هل تغبطه أم تشفق عليه؟

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال ابن أبي شيبة في «المصنف»: “26892- حدثنا أبو خالد، عن عوف، قال: سمعت شيخا قبل فتنة ابن الأشعث فنعت نعته، قالوا: ذاك أبو المهلب عم أبي قلابة، قال: رمى رجل رجلا بحجر في رأسه، فذهب سمعه ولسانه وعقله وذكره فلم يقرب النساء فقضى فيه عمر بأربع ديات”.

أقول: شرح الأثر أن مما اتفق عليه الفقهاء وقضى به عمر -رضي الله عنه- هنا أن من فقد عضواً لا يوجد منه إلا واحد أو فقد حاسة يُقضى له بدية رجل كاملة.

وهنا الرجل فقد سمعه ولسانه وعقله وقدرته على الجماع، فقضى له عمر بأربع ديات، لكأنه قُتِل أربع مرات.

الدية الواحدة ثروة مائة من الإبل، فما بالك بأربع؟

قد يعمل المرء عمره كله ولا يجتمع له نصف هذا المال.

ومع هذا كله لو حصل هذا الأمر لشخص في زماننا هل تغبطه أم تشفق عليه؟

في الغالب ستُشفق عليه لفقدانه تلك النعم العظيمة، ولو عوِّض بكل هذا المال.

هذه النعم التي تتمتع أنت بها ولا تعرف قيمتها هي ثروة، ولو نقايضها بكنوز.

ككثير من النعم التي فقدنا الإحساس بها بسبب إلفنا لها، ولا نعرف قيمة الأمر إلا إذا فقدناه أو رأينا فاقده وكان لنا قلب يعي.

وأسوأ من حال هذا المبتلى الذي فُدي بتلك الديات حال من أنعم عز وجل عليه بنعمة، فصيَّرها في المعصية أو كسب مالاً من الحرام، فإن التعرُّض لعقوبة الله عز وجل أعظم من التعرُّض لأي أذية في الدنيا.

فكما أنك لا تغبط هذا المبتلى، فكذلك لا تغبط عاصياً نال من معصيته لذةً، بل الأخير أولى بالشفقة وحمد الله عز وجل أنك لم تكن مكانه.