هل أنت أعلم من الشيخ فلان ؟!

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فهذه شبهة معروفة عند أهل التعصب والتقليد
إذا خالفت العالم الذي يقلده قال ( هل أنت أعلم من الإمام فلان أو من الشيخ فلان )

وقد نقض شيخ الإسلام هذه الشبهة نقضاً
مبرماً

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (20/215)
:” وَإِذَا قِيلَ لِهَذَا الْمُسْتَهْدِي الْمُسْتَرْشِدِ : أَنْتَ أَعْلَمُ
أَمْ الْإِمَامُ الْفُلَانِيُّ ؟ كَانَتْ هَذِهِ مُعَارَضَةً فَاسِدَةً ؛ لِأَنَّ
الْإِمَامَ الْفُلَانِيَّ قَدْ خَالَفَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَنْ هُوَ
نَظِيرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَلَسْت أَعْلَمُ مِنْ هَذَا وَلَا هَذَا وَلَكِنَّ
نِسْبَةَ هَؤُلَاءِ إلَى الْأَئِمَّةِ كَنِسْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ
وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وأبي وَمُعَاذٍ وَنَحْوِهِمْ إلَى
الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ فَكَمَا أَنَّ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ
أَكْفَاءٌ فِي مَوَارِدِ النِّزَاعِ ؛ وَإِذَا تَنَازَعُوا فِي شَيْءٍ رَدُّوا مَا
تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ
يَكُونُ أَعْلَمَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ : فَكَذَلِكَ مَوَارِدُ النِّزَاعِ بَيْنَ
الْأَئِمَّةِ وَقَدْ تَرَكَ النَّاسُ قَوْلَ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي
مَسْأَلَةِ تَيَمُّمِ الْجُنُبِ وَأَخَذُوا بِقَوْلِ مَنْ هُوَ دُونَهُمَا كَأَبِي
مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ لَمَّا احْتَجَّ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
وَتَرَكُوا قَوْلَ عُمَرَ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ وَأَخَذُوا بِقَوْلِ
مُعَاوِيَةَ لِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ السُّنَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ ” . وَقَدْ كَانَ
بَعْضُ النَّاسِ يُنَاظِرُ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي الْمُتْعَةِ فَقَالَ لَهُ : قَالَ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ
حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاءِ أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَتَقُولُونَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ؟ .

وَكَذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ لَمَّا سَأَلُوهُ
عَنْهَا فَأَمَرَ بِهَا فَعَارَضُوا بِقَوْلِ عُمَرَ فَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ
عُمَرَ لَمْ يَرُدَّ مَا يَقُولُونَهُ فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ : أَمْرُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ
أَمْرُ عُمَرَ ؟ مَعَ عِلْمِ النَّاسِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَعْلَمُ
مِمَّنْ هُوَ فَوْقَ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ . وَلَوْ فُتِحَ هَذَا
الْبَابُ لَوَجَبَ أَنْ يُعْرِضَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيَبْقَى كُلُّ
إمَامٍ فِي أَتْبَاعِهِ بِمَنْزِلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ وَهَذَا تَبْدِيلٌ لِلدِّينِ يُشْبِهُ مَا عَابَ اللَّهُ
بِهِ النَّصَارَى فِي قَوْلِهِ : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ
أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلَّا
لِيَعْبُدُوا إلَهًا وَاحِدًا لَا إلَهَ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا
يُشْرِكُونَ } وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَحْدَهُ “

فإذا جاز كما قرر الشيخ أن يتكلم العالم
الفاضل بالخطأ ويدرك الصواب في المسألة من هو دونه ، فمن باب أولى إذا تكلم المرء
بالصواب لم يجز أن يحتج عليه بأن العالم الفلاني سكت فكيف تتكلم أنت ؟

لأن العالم لو تكلم بخلاف ما قرر صاحب
الدليل لم يكن قوله حجة فكيف وهو ساكت والساكت لا ينسب إليه قول

غير أننا ابتلينا ممن خلط السلفية
بالطرقية الصوفية وخرج بأحوال غريبة عجيبة ، ولا يعرف عن أحد من السلف أن أحداً
تكلم بالصواب فقيل له ( قولك صواب ولكن كان ينبغي أن تسكت لأن فلاناً لم يتكلم )

وربما أدرك المفضول ما لم يدرك الفاضل

قال مسلم في صحيحه 1228- [99-…] حَدَّثَنَا
قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ
الْحُصَيْنِ ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ ، مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ ، أَنَّهُ
قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ : صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةَ الْعَصْرِ ، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ ،
فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ : أَقُصِرَتِ الصَّلاَةُ يَا رَسُولَ اللهِ ،
أَمْ نَسِيتَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُلُّ
ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَقَالَ : قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ ، يَا رَسُولَ اللهِ ،
فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ
فَقَالَ : أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ ؟ فَقَالُوا : نَعَمْ ، يَا رَسُولَ اللهِ ،
فَأَتَمَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَقِيَ مِنَ
الصَّلاَةِ ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ، وَهُوَ جَالِسٌ ، بَعْدَ التَّسْلِيمِ.

ولا شك أن في القوم من هو أفضل من ذي
اليدين ففيه القوم أبو بكر وعمر كما في صحيح البخاري فهل كان غالطاً أو مخطئاً لما
نبه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( قد كان بعض ذلك يا رسول الله )

وقال البخاري في صحيحه 4698 – حَدَّثَنِي
عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ
نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ
تُشْبِهُ أَوْ كَالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ لَا يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا وَلَا وَلَا
وَلَا تُؤْتِي أُكْلَهَا كُلَّ حِينٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي
أَنَّهَا النَّخْلَةُ وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا يَتَكَلَّمَانِ
فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ فَلَمَّا لَمْ يَقُولُوا شَيْئًا قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ النَّخْلَةُ فَلَمَّا قُمْنَا
قُلْتُ لِعُمَرَ يَا أَبَتَاهُ وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ وَقَعَ فِي نَفْسِي
أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَكَلَّمَ قَالَ لَمْ أَرَكُمْ
تَكَلَّمُونَ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ أَوْ أَقُولَ شَيْئًا قَالَ عُمَرُ
لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا

فهذا ابن عمر أدرك ما لم يدركه والده وهو
أفقه منه ولا شك ، وقد حثه عمر على أن يتكلم بما عنده

والمحتج بسكوت عالم ( لا نجزم هل وقف أم
لم يقف ) ، لا شك أنه مقابل للدليل بالتقليد وهذا منهج فاسد من مناهج أهل الجهل
والأهواء نبه عليه شيخ الإسلام

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (35/
213) :” وَمَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ لَا يَسُوغُ فِيهَا الْإِنْكَارُ إلَّا
بِبَيَانِ الْحُجَّةِ وَإِيضَاحِ الْمَحَجَّةِ: لَا الْإِنْكَارُ الْمُجَرَّدُ
الْمُسْتَنِدُ إلَى مَحْضِ التَّقْلِيدِ؛ فَإِنَّ هَذَا فِعْلُ أَهْلِ الْجَهْلِ
وَالْأَهْوَاءِ “

وهذا كصنيع من تذكر له الأدلة على صحة
حديث أو ضعفه فلا يزيدك على أن يقول ( خالفك الشيخ فلان ) منكراً عليك ما ذهبت
إليه ! بل كثير منهم يفعل وإن كان لك سلف أو سلفك جمهور أهل العلم

وإنني لأعجب ممن إذا درس الفقه وتكلم في
مس المصحف أو نجاسة الدم أو عدد ركعات التراويح أو عورة الأمة أو غيرها من المسائل

رأيته يخالف جمهور علماء الأمة أو بعض
الإجماعات المنقولة ، فيستقيم في عقل الشاب أن شيخه يصيب ويدرك ما لم يدركه أحمد
ابن حنبل وابن تيمية وأئمة الدعوة في هذه المسائل

ثم لا يستقيم في عقل هذا الشاب أن يصيب أخ
له ويخطيء هذا الشيخ

فأي دين هذا ؟

فإن قيل : إنما خالف الشيخ هؤلاء العلماء
اتباعاً للأدلة

فكذلك من خالف شيخك أو تكلم حال سكوت شيخك
إنما فعل ذلك اتباعاً للأدلة

وإنني لأعجب ممن يسأل هذا السؤال : إذا
أخطأ عالم بالعلن فهل يجوز الرد عليه بالعلن ؟

فيقال : إذا كان هذا العالم أهلاً عندك
للاجتهاد وهو غير آثم في خطئه وغير ساقط العدالة ، فلم تنكر عليه أو تسقط عدالته
مع خطئه

فهل يجوز لك إسقاط عدالة المنكر أو
الإنكار عليه مع صوابه في أصل المسألة ؟!

فنترك المخطيء ونهاجم المصيب

أي منهج هذا ؟!

ولو فرضنا أن المنكر قد أخطأ في الأسلوب
فليس الخطأ في الأسلوب بأعظم من خطأ العالم نفسه في أصل المسألة ، فإن الخطأ في
الأسلوب إنما جنايته على عرض الشخص والخطأ في أصل المسألة جنايته على الدين ولا شك
أن الجناية على الدين أعظم

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم