بعض الناس إذا ضاق بهم الدفاع عن علماء الأشاعرة ذهب يُنقِّب في مواقع المخالفين عن أي زلة لعالم سني ليقيس عليه أشعري.
مع أنك لو سألته: هل تعدُّ الأشعرية فرقة ضالة؟
سيقول: نعم.
فقل: فهُم مبتدعة ضرورة، والحق أن كلامهم مكفِّر، والعلماء الذين تأتي بهم من أهل السنة لتقيس عليهم علماء الأشاعرة ليسوا مبتدعة ولا كفاراً، فإذن الفارق واضح بين الفريقين.
غير أنهم -في سلوكهم الرديء- يتكلفون إلصاق المثالب بعلماء أهل السنة، حتى زعم زاعمهم أن ابن عباس -رضي الله عنهما- خالف معلوماً من الدين بالضرورة بعد بلوغ النص إليه! ونسبة الصحابي للكذب أهون من نسبته لشيء قبيح جداً كهذا.
ثمة شبهة ما كنا نراها إلا في مواقع بعض متعصبي المعطلة، وما توقعت أن يلوكها سني في يوم، وهي نسبة ابن قتيبة -رحمه الله- إلى إنكار صفة الضحك.
قال ابن قتيبة في «تأويل مختلف الحديث»: “قالوا حديث في التشبيه- عَجَبُ الرب وضحِكُه:
قالوا: رويتم عن النبي ﷺ أنه قال: «عجب ربكم من إلِّكم وقنوطكم، وسرعة إجابته إياكم» و«ضحك من كذا».
وإنما يعجب ويضحك، من لا يعلم، ثم يعلم فيعجب ويضحك.
قال أبو محمد:
ونحن نقول: إن العجب والضحك، ليس على ما ظنوا، وإنما هو “على حلٍّ عنده كذا، بمحلِّ ما يعجب منه، وبمحلِّ ما يضحك منه”.
لأن الضاحك إنما يضحك لأمر مُعجِب له، ولذلك قال رسول الله ﷺ للأنصاري الذي ضافه ضيف، وليس في طعامه فضل عن كفايته، فأمر امرأته بإطفاء السراج ليأكل الضيف، وهو لا يشعر أن المضيف له لا يأكل”.
ففهم بعض المعطلة من هذا أن ابن قتيبة ينكر صفة الضحك، وليس الأمر كذلك، وإنما هو ينكر أن يكون ضحك رب العالمين على جهة جهل منه سبحانه بالمضحوك منه، وهذا واضح، فهو ينقل عنهم: “إنما يضحك ويعجب من لا يعلم” فينسبون لله الضحك والعجب المقترن بالجهل ويدَّعون أن ذلك ظاهر النص.
فردَّ عليهم بنفي لزوم ذلك وبيان وجه تخصيص هذه الأمور بالضحك منها والعجب منها من دون بقية المعلومات.
قال ابن قتيبة في كتابه «الاختلاف في اللفظ» وهو يرد على المعطلة: “وأنكروا الحديث الآخر: ((يحمل الأرض على إصبع وكذا على إصبع وكذا على إصبع)) لأن الإصبع ههنا لا يجوز أن تكون النعمة.
وقالوا في الضحك هو مثل قول العرب: ضحكت الأرض بالنبات. إذا طلع فيها ضروب الزهر، وضحكت الطلعة: إذا انفتق كافورها عن بياضها، وضحك المزن: إذا لمع فيه البرق.
وليس من هذه شيء إلا وللضحك فيه معنى حدث فإن كان الضحك الذي فروا منه فيه تشبيه بالإنسان فإن في هذا تشبيهاً بهذه المعاني”.
وكلام ابن قتيبة في الإثبات كثير جداً.
قال ابن قتيبة في «الاختلاف في اللفظ»: “وعدل القول في هذه الأخبار أن نؤمن بما صح منها بنقل الثقات لها فنؤمن بالرؤية والتجلي وإنه يعجب وينزل إلى السماء الدنيا وأنه على العرش استوى وبالنفس واليدين من غير أن نقول في ذلك بكيفية أو بحد أو أن نقيس على ما جاء ما لم يأت فنرجو أن نكون في ذلك القول والعقد على سبيل النجاة غداً إن شاء الله تعالى”.
فانظر كيف ذكر صفة العُجب مع الصفات المثبتة لله عز وجل.
وكلامه في العلو مشهور معروف، استدل به ابن تيمية والذهبي.
قال أبو يعلى في «إبطال التأويلات»: “وقد ذكر ابن قتيبة هذا التأويل فِي كتاب اللفظ وأجاب عنه بأنه إن كان في الضحك الذي فروا منه تشبيه بالإنسان، فإن في هذا تشبيها بهذه المعاني”.
فنقل كلام ابن قتيبة مستدلاً به على الإثبات.
وقال أيضاً: “وقد ذكر ابن قتيبة هذا الحديث في كتاب الغريب، وقاد قوله: يبشبش من البشاشة وهو يتفعل فحمل الخبر على ظاهره ولم يتأوله”.
وما الفرق بين التبشبش والضحك؟
كان ابن تيمية يقول: “الرافضي حمار اليهودي” وبعض الناس يصدق فيهم أنهم صاروا حمير المعطلة، ينقلون شبهاتهم من مواقعهم ويقيسون علماء أهل السنة المشهورين بالإثبات على من كثر إنكار الصفات في كلامه.