهِ.
وأثنى ابن المبارك على علمه بالتفسير وبرأه الملطي من التشبيه وحتى محقق تفسيره وهو أشعري قطع ببراءته من التشبيه وإنما يروى ذلك عن أبي حنيفة وأبي يوسف بغداد ولو نظرنا في ترجمة الرجلين من نفس الكتاب لوجدنا كلاما كثيرا فيهما وبأسانيد قوية
ونفق أمر مقاتل في الحديث على شعبة فسبحان الله
وقال ابن عدي في الكامل :” ولمقاتل غير ما ذكرت من الحديث حديث صَالِح وعامة أحاديثه، لاَ يُتَابَعُ عَليه على أن كثيرا من الثقات والمعروفين قد حدث عَنْهُ والشافعي مُحَمد بْن إدريس يَقُول الناس عيال على مقاتل بْن سُلَيْمَان فِي التفسير وكان من أعلم الناس بتفسير القرآن وله كتاب الخمسمِئَة آية الَّتِي يرويها عَنْهُ أَبُو نصير مَنْصُور بْن عَبد الحميد الباوردي وفي ذلك الكتاب حديث كثير مسند، وَهو مع ضعفه يكتب حديثه.”
وهذا تساهل في أمر الحديث
وللحربي دفاع عنه من جنس دفاعه عن الواقدي فدعوى الباحثين الاجماع على ترك روايته غير صحيح وان كان متروكا حقا وأما رأيه فعامة الأئمة يثنون عليه