هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أنا الضحوك القتال ) ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فيكثر على ألسنة الوعاظ والخطباء وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه (
الضحوك القتال )

والسؤال هنا هل ثبت في ذلك ؟

الجواب : قال الواقدي في مغازيه ص 364 :” حدثني محمد بن عبد الله
وعبد الله بن جعفر ، ومحمد بن صالح ومحمد بن يحيى بن سهل ، وابن أبي حبيبة ومعمر بن
راشد في رجال ممن لم أسمهم فكل قد حدثني ببعض هذا الحديث وبعض القوم كان أوعى له من
بعض وقد جمعت كل الذي حدثوني ، قالوا : أقبل عمرو بن أمية من بئر معونة حتى كان بقناة
فلقي رجلين من بني عامر فنسبهما فانتسبا ، فقابلهما حتى إذا ناما وثب عليهما فقتلهما
. ثم خرج حتى ورد على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ساعته في قدر حلب شاة فأخبره
خبرهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس ما صنعت ، قد كان لهما منا أمان وعهد
فقال ما شعرت ، كنت أراهما على شركهما ، وكان قومهما قد نالوا منا ما نالوا من الغدر
بنا . وجاء بسلبهما ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فعزل سلبهما حتى بعث به مع
ديتهما

وذلك أن عامر بن الطفيل بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رجلا
من أصحابك قتل رجلين من قومي ، ولهما منك أمان وعهد فابعث بديتهما إلينا . فسار رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعين في ديتهما ، وكانت بنو النضير حلفاء
لبني عامر . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم السبت فصلى في مسجد قباء ومعه رهط
من المهاجرين والأنصار ، ثم جاء بني النضير فيجدهم في ناديهم فجلس رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأصحابه فكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعينوه في دية الكلابيين
اللذين قتلهما عمرو بن أمية . فقالوا : نفعل يا أبا القاسم ما أحببت . قد أنى لك أن
تزورنا وأن تأتينا ، اجلس حتى نطعمك ورسول الله صلى الله عليه وسلم مستند إلى بيت من
بيوتهم ثم خلا بعضهم إلى بعض فتناجوا ، فقال حيي بن أخطب : يا معشر اليهود ، قد جاءكم
محمد في نفير من أصحابه لا يبلغون عشرة – ومعه أبو بكر ، وعمر وعلي ، والزبير وطلحة
وسعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة – فاطرحوا عليه حجارة من فوق هذا البيت
الذي هو تحته فاقتلوه فلن تجدوه أخلى منه الساعة فإنه إن قتل تفرق أصحابه فلحق من كان
معه من قريش بحرمهم وبقي من هاهنا من الأوس والخزرج حلفاؤكم فما كنتم تريدون أن تصنعوا
يوما من الدهر فمن الآن فقال عمرو بن جحاش : أنا أظهر على البيت فأطرح عليه صخرة .

قال سلام بن مشكم : يا قوم أطيعوني هذه المرة وخالفوني الدهر والله إن
فعلتم ليخبرن بأنا قد غدرنا به وإن هذا نقض العهد الذي بيننا وبينه فلا تفعلوا ألا
فوالله لو فعلتم الذي تريدون ليقومن بهذا الدين منهم قائم إلى يوم القيامة يستأصل اليهود
ويظهر دينه وقد هيأ الصخرة ليرسلها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدرها ، فلما
أشرف بها جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما هموا به فنهض رسول
الله صلى الله عليه وسلم سريعا كأنه يريد حاجة وتوجه إلى المدينة . وجلس أصحابه يتحدثون
وهم يظنون أنه قام يقضي حاجة فلما يئسوا من ذلك قال أبو بكر رضي الله عنه ما مقامنا
ها هنا بشيء لقد وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر . فقاموا ، فقال حيي : عجل
أبو القاسم قد كنا نريد أن نقضي حاجته ونغديه . وندمت اليهود على ما صنعوا ، فقال لهم
كنانة بن صويراء هل تدرون لم قام محمد ؟ قالوا : لا والله ما ندري وما تدري أنت قال
بلى والتوراة ، إني لأدري ، قد أخبر محمد ما هممتم به من الغدر فلا تخدعوا أنفسكم والله
إنه لرسول الله وما قام إلا أنه أخبر بما هممتم به . وإنه لآخر الأنبياء كنتم تطمعون
أن يكون من بني هارون فجعله الله حيث شاء . وإن كتبنا والذي درسنا في التوراة التي
لم تغير ولم تبدل أن مولده بمكة ودار هجرته يثرب ، وصفته بعينها ما تخالف حرفا مما
في كتابنا ، وما يأتيكم [ به ] أولى من محاربته إياكم ولكأني أنظر إليكم ظاعنين يتضاغى
صبيانكم قد تركتم دوركم خلوفا وأموالكم وإنما هي شرفكم فأطيعوني في خصلتين والثالثة
لا خير فيها قالوا : ما هما ؟ قال تسلمون وتدخلون مع محمد فتأمنون على أموالكم وأولادكم
وتكونون من علية أصحابه وتبقى بأيديكم أموالكم ولا تخرجون من دياركم . قالوا : لا نفارق
التوراة وعهد موسى قال فإنه مرسل إليكم اخرجوا من بلدي ، فقولوا نعم – فإنه لا يستحل
لكم دما ولا مالا – وتبقى أموالكم إن شئتم بعتم وإن شئتم أمسكتم .

قالوا : أما هذا فنعم . قال أما والله إن الأخرى خيرهن لي . قال أما والله
لولا أني أفضحكم لأسلمت . ولكن والله لا تعير شعثاء بإسلامي أبدا حتى يصيبني ما أصابكم
– وابنته شعثاء التي كان حسان ينسب بها .

فقال سلام بن مشكم : قد كنت لما صنعتم كارها ، وهو مرسل إلينا أن اخرجوا
من داري ، فلا تعقب يا حيي كلامه وأنعم له بالخروج فاخرج من بلاده قال أفعل أنا أخرجفلما
رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة تبعه أصحابه فلقوا رجلا خارجا من المدينة
فسألوه هل لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال لقيته بالجسر داخلا . فلما انتهى
أصحابه إليه وجدوه قد أرسل إلى محمد بن مسلمة يدعوه فقال أبو بكر : يا رسول الله قمت
ولم نشعر . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم همت اليهود بالغدر بي ، فأخبرني الله
بذلك فقمت . وجاء محمد بن مسلمة فقال اذهب إلى يهود بني النضير فقل لهم إن رسول الله
أرسلني إليكم أن اخرجوا من بلده

فلما جاءهم قال إن رسول الله أرسلني إليكم برسالة ولست أذكرها لكم حتى
أعرفكم شيئا تعرفونه .

قال أنشدكم بالتوراة التي أنزل الله على موسى ، هل تعلمون أني جئتكم قبل
أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم وبينكم التوراة ، فقلتم لي في مجلسكم هذا : يا ابن
مسلمة إن شئت أن نغديك غديناك ، وإن شئت أن نهودك هودناك . فقلت لكم غدوني ولا تهودوني
، فإني والله لا أتهود أبدا فغديتموني في صحفة لكم والله لكأني أنظر إليها كأنها جزعة
فقلتم لي : ما يمنعك من ديننا إلا أنه دين يهود . كأنك تريد الحنيفية التي سمعت بها
، أما إن أبا عامر قد سخطها وليس عليها ، أتاكم صاحبها الضحوك القتال في عينيه
حمرة يأتي من قبل اليمن ، يركب البعير ويلبس الشملة ويجتزئ بالكسرة سيفه على عاتقه
ليست معه آية هو ينطق بالحكمة كأنه وشيجتكم هذه والله ليكونن بقريتكم هذه سلب وقتل
ومثل قالوا : اللهم نعم قد قلناه لك ولكن ليس به “

أقول : والواقدي حاله معروف قال ابن المديني : الهثيم بن عدي أوثق عندي
من الواقدي، لا أرضاه في الحديث ولا في الأنساب ولا في شيء .

كما أن السند منقطع فشيوخه الذين ذكرهم لم يدركوا القصة .

والخبر ظاهره أن ( الضحوك القتال ) من وصف اليهود للنبي صلى الله عليه
وسلم مما عندهم في التوراة وليس من وصفه لنفسه

وقال  السيوطي في كتابه الرياض الأنيقة ص202
قال: قال ابن فارس: حدثنا سعيد بن محمد بن نصر حدثنا بكر بن سهل الدمياطي، حدثنا عبد
العزيز بن سعيد عن موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ـ رضي الله
عنهما ـ قال: ( اسمه في التوراة: أحمد الضحوك
القتال، يركب البعير ويلبس الشملة
ويجتزي بالكسرة سيفه على عاتقه ) .

وموسى بن عبد الرحمن هذا قال فيه الذهبي في ميزان الإعتدال :”
8891 – موسى بن عبدالرحمن الثقفي الصنعانى . معروف ، ليس بثقة ، فإن ابن حبان قال فيه
: دجال ، وضع على ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس كتابا في التفسير “

وهذا الخبر على ما فيه من ضعف ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
ذلك عن نفسه ، هذا ما وقفت عليه ما بعد البحث , والله اعلم

ثم أفادني بعض الأخوة على هذه الرواية

أبو نعيم في دلائل النبوة

412 – حدثنا سليمان بن أحمد قال : ثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني قال
: ثنا أبي قال : ثنا ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة بن الزبير قال : خرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه إلى بني النضير يستعينهم في عقل الكلابيين
وكانوا قد دسوا إلى قريش حين نزلوا بأحد لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
فحضوهم على القتال ودلوهم على العورة فلما كلمهم في عقل الكلابيين قالوا : اجلس يا
أبا القاسم حتى تطعم وترجع بحاجتك التي جئت لها ونقوم فنتشاور ونصلح أمرنا فيما جئت
له . فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من أصحابه إلى ظل جدار ينتظر أن يصلحوا
أمرهم ، فلما دخلوا ومعهم الشيطان لا يفارقهم ائتمروا بقتله وقالوا : لا تجدونه أقرب
منه الساعة استريحوا منه تأمنوا في دياركم ويرفع عنكم البلاء . قال رجل منهم : إن شئتم
رقيت على الجدار الذي هو تحته فدليت عليه حجرا فقتلته . فأوحى الله عز وجل إليه فقام
رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يريد أن يقضي حاجة وترك أصحابه مكانهم وأعداء الله
في نجيهم ، فلما فرغوا وقضوا حاجتهم وأمرهم في محمد أتوا فجلسوا مع أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم ينتظرونه فأقبل رجل من المدينة بعد أن راث عليهم فسألوه عنه فقال
: لقيته عامدا المدينة قد دخل في أزقتها . فقالوا : عجل أبو القاسم أن نقيم أمرنا في
حاجته التي جاء بها . ثم قام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعوا ونزل القرآن
على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أراد أعداء الله به فقال : يا أيها الذين آمنوا
اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم (2) الآية وأمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم بإجلائهم ؛ لما أرادوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أخذهم
بأمر الله وأمرهم أن يخرجوا من ديارهم فيسيروا حيث شاءوا قالوا : أين تخرجنا ؟ قال
: إلى الحشر وذكر الواقدي ما ذكره عروة والزهري ومحمد بن إسحاق وزاد تفصيلا وأشياء
في جملتها بيان ظهور أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند اليهود وثبوت نعته وصفته
في التوراة عندهم وقال : لما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : نفعل يا أبا
القاسم ما أحببت قد آن لك أن تزورنا وأن تأتينا اجلس نطعمك . ورسول الله صلى الله عليه
وسلم مستند إلى بيت من بيوتهم ، ثم خلا بعضهم إلى بعض فتناجوا فقال حيي بن أخطب : يا
معشر اليهود قد جاءكم محمد صلى الله عليه وسلم في نفير من أصحابه لا يبلغون عشرة ،
وكان معهم أبو بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة
، فاطرحوا عليه حجارة من فوق هذا البيت فاقتلوه ، فلا تجدونه أخلى منه الساعة ؛ فإنه
إن قتل تفرق أصحابه فلحق من كان معه من قريش وبقي من كان هاهنا من الأوس . والخزرج
فالأوس حلفاؤكم فما كنتم تريدون أن تصنعوا يوما من الدهر فمن الآن . قال عمرو بن جحاش
بن كعب النضيري : أنا أظهر على هذا البيت فأطرح عليه صخرة . قال : فقال سلام بن مشكم
: يا قوم أطيعوني هذه المرة وخالفوني الدهر والله لئن فعلتم فإن هذا نقض للعهد الذي
بيننا وبينه فلا تفعلوا فوالله إن فعلتم الذي تريدون ليقومن بهذا الدين منهم قائم إلى
قيام الساعة فيذل اليهود ويظهر دينه . وقد هيأ عمرو بن جحاش الصخرة ليرسلها على رسول
الله صلى الله عليه وسلم ويدحرجها فلما أشرف بها جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
الخبر بما هموا به فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا كأنه يريد حاجة وتوجه إلى
المدينة وجلس أصحابه يتحدثون وهم يظنون أنه قام يقضي حاجته فلما يئسوا من ذلك قال أبو
بكر : ما مقامنا هاهنا لشيء لقد توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر . قال حيي
بن أخطب : عجل أبو القاسم لما يريد أن نقضي حاجته ونغديه . وندمت اليهود على ما صنعوا
فقال لهم كنانة بن صوريا : هل تدرون لم قام محمد ؟ قالوا : لا والله ما ندري ولا تدري
أنت . قال : بلى والتوراة إني لأدري قد أخبر محمد بما هممتم به من الغدر فلا تخدعوا
أنفسكم ، والله إنه لرسول الله وما قام إلا أنه أخبر بما هممتم به وإنه لآخر الأنبياء
كنتم تطمعون أن يكون من بني هارون فجعله الله عز وجل حيث شاء ، وإن كتبنا والذي درسنا
في التوراة التي لم تغير ولم تبدل أن مولده بمكة وأن هجرته يثرب وصفته بعينها ما تخالف
ما في كتابنا ولكأني أنظر إليكم ظاعنين تتناغى صبيانكم قد تركتم دوركم خلوفا وأموالكم
إنما هي شرفكم فأطيعوني في خصلتين والثالثة لا خير فيها . قالوا : ما هما ؟ قال : تسلمون
وتدخلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأمنون على أموالكم وأولادكم ، وتكونون من
علية أصحابه ، وتبقى بأيديكم أموالكم ، ولا تخرجون من دياركم . قالوا : لا نفارق التوراة
وعهد موسى . قال : فإنه مرسل إليكم اخرجوا من بلدي ، فقولوا : نعم ، فإنه لا يستحل
لكم دما ولا مالا ، فتبقى أموالكم ، إن شئتم بعتم ، وإن شئتم أمسكتم . قالوا : أما
هذه فنعم . قال : أما والله إن الأخرى خيرهن لي . قالوا : ما هي ؟ قال : أما والله
لولا أني أفضحكم أسلمت ، ولكن لا تعير الشعثاء بإسلامي أبدا حتى يصيبني ما أصابكم ،
والشعثاء ابنة حسان بن ثابت ، يشبب من حسنها . وقال سلام بن مشكم : قد كنت لما صنعتم
كارها ، وهو مرسل إلينا أن اخرجوا من داري ، فلا تعقب يا حيى كلامه ، وأنعم له بالخروج
فاخرج من بلاده ، فقال : افعل . فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
تبعه أصحابه فلقوا رجلا خارجا من المدينة فسألوه : هل لقيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم ؟ فقال : نعم لقيته داخلا . فلما انتهى أصحابه إليه وجدوه وقد أرسل إلى محمد بن
مسلمة يدعوه فقال أبو بكر : قمت يا رسول الله ولم نشعر . فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : همت اليهود بالغدر بي فأخبرني الله تعالى بذلك . وجاء محمد بن مسلمة وقال :
اذهب إلى يهود بني النضير فقل لهم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم
برسالة ولست أذكرها لكم حتى أعرفكم بشيء تعرفونه . قالوا : ما هو ؟ قال : أنشدكم بالتوراة
التي أنزل الله تعالى على موسى عليه السلام هل تعلمون أني جئتكم قبل أن يبعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم وبينكم التوراة فقلتم في مجلسكم هذا : يا ابن مسلمة إن شئت أن نغديك
غديناك وإن شئت نهودك هودناك فقلت : غدوني ولا تهودوني والله لا أتهود أبدا فغديتموني
في صفحة لكأني أنظر إليها فقلتم لي : ما يمنعك من ديننا إلا أنه دين يهود لكأنك تريد
الحنيفية التي سمعت بها أما إن أبا عامر الراهب ليس بصاحبها ، إنما صاحبها الضحوك القتال ، في عينيه
حمرة ، ويأتي من قبل اليمن ، ويركب البعير ويلبس الشملة ، ويحتزئ بالكسرة ، وسيفه على
عاتقه ، ليس معه آية ، يتعلق بالحكمة ، والله ليكونن بقريتكم هذه سلب ومثلة وقتل ،
قالوا : اللهم نعم قد قلنا ذلك ولكنه ليس به . قال محمد بن مسلمة : إذا قد عرفت أنه
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أرسلني إليكم يقول لكم : قد نقضتم الذي جعلت لكم بما
هممتم من الغدر بي . وأخبرهم بما كانوا ارتأوا من الرأي وظهور عمرو بن جحاش لطرح الصخرة
فسكتوا فلم يقولوا حرفا . ويقول : اخرجوا من بلدي فقد أجلتكم عشرا فمن بقي بعد ذلك
ضربت عنقه . وساق الحديث إلى أن قال : فقال حيي : أنا أرسل إلى محمد إنا لا نخرج من
ديارنا وأموالنا فليصنع ما بدا له . وقال سلام بن مشكم : منتك نفسك يا حيي بالباطل
إني والله لولا أن أسفه رأيك وأن يزرى بك لاعتزلتك بمن أطاعني من اليهود فلا تفعل يا
حيي فوالله إنك لتعلم ونعلم معك إنه لرسول الله ، وأن صفته عندنا ، وإن لم نتبعه حسدناه
حين خرجت النبوة من بني هارون ، فتعال فلتقبل ما أعطانا من الأرض ونخرج من بلاده ،
فقد عرفت أنك خالفتني في الغدر به فإذا كان أوان القمر جئنا أو جاءه من جاء منا إلى
ثمرة فباعها وسمع ما بدا له ثم انصرف إلينا فكأنما لم نخرج من بلادنا إذا كانت أموالنا
بأيدينا . وساق الحديث إلى أن ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخيلهم وقالوا
: نحن نعطيك الذي سألت ونخرج من بلادك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا أقبله
اليوم ولكن اخرجوا منها ولكم ما حملت الإبل واللامة . فقال سلام بن مشكم : أقبل ويحك
قبل أن يعمل شرا من هذا . قال حيي : ما يكون شرا من هذا ؟ قال سلام : يسبي الذرية ويقتل
المقاتلة . فأبى حيي أن يقبل يوما أو يومين فلما رأى ذلك يامين بن عمير وأبو سعد بن
وهب قال أحدهما لصاحبه : والله إنا لنعلم إنه لرسول الله فما ننتظر أن نسلم فنأمن على
دمائنا وأموالنا . فنزلا من الليل فأسلما وأحرزا أموالهما قال محمد بن عمر : حدثني
إبراهيم بن جعفر عن أبيه قال : لما أخرجت بنو النضير من المدينة أقبل عمرو بن سعدى
فأطاف بمنازلهم فرأى خرابا فتفكر ثم رجع إلى بني قريظة فوجدهم في الكنيسة في صلاتهم
قد نفخ في بوقهم فاجتمعوا فقال الزبير بن باطا : أين كنت يا أبا سعيد منذ اليوم لم
نرك ؟ وكان لا يفارق الكنيسة وكان يتأله في اليهود قال : رأيت اليوم عيرا قد عبرنا
بها رأيت دورا خالية خرابا بعد العز والجد والشرف والرأي الفاضل والعقل البارع وقد
تركوا أموالهم وملكها غيرهم ، وخرجوا خروج ذل فلا والتوراة ما سلط الله على قوم هذا
أبدا وله بهم حاجة ، وقد أوقع بابن الأشرف بياتا في بيته وأوقع بابني شيبة سيرهم وأنجزهم
وأحذرهم وأوقع ببني قينقاع وأجلاهم جد اليهود وكانوا أهل عدة وسلاح ونجدة ، يا قوم
أطيعوني ، فقد رأيتم ما رأيتم ، تعالوا نتبع محمدا والله إنكم لتعلمون إنه لنبي ، قد
بشرنا به علماؤنا ابن الهيبان وأبو عمير بن جواس وهما أعلم اليهود جاءا من بيت المقدس
يتوكفان قدومه ثم أمرانا باتباعه وأن نقرئه منهما السلام ثم ماتا على دينهما ودفناهما
في حرتنا هذه . قال : فأسكت القوم لا يتكلم منهم أحد فأعاد الكلام أو نحوه وخوفهم الحرب
والسبي والجلاء فقال الزبير بن باطا : قد قرأت التوراة ورأيت صفته في كتاب باطا التوراة
التي أنزلت على موسى ليس في المثاني التي أحدثنا . قال : فقال له كعب بن أسيد : فما
يمنعك يا أبا عبد الرحمن من اتباعه ؟ قال : أنت . قال : ولم ؟ والتوراة ما خليت بينك
وبينه قط . قال الزبير : أنت صاحب عهدنا وعقدنا فإن اتبعته اتبعناك وإن أبيت أبينا
. قال : فأقبل عمرو بن سعدى على كعب فقال : أما والتوراة التي نزلت على موسى يوم طور
سيناء إنه للعز والشرف في الدنيا وإنه لعلى منهاج موسى وينزل معه وأمته في منزله غدا
في الجنة . قال كعب : نقيم على عهدنا وعقدنا لا يخفر لنا محمد ذمته وننظر ما يصنع حيي
فقد أخرج إخراج ذب وصغار ، فلا أراه يفر حتى يغزو محمدا وإن ظفر بمحمد وما أردنا أقمنا
على ديننا وإن ظفر بحيي فما في العيش خير بعده . قال عمرو بن سعدى : ولم تؤخر الأمر
وهو مقبل ؟ قال كعب : ما على هذا فوت ، متى أردت هذا من محمد أجابني إليه . قال عمرو
: بلى والتوراة إن عليه لفوتا ، إذا سار إلينا محمد لتحصنا في حصوننا هذه التي جذعتنا
، فلا نفارق حصوننا حتى ننزل على حكمه فيضرب أعناقنا . قال كعب بن أسد : ما عندي في
أمره إلا ما قلت ، ما تطيب نفسي أن أصير تابعا لقول هذا الإسرائيلي الذي لا يعرف فضل
النبوة ولا قدر الفعال . قال : قال عمرو بن سعدى : بلى ليعرفن ذلك . قال : فهم على
ذلك لم يرعهم إلا مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حلت بساحتهم فقال : هذا الذي
قلتم . قال الشيخ : وإنما سقنا هذه الأقاصيص ليعلم ؛ ما اشتهر عند علماء اليهود من
صفته في التوراة التي لم تغير ولم تبدل وإن ذلك دلالة على بطلان ما في أيديهم من التوراة
اليوم من الأشياء المستحيلة وتسميتهم التي في أيديهم أنها المثاني المبدلة المحرفة
وفيه أيضا ما أطلع الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم من غدر اليهود وعصمة الله عز
وجل من القتل الذي كانوا هموا به .

وهذه الرواية مرسلة فعروة يروي القصة مباشرة وهو تابعي ، وفي السند ابن
لهيعة وهو مختلط ، ولم أرَ عمرو بن خالد فيمن روى عنه قبل الاختلاط ، وليس فيها أن
هذا من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو من كلام اليهود .

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم