هل كان ذو الكفل نبياً ؟

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فمن أركان الإيمان الستة الإيمان بالرسل ، وهذا الإيمان إجمالاً وتفصيلاً
ينبغي أن يسير على هدي السلف الصالح

قال الله تعالى : ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ
وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ
(84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ )

وقال الله تعالى : ( وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ
(47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ)

ظن كثيرون من هذه الآيات أن ذا الكفل كان نبياً بل عده بعضهم رسولاً أيضاً
وذكروه في شجرة الأنبياء والرسل الذين ذكروا في القرآن

غير أن كثيراً من السلف نصوا على عدم نبوته

قال الطبري في تفسيره (18/510) متحدثاً عن ذي الكفل :” : رجلا تكفل
من بعض الناس ، إما من نبيّ وإما من ملك من صالحي الملوك بعمل من الأعمال ، فقام به
من بعده ، فأثنى الله عليه حسن وفائه بما تكفل به ، وجعله من المعدودين في عباده ،
مع من حمد صبره على طاعة الله، وبالذي قلنا في أمره جاءت الأخبار عن سلف العلماء”

قال الطبري في تفسيره (18/509) : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال:
ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله( وَذَا الْكِفْلِ ) قال رجل صالح غير
نبيّ ، تكفل لنبيّ قومه أن يكفيه أمر قومه ، ويقيمه لهم ، ويقضي بينهم بالعدل ، ففعل
ذلك ، فسمي ذا الكفل.

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث
، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه ، إلا
أنه قال: ويقضي بينهم بالحق.

وهذا صحيح عن مجاهد

وقال الطبري أيضاً حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة
، عن أبي موسى الأشعري ، قال وهو يخطب الناس: إن ذا الكفل لم يكن نبيا ولكن كان عبدا
صالحا ، تكفل بعمل رجل صالح عند موته ، كان يصلي لله كل يوم مائة صلاة ، فأحسن الله
عليه الثناء في كفالته إياه

قتادة لم يدرك الأشعري غير أن ذكره لهذه الرواية عد تعقيبه عليها يدل على
أنه يقول بها

وقال ابن كثير في تفسيره :” وأما ذو الكفل فالظاهر من السياق أنه
ما قرن مع الأنبياء إلا وهو نبي. وقال آخرون: إنما كان رجلا صالحًا، وكان ملكًا عادلا
وحكمًا مقسطًا، وتوقف ابن جرير في ذلك، فالله أعلم”

وقال البغوي في تفسيره :” واختلفوا في أنه كان نبيا، فقال بعضهم:
كان نبيا . وقيل: هو إلياس. وقيل: زكريا. وقال أبو موسى: لم يكن نبيا ولكن كان عبدا
صالحا”

في الحقيقة لم أجد أحداً من السلف نص على نبوته إلا ما يروى عن وهب بن
منبه

قال الحاكم في المستدرك 4118- أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ
، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ
بْنُ إِدْرِيسَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، قَالَ : كَانَ عُمْرُ
أَيُّوبَ ثَلاَثًا وَتِسْعِينَ سَنَةً ، وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ إِلَى ابْنِهِ حَوْمَلٍ
، وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ بَعْدَهُ ابْنَهُ بِشْرَ بْنَ أَيُّوبَ نَبِيًّا وَسَمَّاهُ
ذَا الْكِفْلِ ، وَأَمَرَهُ بِالدُّعَاءِ إِلَى تَوْحِيدِهِ ، وَأَنَّهُ كَانَ مُقِيمًا
بِالشَّامِ ، عُمْرَهُ حَتَّى مَاتَ وَكَانَ عُمْرُهُ خَمْسًا وَسَبْعِينَ سَنَةً وَإِنَّ
بِشْرًا أَوْصَى إِلَى ابْنِهِ عَبْدَانَ ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ بَعْدَهُمْ شُعَيْبًا.

عبد المنعم ضعيف جداً وكذلك أبوه

وأنا أميل لقول مجاهد في عدم نبوته لعدم وجود المعارض القوي له من طبقته
وقد قال سفيان ( إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك )

وبقية الروايات عن السلف ليس فيها التنصيص على نبوته أو عدمها وإن كان
ظاهرها عدم الاثبات

وقال ابن عثيمين في القول المفيد :” وأما تفسير الصحابي، فإنه
حجة عند أكثر المفسرين، وأما التابعين، فإن أكثر العلماء يقول: إنه ليس بحجة إلا من
اختص منهم بشيء، كمجاهد، فإنه عرض المصحف على ابن عباس عشرين مرة أو أكثر، يقف عند
كل آية ويسأله عن معناها، وأما من بعد التابعين، فليس تفسيره حجة على غيره، لكن إن
أيده سياق القرآن كان العمدة سياق القرآن”

 هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم