هناك بطاقة تنتشر بذكر أسماء من أباحوا المولد النبوي، وتلاحظ أن عامتهم جاءوا في ثنايا القرن السابع الهجري، فقبلها لا يُذكر عن منتسب للعلم إباحته لهذا الأمر، سوى رجل واحد وهو ابن الجوزي المتوفى عام 597، وعمدة من نسب إليه ذلك كتاب «مولد العروس» المنسوب له.
وهذا الكتاب طعن غير واحد في نسبته لابن الجوزي، مع شهرته بين عوام الصوفية.
حتى وجدت عدداً من الأشاعرة يعترفون بعدم صحة الكتاب، حتى قال الحبشي جيل صادق: “مما يجب التحذير منه كتاب يسمى (مولد العروس) وهذا كتاب مجهول مؤلفه لم يعرف من هو، ونسبه بعض الناس بلا دليل لابن الجوزي، وفيه هذه الكلمة القبيحة المفتراة والمنسوبة إلى كعب الاحبار (إن الله قبض قبضة من نوره وقال كوني محمدًا) وهذا الأثر فيه إثبات أن الرسول جزء من الله، لمن اعتبر هذا النور نورا متصلا بذات الله على زعمه، وإن اعتبره مخلوقًا لله يكون المعنى أن الرسول جزء من نور خلقه الله تعالى، وكلا الأمرين فاسد لا يصح”.
ورأيت غيره في فتاوى لهم في إباحة المولد يحذِّرون من هذا الكتاب.
وقال المغراوي في «موسوعة مواقف السلف» [10/469] نقلاً عن محمود مهدي الاستانبولي قوله: “بين يديّ الآن قصة (مولد العروس) المنسوبة كذباً وافتراءً إلى العلامة الكبير ابن الجوزي لما فيها من الضلالات والأساطير المعزوّ إلى الله تعالى وإلى نبيّه الكريم مما لا يصحّ السكوت عنه.
ثم ذكر الأباطيل والأكاذيب الواردة فيه، وردّ عليها ردّاً مباركاً”.
وعزا في الحاشية لكتابه «كتب ليست من الإسلام».
وقال مشهور حسن سلمان في كتابه «كتب حذر منها العلماء»: “هذا الكتاب مكذوب على ابن الجوزي, وفيه كثير من الطامات والرزايا, و ذكر الأستاذ عبد الحميد العلوجي في “مؤلفات ابن الجوزي” أن له أكثر من عشر مخطوطات وقد شرحه النووي في كتاب بعنوان “فتح الصمد العالم على مولد أبي القاسم” أو “البلوغ الفوزي في بيان ألفاظ مولد ابن الجوزي”. قلت: وهذا الشرح ليس ليحيى بن شرف النووي, وإنما هو لمحمد بن عمر النووي الجاوي.
وزادت الدكتورة ناجية إبراهيم في “قراءة جديدة في مؤلفات ابن الجوزي” ست مخطوطات أخرى للكتاب, إلا أنها ختمت كلامها على الكتاب بقولها: “الشك واضح في نسبة هذه المخطوطات لابن الجوزي فهو يخلو من الإسناد الذي اعتاد عليه ابن الجوزي في كتبه, كما يخلو من تعليق أو نقل ابن الجوزي لما يرد فيه من أخبار, وكل ما ورد فيه يتعلق بولادة الرسول صلى الله عليه وسلم وأشعار مدحه, مما يدل على أن أحد العوام قد وضعه”.
قلت: وكلامها صحيح لأسباب كثيرة, منها:
1- إن نسخها كلها متأخرة.
2- لم يذكره مترجمو ابن الجوزي ضمن مصنفاته.
3- ما ورد فيه من أشياء ساقطة مخالفة للعقيدة الإسلامية والنصوص الشرعية.
وقد حذر صاحب “الروائح الزكية في مولد خير البريّة” من كتاب “مولد ابن الجوزي” هذا, فقال: “ومن المفاسد التي انتشرت وأقبل على قراءتها كثير من العامة بعض الكتب التي أُلفت في المولد النبوي, وحُشيت بالأحاديث المكذوبة, والأخبار المعلولة, والغلو المذموم والكذب على الدين, فيحرم رواية تلك الأكاذيب من غير تبيين أمرها, و يجب التحذير منها. ومن أشهر هذه الكتب المدسوسة الكتاب المسمى مولد العروس, وهذا الكتاب ليس من تأليف ابن الجوزي رحمه الله, بل هو منسوب إليه زورا وبهتانا”.
وأما بالنسبة لابن كثير:
فيقول الشيخ حمود التويجري في كتابه «الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي وبيان أخطائهم في المولد النبوي» صـ197 إلى 200: “ومنهم الإمام ملا علي قاري له كتاب في المولد سماه «المورد الروي في المولد النبوي»
والجواب أن يقال أما الحافظ ابن كثير، رحمه الله تعالى، فإنه قد ذكر الآثار الواردة في المولد النبوي في كتابه «البداية والنهاية» ولم يتعرض لذكر الاحتفال بالمولد إلا في ترجمة سلطان إربل الملك المظفر فإنه ذكر عنه أنه كان يعمل المولد في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا، ولم يصرح بجواز ذلك ولا عدم جوازه، ولابن كثير أيضًا رسالة في المولد مختصرة ذكر فيها الآثار الواردة فيه ولم يتعرض فيها لذكر الاحتفال به.
وقد أخطأ الكاتب المجهول عدة أخطاء فيما ذكره عن ابن كثير الأول زعمه أنه من الذين قالوا رأيهم صراحة في لاحتفال بالمولد النبوي الثاني زعمه أن ابن كثير قد ولد في سنة سبع وسبعين وسبع مائة وأنه توفي في سنة اثنتين وأربعين وثمان مائة من الهجرة، الثالث زعمه أنه قد ألف في المولد النبوي كتبًا عدة الرابع ما ذكره عن صاحب كشف الظنون أنه ذكر عن الحافظ ابن كثير أنه قد صنف في المولد أجزاء عديدة منها «جامع الآثار في مولد النبي المختار» في ثلاث مجلدات و«اللفظ الرائق في مولد خير الخلائق» وهو مختصر الخمس ما ذكره عن ابن فهد أنه قال إن لابن كثير كتابًا يسمى «مورد الصادي في مولد الهادي»
والجواب عن هذه الأخطاء أن أقول. أما زعم الكاتب المجهول أن ابن كثير قد قال رأيه صراحة في الاحتفال بالمولد النبوي”.
إلى أن قال: “وأما زعمه أن ابن فهد قال: إن لابن كثير كتابًا يسمى «مورد الصادي في مولد الهادي» فهو من أوهامه على ابن فهد. والذي ذكره ابن فهد في كتابه «لحظ الألحاظ» بذيل طبقات الحفاظ أن «مورد الصادي في مولد الهادي» للحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي، وذكر أيضًا أنه صنف في المولد النبوي ثلاثة أسفار، وذكر أيضًا من مصنفاته «اللفظ الرائق في مولد خير الخلائق» وهذا يوافق ما ذكره صاحب «كشف الظنون» وهذه المؤلفات لم أر شيئًا منها فلا أدري هل كان ابن ناصر الدين يقول بجواز الاحتفال بالمولد أم أنه قد مشي على طريقة ابن كثير في جمع الآثار الواردة في لمولد من غير تعرض لحكم الاحتفال به هل هو جائز أم غير جائز؟، وكذلك الحافظ العراقي لا أدري هل كان يقول بجواز الاحتفال بالمولد أم لا؟ فإني لم أر كتابه في المولد”.
وبغض النظر عن أسماء المبيحين، فالحجة مع المانعين، والمسألة ليست فرعية بل هي فرع عن أصل كبير، وهو أن كل بدعة ضلالة، وهذا أصل ذكره الإمام أحمد في رسالته «أصول السنة» بعد أصل “التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله ﷺ”.
والأمر أعظم من مجرد احتفال، بل الأمر يدخل فيه تحريف مفهوم المحبة وجعله في أمور داخلة في أهواء النفوس، كالاحتفال والغناء والرقص أو نحوها، ويزعم المحتفل أنه أولى بمحبة رسول الله ﷺ ممن يؤذى في سنته، حتى يُسخر من شكله إذا طبق الهدي الظاهر.
والأمر جليل في بيان أن بعض أهل العلم يعيش في عالم موازٍ يتكلم فيه عن مولد بلا مخالفات، ويترك الموالد المشاهدة أمام عينه، وهذا سلوك جبان يعمد إليه كثيرون.
والأمر جليل في أن المقلد الذي يرفض مخالفة مذهب إمامه ولو دلت السنة على مخالفته يلبس ثوب المجتهد ويستدل بأدلة ليثبت مشروعية أمر ما عرفته القرون الأولى.