فإن من الأحاديث التي حيرتني حديث : ( أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ
إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) فإن له عدة طرق كلها معلولة
قال الترمذي في جامعه 2165 : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو المُغِيرَةِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالجَابِيَةِ
فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا فَقَالَ: «أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي، ثُمَّ
الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الكَذِبُ حَتَّى
يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدَ
الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ، أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ
ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ، عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ
الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ
الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ
فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ» : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا
الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
رواية ابن عمر هذه معلولة
الإمام البخاري رحمه الله يقول في “التاريخ” (ج1ص120) في ترجمة
محمد بن سوقه: وقال ابن المبارك اخبرنا محمد بن سوقة عن ابن دينار عن ابن عمر عن عمر
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَسَلَّمَ قال خير الناس قرنى بطوله،
وقال لنا عبد الله بن صالح حدثنى الليث قال حدثنى يزيد بن الهاد عن ابن دينار عن ابن
شهاب أن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَسَلَّمَ، نحوه، وقال
بعضهم عن ابن دينار عن أبى صالح، وحديث ابن الهاد اصح ، وهو مرسل بإرساله اصح.اهـ
وكذا وافقه على هذا الإعلال أبو حاتم وأبو زرعة في العلل
ومراسيل الزهري من أوهى مراسيل حتى لو كان عن عمر فإنه كثيراً ما يروي
عن عمر بوسائط
وقال الإمام أحمد في مسنده 15696 : حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، وَحُسَيْنٌ،
قَالَا: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
بْنِ عَامِرٍ يَعْنِي ابْنَ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَنْ مَاتَ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ طَاعَةٌ مَاتَ مِيتَةً
جَاهِلِيَّةً، فَإِنْ خَلَعَهَا مِنْ بَعْدِ عَقْدِهَا فِي عُنُقِهِ لَقِيَ اللهَ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى، وَلَيْسَتْ لَهُ حُجَّةٌ “
” أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ، فَإِنَّ
ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ، إِلَّا مَحْرَمٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ،
وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ “
” مَنْ سَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ، وَسَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ
” قَالَ حُسَيْنٌ: ” بَعْدَ عَقْدِهِ إِيَّاهَا فِي عُنُقِهِ “
عاصم بن عبيد الله ضعيف جداً وصفه أبو حاتم والبخاري بأنه منكر الحديث
ونص الدارقطني على أنه يترك وكذا قال أبو زرعة غير أن يعقوب وابن عدي لينا القول فيه
وقال النسائي في الكبرى 9219 : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أنا جرير عن
عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال خطب عمر بالجابية فقال : إن رسول الله صلى الله
عليه و سلم قام في مثل مقامي هذا ثم قال أحسنوا إلى أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين
يلونهم ثم يفشو الكذب حتى أن الرجل ليحلف على اليمين قبل أن يستحلف عليها ويشهد على
الشهادة قبل أن يستشهد عليها فمن أراد منكم أن ينال بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن
الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد ألا لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان
ألا ومن كان منكم تسوءه سيئته أو تسره حسنته فهو مؤمن
عبد الملك بن عمير اختلط بآخره وضعفه جمع من الأئمة وقد اضطرب في هذا الحديث
لذا أعله بالاضطراب الدارقطني
جاء في علل الدارقطني :” س 155- وسُئِل عَن حَدِيثِ جابِرِ بنِ سَمُرَة
، عَن عُمَر أَنَّهُ خَطَبَهُم بِالجابِيَةِ ، فَذكر عَن رَسُولِ الله صَلَّى الله
عَلَيه وسَلم : أَحسِنُوا إِلَى أَصحابِي ، ثُمّ الَّذِين يَلُونَهُم ، ثُمّ يَفشُو
الكَذِبُ … … الحَدِيثَ.
فَقال : يَروِيهِ عَبد المَلِكِ بن عُمَيرٍ ، واختُلِف عَنهُ فِي إِسنادِهِ
فَقِيل عَنهُ : فِيهِ عِدَّةُ أَقاوِيلَ.
وَرَواهُ جَرِيرُ بن حازِمٍ ، ومُحَمد بن شَبِيبٍ الزَّهرانِيُّ ، وقُرَّةُ
بن خالِدٍ ، وجَرِيرُ بن عَبدِ الحَمِيدِ وقِيل : عَن شُعبَة بنِ الحَجّاجِ ، فَقالُوا
: عَن عَبدِ المَلِكِ بنِ عُمَيرٍ ، عَن جابِرِ بنِ سَمُرَة ، عَن عُمَر.
وَخالَفَهُم جَماعَةُ ثِقاتٍ مِنهُم : عَبد الله بن المُختارِ ، ويُونُسُ
بن أَبِي إِسحاق ، وابنُهُ إِسرائِيل ، ومَعمَرٌ ، وعَبد الحَكِيمِ بن مَنصُورٍ ، وحِبانُ
، ومِندَلٌ ابنا عَلِيٍّ ، وسُفيانُ الثَّورِيُّ وقِيل : عَن شُعبَة ، والمَسعُودِيِّ
، وداوُد بنِ الزِّبرَقانِ ، والحُسَين بنِ واقِدٍ ، والحُصَينِ بنِ واقِدٍ ، شَيخٌ
رَوَى عَنهُ أَبُو بَكرِ بن عَيّاشٍ ، وقَزعَة بنِ سُوَيدٍ ، وأَبِي عَوانَة فَرَوَوهُ
عَن عَبدِ المَلِكِ بنِ عُمَيرٍ ، عَن عَبدِ الله بنِ الزُّبَيرِ ، عَن عُمَر.
وَرَواهُ شَيبانُ بن عَبدِ الرَّحمَنِ ، وشُعَيبُ بن صَفوان ، وزايِدَةُ
، وعُبَيد الله بن عُمَر الرَّقَّى ، عَن عَبدِ المَلِكِ بنِ عُمَيرٍ ، عَن رَجُلٍ
لَم يُسَمّ ، عَن عَبدِ الله بنِ الزُّبَيرِ
وقال عَبد الحَمِيدِ بن مُوسَى : عَن عُبَيدِ الله بنِ عَمرٍو ، عَن عَبدِ
المَلِكِ ، عَن مُجاهِدٍ ، عَنِ ابنِ الزُّبَيرِ ، عَن عُمَر.
وَلَم يَصنَع شَيئًا.
وَقال عِمرانُ هُو أَخُو سُفيان بنِ عُيَينَة : عَن عَبدِ المَلِكِ ، عَن
رِبعِيِّ بنِ حِراشٍ ، عَن عُمَر.
وَقال يَحيَى بن يَعلَى أَبُو المُحَيّاة ، وزُهَيرٌ ، ومُحَمد بن ثابِتٍ
: عَن عَبدِ المَلِكِ ، عَن قَبِيصَة بنِ جابِرٍ ، عَن عُمَر.
وَقال حَمّاد بن سَلَمَة ، والمَسعُودِيُّ ، وقَيسٌ ، مِن رِوايَة مُحَمدِ
بنِ مُصعَبٍ عَنهُم : عَن عَبدِ المَلِكِ ، عَن رَجاءِ بنِ حَيوَة ، عَن عُمَر.
وَقال ابن عُيَينَة : عَن عَبدِ المَلِكِ ، عَن رَجُلٍ لَم يَسمه ، عَن
عُمَر
ويُشبِهُ أَن يَكُون الاضطِرابُ فِي هَذا الإِسنادِ مِن عَبدِ المَلِكِ
بنِ عُمَيرٍ ، لِكَثرَةِ اختِلاَفِ الثِّقاتِ عَنهُ فِي الإِسنادِ ، والله أَعلَمُ”
وبقيت رواية غريبة ذكرها ابن بطة في الإبانة
قال ابن بطة في الإبانة 115 – حدثنا أبو جعفر بن العلاء ، قال : حدثنا
علي بن حرب ، قال : حدثنا هارون بن عمران ، قال : حدثنا جعفر بن برقان ، عن أبي سكينة
الحمصي ، عن عبد الرحمن بن عبد الله ، قال : قدم عمر الجابية فقام فينا خطيبا ، فحمد
الله ، وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كمقامي
فيكم ، فقال : « أكرموا أصحابي ، فإنهم خياركم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم
، ثم يظهر الكذب حتى يحلف الرجل ، وإن لم يستحلف ، ويشهد ، وإن لم يستشهد ألا من أراد
بحبوحة الجنة ، فعليه بالجماعة ، فإن الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد ، ألا
لا يخلون رجل بامرأة ، فإن معهما الشيطان ومن ساءته خطيئته فهو مؤمن »
وهذا قد ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق أن جعفر بن برقان لم يسمعه من أبي
سكينة باعترافه
وفي القلب شيء من تقوية هذه ببعضها فإن ذلك راجع إلى تحديد منزلة رواية
عبد الملك بن عمير المضطربة وأخشى أن تكون من مناكيره ، وكذا تحديد منزلة رواية ابن
بطة الأخيرة وكذلك رواية عاصم
والحديث ثابت في الصحيحين من خبر ابن عباس بلفظ ( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ
بِامْرَأَةٍ) بدون ذكر التتمة.
فائدة : قال ابن حجر في التلخيص :
1826 – حَدِيثُ: [ لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا
الشَّيْطَانُ] .
وَقَدْ اُشْتُهِرَ هَذَا الْحَدِيثُ.
أَحْمَدُ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ
رَبِيعَةَ.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي
الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ.
وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظِ: [ لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ
إلَّا وَمَعَهُمَا ذُو مَحْرَمٍ] . وَلَمْ يَذْكُرَا آخِرَهُ.اهـ
فكأنه يشير إلى إعلال خبر ابن عمر
, والله أعلم
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم