هل صحت قصة ميسرة غلام أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ؟

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال ابن إسحاق في سيرته ص81 حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال:

 وكانت خديجة ابنة خويلد إمرأة
تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه، وكانت
قريش قوماً تجاراً

 فلما بلغها عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته، وكرم أخلاقه، بعثت إليه، فعرضت عليه
أن يخرج في مالها تاجرا إلى الشام

 وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره
من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة، فقبله منها رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وخرج
في مالها ذلك

 ومعه غلامها ميسرة، حتى قدم الشام،
فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من الرهبان، فاطلع
الراهب على ميسرة، فقال: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟

 فقال له ميسرة: هذا رجل من قريش
من أهل الحرم

 فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه
الشجرة قط إلا نبي.

ثم باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سلعته التي خرج بها، واشترى ما أراد
أن يشتري، ثم أقبل قافلاً إلى مكة ومعه ميسرة، فكان ميسرة فيما يزعمون، إذا كانت الهاجرة
واشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس، وهو يسير على بعيره

 فلما قدم مكة على خديجة بمالها،
باعت ما جاء به، فأضعف، أو قريبا، وحدثها ميسرة عن قول الراهب، وعما كان يرى من إظلال
الملكين إياه، وكانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة، مع ما أراد الله عز وجل بها من
كرامته.

فلما أخبرها ميسرة عما أخبرها به

 بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلّم، فقالت له- فيما يزعمون-: يا ابن عم أني قد رغبت فيك لقرابتك مني، وشرفك في قومك،
وسطتك فيهم، وأمانتك عندهم، وحسن خلقك، وصدق حديثك، ثم عرضت عليه نفسها، وكانت خديجة
يومئذ أوسط نساء قريش نسبا، وأعظمهم شرفا، وأكثرهم مالاً، كل قومها قد كان حريصاً على
ذلك منها لو يقدر على ذلك.

وهي خديجة ابنة خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب
بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة

 وأمها فاطمة ابنة زيد بن الأصم
بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي، وأمها هالة بنت عبد مناف بن الحارث
بن عبد بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي

 وأمها فلانة ابنة سعيد بن سعد
بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي

 وأمها عاتكة ابنة عبد العزى بن
قصي

 وأمها ريطة ابنة كعب بن سعد ابن
تيم بن مرة بن كعب بن لؤي

 وأمها قيلة ابنة حذافة بن جمح
بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي

 وأمها أميمة ابنة عامر بن الحارث
بن فهر

 وأمها ابنة سعد بن كعب بن عمرو،
من خزاعة

 وأمها فلانة ابنة حرب بن الحارث
بن فهر

 وأمها سلمى بنت غالب بن فهر، وأمها
ابنة محارب بن فهر.

سبب بحث هذه القصة شهرتها العظيمة بين الناس والسند معضل فابن إسحاق إذا
أسند لم يكن حجة حتى يصرح ويكون رجال إسناده ثقات فكيف إذا أرسل وهو نفسه غير متأكد
من الرواية فتجده يقول ( فقالت له- فيما يزعمون- )

وقد سبك الواقدي الكذاب لهذه الرواية إسناداً ومتناً مقارباً

قال ابن سعد في الطبقات 359- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ ، أَخْبَرَنَا
مُوسَى بْنُ شَيْبَةَ ، عَنْ عَمِيرَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ
، عَنْ أُمِّ سَعْدِ بِنْتِ سَعْدٍ ، عَنْ نَفِيسَةَ بِنْتِ مُنْيَةَ ، أُخْتِ يَعْلَى
بْنِ مُنْيَةَ قَالَتْ :

 لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
الله عَلَيه وسَلَّم خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَلَيْسَ لَهُ بِمَكَّةَ اسْمٌ إِلاَّ
الأَمِينُ ، لِمَا تَكَامَلَ فِيهِ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ

 فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ :
يَابْنَ أَخِي ، أَنَا رَجُلٌ لاَ مَالَ لِي وَقَدِ اشْتَدَّ الزَّمَانُ عَلَيْنَا
وَأَلَحَّتْ عَلَيْنَا سُنُونَ مُنْكَرَةٌ وَلَيْسَتْ لَنَا مَادَّةٌ وَلاَ تِجَارَةٌ
، وَهَذِهِ عِيرُ قَوْمِكَ قَدْ حَضَرَ خُرُوجُهَا إِلَى الشَّامِ ، وَخَدِيجَةُ ابْنَةُ
خُوَيْلِدٍ تَبْعَثُ رِجَالاَّ مِنْ قَوْمِكَ فِي عِيرَاتِهَا ، فَلَوْ تَعَرَّضْتَ
لَهَا وَبَلَغَ خَدِيجَةَ ذَلِكَ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ

 وَأَضْعَفَتْ لَهُ مَا كَانَتْ
تُعْطِي غَيْرَهُ ، فَخَرَجَ مَعَ غُلاَمِهَا مَيْسَرَةَ حَتَّى قَدِمَا بُصْرَى مِنَ
الشَّأْمِ فَنَزَلاَ فِي سُوقِ بُصْرَى فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ قَرِيبًا مِنْ صَوْمَعَةِ
رَاهِبٍ مِنَ الرُّهْبَانِ يُقَالُ لَهُ نَسْطُورٌ

 فَاطَّلَعَ الرَّاهِبُ إِلَى مَيْسَرَةَ
وَكَانَ يَعْرِفُهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَالَ : يَا مَيْسَرَةُ مَنْ هَذَا الَّذِي نَزَلَ
تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ ؟

 فَقَالَ مَيْسَرَةُ : رَجُلٌ مِنْ
قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ : مَا نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ
الشَّجَرَةِ قَطُّ إِلاَّ نَبِيٌّ ، ثُمَّ قَالَ : فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ ؟

 قَالَ مَيْسَرَةُ : نَعَمْ ، لاَ
تُفَارِقُهُ ، قَالَ الرَّاهِبُ : هُوَ هُوَ آخِرُ الأَنْبِيَاءِ يَا لَيْتَ أَنِّي
أُدْرِكُهُ حِينَ يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ ، ثُمَّ حَضَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله
عَلَيه وسَلَّم سُوقَ بُصْرَى فَبَاعَ سِلْعَتَهُ الَّتِي خَرَجَ بِهَا وَاشْتَرَى
غَيْرَهَا ، فَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ اخْتِلاَفٌ فِي شَيْءٍ

 فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : احْلِفْ
بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : مَا
حَلَفْتُ بِهِمَا قَطُّ ، وَإِنِّي لأَمُرُّ فَأُعْرِضُ عَنْهُمَا قَالَ الرَّجُلُ
: الْقَوْلُ قَوْلُكَ ، ثُمَّ قَالَ لِمَيْسَرَةَ وَخَلاَ بِهِ : يَا مَيْسَرَةُ هَذَا
وَاللَّهِ نَبِيٌّ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَهُوَ تَجِدُهُ أَحْبَارُنَا
فِي كُتُبِهِمْ مَنْعُوتًا ، فَوَعَى ذَلِكَ مَيْسَرَةُ.

ثُمَّ انْصَرَفَ أَهْلُ الْعِيرِ جَمِيعًا ، وَكَانَ مَيْسَرَةُ يَرَى
رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم إِذَا كَانَتِ الْهَاجِرَةُ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ
يَرَى مَلَكَيْنِ يُظِلاَّنِهِ مِنَ الشَّمْسِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ

 قَالُوا : كَانَ اللَّهُ قَدْ
أَلْقَى عَلَى رَسُولِهِ الْمَحَبَّةَ مِنْ مَيْسَرَةَ فَكَانَ كَأَنَّهُ عَبْدٌ لِرَسُولِ
اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، فَلَمَّا رَجَعُوا فَكَانُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ
قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، انْطَلِقْ إِلَى خَدِيجَةَ فَاسْبِقْنِي فَأَخْبِرْهَا بِمَا
صَنَعَ اللَّهُ لَهَا عَلَى وَجْهِكَ ، فَإِنَّهَا تَعْرِفُ ذَلِكَ لَكَ.

 فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
الله عَلَيه وسَلَّم حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فِي سَاعَةِ الظَّهِيرَةِ وَخَدِيجَةُ فِي
عُلِّيَّةٍ لَهَا مَعَهَا نِسَاءٌ فِيهِنَّ نَفِيسَةُ بِنْتُ مُنْيَةَ فَرَأَتْ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم حِينَ دَخَلَ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى بَعِيرِهِ وَمَلَكَانِ
يُظِلاَّنِ عَلَيْهِ فَأَرَتْهُ نِسَاءَهَا ، فَعَجَبْنَ لِذَلِكَ .

وَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فَخَبَّرَهَا
بِمَا رَبِحُوا فِي وَجْهِهِمْ ، فَسُرَّتْ بِذَلِكَ ، فَلَمَّا دَخَلَ مَيْسَرَةُ
عَلَيْهَا أَخْبَرَتْهُ بِمَا رَأَتْ

 فَقَالَ مَيْسَرَةُ : قَدْ رَأَيْتُ
هَذَا مُنْذُ خَرَجْنَا مِنَ الشَّأْمِ وَأَخْبَرَهَا بِقَوْلِ الرَّاهِبِ نَسْطُورٍ
وَمَا قَالَ الآخَرُ الَّذِي خَالَفَهُ فِي الْبَيْعِ وَرِبَحَتْ فِي تِلْكَ الْمَرَّةِ
ضِعْفَ مَا كَانَتْ تَرْبَحُ ، وَأَضْعَفَتْ لَهُ ضِعْفَ مَا سَمَّتْ لَهُ…

وعليه فإن القصة لا تثبت بل أسانيدها شديدة الضعف

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم