هل صح عن الإمام أحمد أنه علم رجلاً أن يقول ( يا دليل الحيارى ) ؟

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (1/207) :” وَفِي الْأَثَرِ
الْمَنْقُولِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ : يَادَلِيلَ
الْحَيَارَى دُلَّنِي عَلَى طَرِيقِ الصَّادِقِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِك الصَّالِحِينَ”

لم يجزم شيخ الإسلام بصحة هذا الأثر فأردت بحثه خصوصاً أن الزركشي نقل
خلافاً في هذا الإطلاق حيث قال في البحر المحيط (1/21) :”

وَيُسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى دَلِيلًا بِالْإِضَافَةِ .

وَأَنْكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي كِتَابِ
” الْحُدُودِ ” ، قَالَ : وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى
: يَا دَلِيلَ الْمُتَحَيِّرِينَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ
قَوْلِ أَصْحَابِ الْعَكَّاكِينَ .

وَحَكَى غَيْرُهُ فِي جَوَازِ إطْلَاقِ الدَّلِيلِ عَلَى اللَّهِ وَجْهَيْنِ
مُفَرَّعَيْنِ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ هَلْ تَثْبُتُ قِيَاسًا
أَمْ لَا ؟ “

والأثر رواه عن الإمام أحمد اللالكائي في كرامات الأولياء

قال اللالكائي في كرامات الأولياء 212 -أخبرنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ أَحْمَدَ، قَالَ: أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَدَ
الْقَزْوِينِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ الْحُسَيْنِ الْوَرَّاقَ، يَقُولُ:
يُرْوَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى طَرَسُوسَ،
قَالَ: قُلْ يَا دَلِيلَ الْحَيَارَى دُلَّنِي عَلَى طَرِيقِ الصَّادِقِينَ وَاجْعَلْنِي
مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، قَالَ: فَخَرَجَ الرَّجُلُ وَأَصَابَهُ شِدَّةٌ وَانْقَطَعَ
مِنْ أَصْحَابِهِ فَدَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ فَلَحِقَ بِأَصْحَابِهِفَجَاءَ إِلَى
أَحْمَدَ وَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: اكْتُمْهَا عَلَيَّ .

أقول : في سنده جهالة القاسم بن الحسين لم أجد له ترجمة ، ولم أره مذكوراً
في طبقات الحنابلة وكذا الراوي عنه أبو أحمد القزويني وانفراده من دون أصحاب أحمد المعروفين
بهذا النص محل ريبة ، ثم إنه لم يصرح بالسماع من أحمد بل قال ( يروى ) ، وهذا تصريح
بالانقطاع

قال ابن القيم في كتاب الفروسية ص284 :” وكذلك أصحاب أحمد إذا انفرد
راو عنه برواية تكلموا فيها وقالوا تفرد بها فلان ولا يكادون يجعلونها رواية إلا على
إغماض ولا يجعلونها معارضة لرواية الأكثرين عنه وهذا موجود في كتبهم يقولون انفرد بهذه
الرواية أبو طالب أو فلان لم يروها غيره

فإذا جاءت الرواية عنه عن غير صالح وعبد الله وحنبل وأبي طالب والميموني
والكوسج وابن هانئ والمروزي والأثرم وابن القاسم ومحمد بن مشيش ومثنى بن جامع وأحمد
بن أصرم وبشر بن موسى وأمثالهم من أعيان أصحابه استغربوها جدا ولو كان الناقل لها إماما
ثبتا ولكنهم أعلى توقيا في نقل مذهبه وقبول رواية من روى عنه من الحفاظ الثقات ولا
يتقيدون في ضبط مذهبه بناقل معين كما يفعل غيرهم من الطوائف بل إذا صحت لهم عنه رواية
حكوها عنه وإن عدوها شاذة إذا خالفت ما رواه أصحابه عودة إلى زيادة الثقة فإذا كان
هذا في نقل مذاهب العلماء مع أنه يجوز بل يقع منهم الفتوى بالقول ثم يفتون بغيره لتغير
اجتهادهم وليس في رواية من انفرد عنهم بما رواه ما يوجب غلطه إذ قد يوجد عنهم اختلاف
الجواب في كثير من المسائل فكيف بأئمة الحديث مع رسول الله الذي لا يتناقض ولا يختلف
كلامه “

من هذا تعلم تسامح الزركشي حين قال :”

لَكِنْ صَحَّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا أَنْ يَدْعُوَ
، فَيَقُولَ : يَا

دَلِيلَ الْحَيَارَى دُلَّنِي عَلَى طَرِيقِ الصَّادِقِينَ “

بل الذي يبدو أنه لم يصح إذ أن فيه جهالةً مستحكمة ، وانقطاعا ولا وجود
له في كتب الحنابلة التي عنيت بذكر ألفاظ أحمد عن مشاهير أصحابه ولم أجدها في مسائله
ولا كتب طبقات الحنابلة والله أعلم

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم