فإن من المسائل الحيوية المهمة مسألة ( أكثر الحيض ) ، وهي مسألة مهمة
لتعلقها بموضوع الاستحاضة
وعند البحث تبين لي أن السلف لم يكن لهم في هذه المسألة إلا قولين
الأول : أكثره
عشرة أيام
الثاني : أكثره
خمسة عشر يوماً
والقول بأن أكثر الحيض لا حد له قول لم أجد له قائلاً من السلف
وقد صرح ابن عبد البر في الاستذكار أن أقوال الناس ( يعني السلف ) في
هذه المسألة محصورة في قولين
قال ابن عبد البر في الاستذكار (1/349) :
” لأن الناس في أكثر
الحيض على هذين القولين فلما لم تصح الخمسة عشر لأن العادة في الحيض أن يكون أقل من
الطهر صحت العشرة الأيام وإذا صحت العشرة حيضا كان ما بقي طهرا وهو تسعة عشر يوما لأن
الشهر قد يكون تسعة وعشرين “
وقد ذكر ابن المنذر أن هناك فرقة قالت بأنه لا حد لأكثر الحيض وأقله
ولكنه لم يسم قائلاً به
قال ابن المنذر في الأوسط :
” ذكر أقل الحيض وأكثره
اختلف أهل العلم في أقل الحيض وأكثره
فقالت طائفة : أقل الحيض يوم
وليلة وأكثره خمس عشرة هذا قول عطاء بن أبي رباح والشافعي وأحمد وأبي ثور ، وقالت طائفة
: أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام كذلك قال سفيان الثوري والنعمان ويعقوب ومحمد
وروينا عن سعيد بن جبير قولا ثالثا أنه قال : الحيض إلى ثلاثة عشر يوما
فما سوى ذلك فهي مستحاضة
وقد بلغني من نساء آل الماجشون أنهن كن يحضن سبع عشرة
قيل لأحمد الحيض عشرين يوما
؟ قال : لا فإن أكثر ما سمعناه سبعة عشرة يوما .
وحكى عبد الرحمن بن مهدي عن
رجل يثق به ويثني عليه خيرا أنه يعرف أن امرأة تحيض سبع عشرة .
قال الأوزاعي : عندنا امرأة
تحيض وتطهر عشية قال الأوزاعي : يرون أنه حيض تدع له الصلاة ، محمد بن مصعب القرقساني
عنه ، وحكى محمد بن كثير عن الأوزاعي أنه قال : كانت امرأة تحيض يوما وتنفس ثلاثا وحكى
الحسن الحلواني عن يزيد بن هارون أنه قال : كانت عندي امرأة تحيض يومين يومين .
وقالت فرقة : ليس لأقل الحيض بالأيام حد ولا لأكثره وقت ، والحيض إقبال
الدم المنفصل من دم الاستحاضة والطهر إدباره “
أما القول بأقل بأن أكثر الحيض عشرة فهو قول الحسن
قال الدارمي في مسنده [ 832 ]:
أخبرنا محمد بن عيسى ثنا هشيم
ثنا يونس عن الحسن قال : تمسك المرأة عن الصلاة في حيضها سبعا فإن طهرت فذاك وإلا أمسكت
مابينها وبين العشرة فإن طهرت فذاك وإلا اغتسلت وصلت وهي مستحاضة
وهو اختيار أهل الرأي وروي فيه أثر عن أنس وهو ضعيف جداً
وهناك قول مهجور لسعيد بن جبير أنه ثلاثة عشر
والقول بأنه خمسة عشر هو قول عطاء
قال الدارقطني في السنن [ 12 ]:
حدثنا القاضي الحسين بن إسماعيل
نا أحمد بن سعد الزهري نا أحمد بن حنبل نا يحيى بن آدم عن مفضل وابن المبارك عن سفيان
عن بن جريج عن عطاء : قال أكثر الحيض خمس عشرة
وهو اختيار مالك والشافعي وأحمد وسبب اختيارهم لذلك أن هذه المسألة
راجعة إلى الحس والمشاهدة وأكثر ما قيل هذا ، ثم إن الأصل بقاء ما كان على ما كان وإخراج
المرأة من حال الحيض إلى الاستحاضة يحتاج إلى دليل ولا دليل عند من قال بالعشرة وأكثر
ما قيل الخمسة عشر فلا يزاد عليه
قال أبو داود في مسائله عن أحمد سمعت أحمد بن حنبل يقول: أكثر الحيض
خمسة عشر ولا يكون أكثر منه ، وقد اتفقوا على أن الحيض لا يكون أكثر من خمسة عشر يوماً
فأخذنا بموطن الاتفاق ، وإن كان قد روي عن بعضهم أنه سبعة عشر ألا أن هذا مهجور ولم
يقل به أحد من التابعين
أقول : والقول بأنه لا حد لأكثره لا يعرف به قائل من السلف وقد حذر
العلماء من القول بقول ليس لنا به إمام
وإذا اختلف التابعون على قولين أو ثلاثة لم يجز لمن بعدهم إحداث قول
لا يعرف عنهم إذ أن قولهم بتلك دون القول الجديد إجماع منهم على ترك ذلك القول وهذا
الإجماع حجة
بل هجر عامة الفقهاء المعروفين لقول ما مما يوهنه في عين الناقد المنصف
بل حتى الظاهرية حدوا أكثره بسبعة عشر ولم يقولوا لا حد لأكثره
قال ابن حزم في المحلى (2/191)
:
” فان تمادى الاسود فهو
حيض إلى تمام سبعة عشر يوما، فان زاد ما قل أو كثر فليس حيضا “
والصواب في المسألة أن أكثر خمسة عشر يوماً وأن القول بأنه لا حد لأكثره
قول لا يعرف عن أحد علماء القرون الثلاثة الفاضلة
ثم وجدت كلاماً لابن رجب في الفتح يدعي أن هذا القول منقول عن الأوزاعي وإسحاق والله أعلم
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم