هل الرجم اختراع عباسي ؟

في

,

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد سبق لي الكتابة في موضوع الرجم في عدة مقالات من أهمها ( قاعدة في أن معظم الأحكام الشرعية ثابتة بطريقة قطعية ) ومقال ( فائدة في الرد على منكري السنة ) ومقال ( الإجماع على كفر منكر الرجم في الإسلام )

ولكن كل يوم يلقنك المخالف حججاً جديدة من حيث لا يشعر والحق كلما أورد عليه من الشبهات كلما تجلى وقوي أكثر

بالأمس أرسل لي أحد الأخوة كلمة لأحدهم يدعي فيها أن الرجم بدعة عباسية !

وسبحان الله هذه الشبهة الباهتة فتحت لي أبواباً من تثبيت السنة

ولننظر في هذه الدعوى هل هي علمية أم مجرد هذيان ( وكيف تكون علمية وأحاديث الرجم متواترة )

ولكن لنفتتها شيئاً فشيئاً

قد أورد الإمام مالك في موطئه عدة أحاديث في الرجم وادعى عليها الاتفاق ولكن لنقف على حديث واحد فقط منها

قال مالك في الموطأ  1502 – عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني انهما اخبراه ان رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أحدهما :يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله وقال الأخر وهو أفقههما أجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله وأذن لي في ان أتكلم قال تكلم فقال ان ابني كان عسيفا على هذا فزنى بأمرأته فأخبرني ان على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي ثم اني سألت أهل العلم فأخبروني ان ما على ابني جلد مائة وتغريب عام وأخبروني إنما الرجم على امرأته فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما غنمك وجاريتك فرد عليك وجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيسا الأسلمي ان يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها قال مالك والعسيف الأجير.

هذا الحديث موجود في كل نسخ الموطأ ورواياته وتواتر عن مالك

الزهري شيخ مالك عاش ومات في زمن الأمويين وهذه الرواية لوحدها تكفي لتبرئة العباسيين من دعوى ذلك

ولو فرضنا أن الرجم بدعة أموية ، فإن العباسيين حين جاءوا من البديهي أن يزيلوا هذا الحكم المستشنع _ في عقول المرضى_ الذي اخترعه الأمويون

وهذه الحجة استخدمها عدنان إبراهيم في رده على يوسف زيدان حيث قال أن المسجد الأقصى لو كان بدعة أموية لأزالها العباسيون لأنهم أعداؤهم وأقاموا فيهم المجازر

وهذه حجة قوية

فإن أردنا أن نشكك في الإمام مالك فلنسأل من روى هذا الحديث عن الزهري غير مالك

فأقول لك : قد رواه عن ابن شهاب قرابة خمسة عشر نفساً تابعوا مالكاً على رواية هذا الحديث في أكثر من ثلاثين مصدراً حديثياً

1_ معمر بن راشد ( وحديثه عند عبد الرزاق في المصنف تلميذ معمر ، ومسند أحمد وغيره من المصادر )

2_ ابن أبي ذئب ( وحديثه في صحيح البخاري ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ وأبو داود الطيالسي  وغيره من المصادر )

3_ الليث بن سعد ( وحديثه في البخاري والطبراني في الكبير وأبو عوانة في مسنده وابن حبان في صحيحه )

4_ شعيب بن أبي حمزة ( وحديثه في البخاري ومسند الشاميين والبيهقي في الكبرى  وغيره من المصادر )

5_ سفيان بن عيينة ( وحديثه عند أحمد في المسند والحميدي في المسند والصحيحين وسنن النسائي وابن ماجه والبزار في مسنده والبيهقي في الكبرى وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني والمنتقى لابن الجارود وابن النحاس في الناسخ والمنسوخ وفوائد الحنائي والترمذي في جامعه والدارمي في مسنده وجزء سعدان وابن أبي شيبة في المصنف والخلعي في الخلعيات ومشيخة ابن البخاري والأربعون لابن عساكر  وغيرها )

6_ يونس بن يزيد الأيلي ( في سنن النسائي الكبرى وشرح معاني الآثار للطحاوي وأبو عوانة في مسنده غيره من المصادر )

7_ عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ( وحديثه عند الطبراني في الكبير وعبد الرزاق في المصنف وأبي عوانة في المسند وغيرها من المصادر )

8_ صالح بن كيسان ( وحديثه عند الطبراني في الكبير وأبو عوانة في مسنده )

9_ زمعة بن صالح ( وحديثه عند الطيالسي في مسنده والطبراني في الكبير )

10_ سليمان بن كثير ( وحديثه عند الطبراني في الكبير )

11_ عقيل بن خالد ( وحديثه عند البيهقي في الكبرى )

قال الحنائي في فوائده :” وَقَدْ رَوَى الْحَدِيثَ الَّذِي خَرَّجْنَاهُ فِي الْبِكْرِ إِذَا زَنَا عَنِ الزُّهْرِيِّ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ المدني وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ الْمِصْرِيُّ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إِمَامُ الْمَدِينَةِ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ وَمَعْمَرٌ وَغَيْرُهُمْ.

وذكر الدارقطني أن ابن الماجشون ويحيى بن سعيد الأنصاري ومحمد بن إسحاق رووه عن الزهري

فالحديث متواتر عن الزهري وتكذيب كل هذه المصادر جنون محض

والزهري عاش ومات في زمن بني أمية !

وهذا حديث واحد فقط من جملة أحاديث متواترة

فهذا يبين لك أن بعض الكتاب يتكلم بهذيان محض

والعجيب أن هذا الكاتب يدعي أن الخوارج أنكروا الرجم والواقع أن ليس الخوارج من أنكروا وإنما فرقة واحدة منهم يقال لها الأزارقة

قال ابن حزم في الإحكام :” ولا خلاف بين أحد المسلمين في وجوب المصير إلى قوله صلى الله عليه وسلم وترك ما أمرنا أن نترك العمل به من القرآن فمن ذلك أنه لا خلاف بين أحد من المسلمين حاشا الأزارقة في وجوب الرجم على الزاني المحصن”

قال الملطى قال: وقال حسان بن فروخ: سألني عمر بن عبد العزيز عما تقول الأزارقة فأخبرته فقال ما يقولون في الرجم؟ فقلت يكفرون به فقال: الله أكبر كفروا بالله وبرسوله

وهذا يثبت براءة العباسيين من تلك التهمة

لأن الأزارقة ظهروا وانقرضوا في زمن الأمويين

قال عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق :” وَبعث الْحجَّاج سفين بن الْأَبْرَد الكلبى فِي جَيش كثيف الى قطرى بعد أَن انحاز من الرى الى طبرستان فَقَتَلُوهُ بهَا وانفذوا بِرَأْسِهِ الى الْحجَّاج وَكَانَ عُبَيْدَة بن هِلَال اليشكرى قد فَارق قطريا وانحاز الى قومس فَتَبِعَهُ سفين بن الابرد وحاصره فِي حصن قومس الى ان قَتله وَقتل اتِّبَاعه وطهر الله بذلك الارض من الازارقة وَالْحَمْد لله على ذَلِك”

وقولهم ( الأزارقة ) أنكروا معناه أنهم يقابلهم من يثبت ذلك ، ثم الأزارقة لا كتاب لهم يشرح مذاهبهم فمن صدق ما ذكر في الكتب عنهم ، فليصدق ما نقل من اتفاق الصحابة والتابعين على الرجم !

والأزارقة ذهبوا إلى عدم الرجم وذهبوا أيضاً لقتل النساء والأطفال من المشركين جرياً على العموم وذهبوا أيضاً إلى قذف الرجل لا جلد فيه لأن الآية ذكرت قذف النساء فقط

وأما المعتزلة فلا يوجد عنهم نقل صحيح في إنكار الرجم والزمخشري نقل الاتفاق على الرجم

ولأشرح لك أمراً في زمن أتباع التابعين كان هناك مجموعة من الثقات الأثبات الفقهاء

مالك بن أنس في المدينة وسفيان الثوري في الكوفة والأوزاعي في الشام والليث بن سعد في مصر وابن المبارك في خراسان وسفيان بن عيينة في مكة ، وشعبة بن الحجاج في واسط والبصرة

وهؤلاء جميعاً كان يمكنهم الوصول للنبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة بواسطتين فقط

وزمنهم قريب جداً من زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا فقهاء متنافسين ومع ذلك اتفقت الأمة على توثيقهم

وانفراد الراوي الواحد عنهم بحديث مرفوع يعد منكراً فلا يكاد المرء منهم يروي خبراً مرفوعاً إلا ويتواتر هذا الخبر عنه أو يشتهر وهذا أمر يعرفه أهل الحديث غير أن لهم مصنفات ومذاهب فقهية

فلو كان هؤلاء جميعاً فقط أرسلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون أسانيد أنه رجم لكان العاقل الفطن يقبل هذا لما عرف عنهم من الزهد والورع والتقوى ثم إن اتفاقهم ليس بالأمر الهين

فما بالك وقد أسندوا أخباراً بأسانيد وتابعهم عليها العشرات وكلهم أفتوا بالرجم 

فما بالك إذا علمت أن لهم أقراناً في بلدانهم كابن الماجشون وابن أبي ذئب لمالك وشريك وابن أبي ليلى وأهل الرأي لسفيان الثوري وهكذا

وقد عاشوا الحقبتين الأموية والعباسية ، وكثير منهم كان منافراً للسلطان والسلطان لا يمكنه فرض شيء على الناس جميعاً خصوصاً في تلك الأزمنة في أمر ظاهر من ظواهر الدين

اعتبر ذلك في مسألة القول بخلق القرآن وكيف اجتهد ثلاثة خلفاء متتابعين على قتل كل من يخالف ثم انعكس الأمر

ولاحظ انحراف معظم بني أمية عن أهل البيت وكيف الأمر انعكس

ثم إن الرجم من الأمور التي لو كان الأمر بيد الملوك لحذفوها لا أضافوها وهذا أمر يدركه كل عاقل

هذه لفتة يسيرة في المسألة وقد تكلمنا عليها بتوسع في المقالات الأخرى 

وقد كان البراهمة يعترضون على ذبح الحيوانات وغيرها ولكن لم يتورط برهمي واحد بالدفاع عن خائن لفراش الزوجية ، والرجم تطهير لتلك الخطيئة العظيمة

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم