هل الأذان العثماني الأول يوم الجمعة مشروع اليوم ؟

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال ابن رجب في فتح الباري (6/ 206) :” ونقل حرب ، عن إسحاق بن
راهويه : أن الأذان الأول للجمعة محدث ، احدثه عثمان ، رأى أنه لا يسمعه إلا أن يزيد
في المؤذنين ، ليعلم الأبعدين ذلك ، فصار سنة : لأن على الخلفاء النظر في مثل ذلك للناس
.

وهذا يفهم منه أن ذلك راجع إلى رأي الإمام ، فإن احتاج اليه لكثرة الناس
فعله ، وإلا فلا حاجة إليه “

فعثمان _ رضي الله عنه _ أقام هذا الأذان لعلة كثرة الناس ، فإذا انتفت
هذه العلة لم يكن الفاعل للأذان مقتدياً بعثمان ، بل عليه أن يقتدي بالنبي صلى الله
عليه وسلم وأبي بكر وعمر في ترك هذا الأذان

فإن قيل : كيف نضبط أمر الحاجة ؟

يقال : تصور هذه المسألة يحتاج أن نفهم أمر صلاة الجمعة في زمنهم في
ذلك الزمن في المدينة كلها لم يكن يقام إلا جمعة واحدة ، فمما لا يشك فيه أن من كانوا
يحضرون الجمعة عند أبي بكر وعمر أكثر ممن يحضرون عند عامة الأئمة اليوم من الذين يقيمون
الجمع في الأحياء الصغيرة

وأما تعدد الجمع بالصورة التي نراها اليوم فمكروهة عند عامة الفقهاء

قال الشافعي في الأم (2/384) :” وَلاَ يُجْمَعُ فِي مِصْرٍ وَإِنْ
عَظُمَ أَهْلُهُ وَكَثُرَ عَامِلُهُ وَمَسَاجِدُهُ إلَّا فِي مَوْضِعِ الْمَسْجِدِ
الْأَعْظَمِ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ مَسَاجِدُ عِظَامٌ لَمْ يُجْمَعْ فِيهَا إلَّا فِي
وَاحِدٍ وَأَيُّهَا جُمِعَ فِيهِ أَوَّلاً بَعْدَ الزَّوَالِ فَهِيَ الْجُمُعَةُ ,
وَإِنْ جُمِعَ فِي آخَرَ سِوَاهُ يَعُدُّهُ لَمْ يَعْتَدَّ الَّذِينَ جَمَعُوا بَعْدَهُ
بِالْجُمُعَةِ , وَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعِيدُوا ظُهْرًا أَرْبَعًا

وقال الونشريسي في المعيار المعرب (1/239) :” ( مقتضى النصوص المذهبية
المنع من تعدد الجمعة في المصر الواحد مع السعة والاختيار وانتفاء الضروريات والأعذار
، وممن نص على ذلك من شيوخ المذهب المالكي : اللخمي والمازري وابن الجلاب وعبد الوهاب
، وابن بشير وغيرهم ممن لا يحصى كثرة

قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب : والدليل على ذلك أن النبي صلى الله
عليه وسلم لم يقمها إلا في مسجد واحد ، ولو جازت في أكثر لبينه صلى الله عليه وسلم
قولاً وفعلاً ولم يقمها عليه السلام ولا الخلفاء بعده إلا في مسجد واحد ولو جاز ذلك
لم يعطلوا المساجد ، ولو كانت إقامتها جازة في مسجدين لفعله ولو مرة “

قال ابن قدامة في المغني (2/181) :” مسألة : قال : وإذا كان البلد
كبيرا يحتاج إلى جوامع فصلاة الجمعة في جميعها جائزة

وجملته أن البلد متى كان كبيرا يشق على أهله الاجتماع في مسجد واحد
ويتعذر ذلك لتباعد أقطاره أو ضيق مسجده عن أهله كبغداد وأصبهان ونحوهما من الأمصار
الكبار جازت إقامة الجماعة فيما يحتاج إليه من جوامعها وهذا قول عطاء وأجازه أبو يوسف
في بغداد دون غيرها لأن الحدود تقام فيها في موضعين والجمعة حيث تقام الحدود ومقتضى
قوله أنه لو وجد بلد آخر تقام فيه الحدود في موضعين جازت إقامة الجمعة في موضعين منه
لأن الجمعة حيث تقام الحدود وهذا قول ابن المبارك وقال أبو حنيفة و مالك و الشافعي
: لا تجوز الجمعة في بلد واحد في أكثر من موضع واحد لـ [ أن النبي صلى الله عليه و
سلم لم يكن يجمع إلا في مسجد واحد ] وكذلك الخلفاء بعده ولو جاز لم يعطلوا المساجد
حتى قال ابن عمر : لاتقاء الجمعة إلا في المسجد الأكبر الذي يصلي فيه الإمام

وكلامهم في هذا كثير ، واليوم مصر أصغر من المدينة بكثير فتقام فيه
الجمع ذوات العدد

وللشيخ محمد بن سليمان الجراح الحنبلي الكويتي رسالة نفيسة في المنع
من تعدد الجمع

أذكر هذا لأقول أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كان يجتمع
عندهم أكثر مما يجتمع عند عامة الأئمة اليوم وما احتاجوا إلا لأذان واحد

وأما عثمان _ رضي الله عنه _ فحالته خاصة ويندر لها النظير اليوم بل
ينعدم

ويزيد الأمر وضوحاً ما قال ابن رجب في فتح الباري (6/183) :” وقالت
طائفةٌ : تجب الجمعة على من بينه وبين الجمعة فرسخٌ ، وهو ثلاثة أميالٍ ، وهوقول ابن
المسيب والليث ومالكٍ ومحمد بن الحسن ، وهو رواية عن أحمد .

ومن أصحابنا من قال : لا فرق بين هذا القول والذي قبله ، لأن الفرسخ
هو منتهى ما يسمع فيه النداء – غالباً- ، فإن أحمد قال : الجمعة على من سمع النداء
، والنداء يسمع من فرسخٌ ، وكذلك راواه جماعة عن مالكٍ ، فيكون هذا القول والذي قبله

واحدا “

والفرسخ (5) كيلو مترات

واليوم في هذا المحيط تقام أكثر من عشر جمع ، فما الحاجة إلى الأذان
الأول مع الإسراف في تعدد الجمع

بل في نظري لا يجوز تسميته أذاناً عثمانياً لأن عثمان ما فعله على هذه
الصفة والله أعلم

ومن كان عنده إفادة فليتفضل

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم