قال البخاري في «التاريخ الكبير»: “1849- مَسعُود بْن حِراش. له صحبة.
قال لي إسحاق: أخبرنا أبو أسامة، قال: حدثني طلحة بن يحيى، قال: أخبرني أبو بردة، عن مسعود بن حراش، قال:
بينا أنا أطوف بين الصفا والمروة، إذا أناس كثير يتَّبعون إنسانًا فتًى شابًّا، موثَقًا يده إلى عنقه، قلت: ما شأنه؟ قالوا: هذا طلحة بن عبيد الله صَبَأَ، وامرأةٌ وراءه تذمُّه وتسبُّه، قالوا: هذه أمُّه الصعبة بنت الحضرمي”.
أقول: هذا الخبر رجاله ثقات، غير أن طلحة بن يحيى فيه خلاف، والأكثر على توثيقه، واستنكر عليه أحمد حديثاً، والبخاري صاحب أشد عبارة فيه: “منكر الحديث” اعتمده هنا في إثبات صحبة مسعود بن حراش، على أن أبا حاتم خالف البخاري والأكثر تابعوا أبا حاتم.
وهذه رواية في السيرة، الخطب فيها هين، وليس في متنها ما يُستنكر.
تأمل كيف أن قوم طلحة عذبوه لإسلامه، وأمه كانت تسبُّه لذلك، وما كانوا يعلمون أنهم سيشرفون ويسيرون سادة الناس ويذكرهم الناس على مر التاريخ وفي كل الأقطار بالخير لأجل شأن أبي بكر وطلحة (فهما من بني تيم الله من قريش).
وأمه قد أسلمت لاحقاً، وأجر الآخرة خير من هذا كله.
وفي ذلك عبرة لكل شاب استقام ووجد أذية من أهله المقربين أن يصبر ولا ييأس منهم، فعامتهم مثل قوم طلحة لا يدرون ما في الدين من خير ويخشون من الاستقامة، كما كان أولئك يخشون من الإسلام لما يرون من الضرر اللاحق بمن يقول بذلك، ولا يدرون أن {العاقبة للمتقين} وأن {مع العسر يسراً}، وأن الأفكار النبيلة فضلاً عن الدين أهلها يبذلون لها، وكثيراً ما يجدون العواقب الحميدة لذلك.
وقد رأيت هذا كثيراً، كم من ابن أو ابنة يدعو والديه إلى الفوز برضا الرحمن وهم لا يريدون ذلك ويشددون عليه، ثم تكون العاقبة أن يُدركوا فضل هذا الأمر قريباً، {والآخرة خير وأبقى}، وحتى وإن لم يدركوا يكفي المرء أن سعى بالخير، ثم الهداية بيد الله، ولا يُذهب المرء نفسه حسرات.
والعكس موجود أيضاً وكثير، وإنما أنبِّه على هذه الصورة لبعدها عن أذهان كثيرين.