من الأغاليط المنتشرة في كلام التنويريين أن الفقهاء غلقوا باب الاجتهاد
والاجتهاد عندهم خرق يعني خرق الإجماع ، وكذا بعض بالغ في التعصب المذهبي فهم أن الاجتهاد يعني التفلت ولهذا فعلاً يدعو لغلق باب الاجتهاد
ففي عقله إما تفلت وضياع وتتبع رخص أو اختراع أقوال جديدة وإما جمود على مذهب معين برخصه وعزائمه حتى لو ظهر في بعض أقوال المذاهب مخالفة قوية للدليل
وكان يكفيهم أن يحذروا من تتبع الرخص وخرق الإجماع ومخالفة الفقهاء قبل فهم أقوالهم كما ينبغي ومنهجيتهم في الاستدلال
وتقدير اختلاف الناس في المواهب والمقدرات العقلية والاجتهاد في الطلب فلا يثبط المتأهل ولا يجرأ غير المتأهل
ومما ينقض على قول الفريقين جماعة التنوير ومن بالغ في التعصب قول جماعة من مشاهير الأصوليين خصوصاً الحنابلة على أنه لا يجوز خلو الزمان من مجتهد
والمجتهد بطبيعة الحال له مخالفة مشهور مذهبه بشرط أن يكون ذلك مبنياً على أدلة معتبرة وبدون مخالفة للإجماع
قال ابن المبرد الحنبلي في غاية السول :” وللعامي أن يقلد من علم، أو ظن أهليته للاجتهاد بطريق ما، دون من عرفه بالجهل، ومن جهل حاله، فلا يقلده.
وفي لزوم تكرار النظر عند تكرار الواقعة خلاف، ولا يجوز خلو العصر من مجتهد على الأصح، ولا يجوز أن يفتي إلا مجتهد“
قال الزركشي في البحر المحيط :” أو من قول الغزالي في الوسيط “: قد خلا العصر عن المجتهد المستقل ونقل الاتفاق فيه عجيب، والمسألة خلافية بيننا وبين الحنابلة، وساعدهم بعض أئمتنا، والحق أن الفقيه الفطن القياس كالمجتهد في حق العامي، لا الناقل فقط وقالت الحنابلة: لا يجوز خلو العصر عن مجتهد، وبه جزم الأستاذ أبو إسحاق والزبيري في المسكت ” فقال الأستاذ: وتحت قول الفقهاء: لا يخلي الله زمانا من قائم بالحجة، أمر عظيم، وكأن الله تعالى ألهمهم ذلك ومعناه أن الله تعالى لو خلى زمانا من قائم بحجة زال التكليف، إذ التكليف لا يثبت إلا بالحجة الظاهرة وإذا زال التكليف بطلت الشريعة وقال الزبيري: لن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة في كل وقت ودهر وزمان، ولكن ذلك قليل في كثير، فأما أن يكون غير موجود – كما قال الخصم – فليس بصواب، لأنه لو عدم الفقهاء لم تقم الفرائض كلها، ولو عطلت الفرائض كلها لحلت النقمة بذلك في الخلق، كما جاء في الخبر: «لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس» ونحن نعوذ بالله أن نؤخر مع الأشرار. انتهى“
وقال المرداوي في التحبير شرح التحرير :” وقال الرافعي: (لأن الناس اليوم كالمجمعين أن لا مجتهد اليوم، نقله الأردبيلي في ” الأنوار ” في باب أدب القضاء) .
قال ابن مفلح لما نقل كلامهما: وفيه نظر.
وهو كما قال، فإنه وجد من المجتهدين بعد ذلك جماعة، منهم: الشيخ تقي الدين بن تيمية، ونحوه،“
وواضح أن الكلام على الاجتهاد المطلق وليس اجتهاد المذهب فهذا لا نقاش فيه وجوده ولاحظ أن الحنابلة كانوا يفخرون بابن تيمية ويقولون أنه مجتهد مطلق واليوم يأتي من يدعي الحنبلية فيقول بانقطاع الاجتهاد مخالفاً لمشهور المذهب ! ويطعن في الإمام ويحتج عليه بالمقلدين فعنده معتمد المذهب ما كتبه بعض المقلدين المتأخرين فيقول لك ( معتمد المذهب الفلاني كيت وكيت وخالف ابن تيمية ) ثم من أين عرف معتمد المذهب إنما عرف من رجل متأخر لا يبلغ رتبة الاجتهاد ذكر قوله في كتاب مذهبي فصار معتمد المذهب وإن لم يوجد له ذكر في كتب إمام المذهب أو متقدمي أصحابه ويحتج بهذا المقلد الذي لا يكاد يفرق بين الصحيح والمنكر على رجل مجتهد مطلق باتفاق مثل ابن تيمية
حتى أن السيوطي وهو شافعي أشعري لما كتب رسالته إرشاد المهتدين وهي في نصرة القول بأنه لا يخلو زمان من مجتهد لما ذكر المجتهدين الذين بلغوا رتبة الاجتهاد باتفاق احتج على خصومه بابن تيمية وأنه بلغ رتبة الاجتهاد