هكذا ينبغي أن يجاب على اعتراضات الزنادقة على الشرائع
قال مطهر بن طاهر المقدسي المتوفى عام 355 في البدء والتاريخ (5/53) وهو يجيب شبهات الملاحدة على الحج: “وأما رمي الجمار فلو رأينا رجلًا يرمي طيرًا يذبه عن شجرٍ أو يرمي شجرًا يستنزل به الثمر لما جاز لنا الحكم عليه بالجهل والسفه لما له من النفع العائد، وكذلك رمي الجمار قد رجا راميه الثواب العظيم لامتثاله ما مثل له واستنانه بمن كان قبله“.
أقول: كثير من اعتراضات الزنادقة على التشريعات وحديثهم عن (الفائدة) منها غفلةٌ عن أمر التعبد والتدين والمصلحة الدينية، بل عادتهم أنهم يوجِدون منظومة مصالح خاصة مبنية على الكفر بالله واليوم الآخر ثم يحاكِمون الدين إليها.
فعلى سبيل المثال هم لن يرضوا أن تحدثهم عن الفائدة الدينية والعقدية من سبي الكفار وهي تقريبهم للإسلام، فإنهم لا يعترفون بهذه الفائدة لاعتقادهم بطلان الدين، فإذا كنت تكفر بالأصل لماذا تناقش الفروع؟
وربما تأثَّر كثير من أهل الإيمان بنظرتهم وترتيبهم للمصالح وحاول أن يحاكيهم بقصد هدايتهم، ولا يتنبه لما في كلامهم من المغالطة (علمًا أن في الدين مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية عظيمة لا يأتي بها تشريع دنيوي).
ولكن هذه الدنيا ليست جنة، والمصالح تتعارض، فلو كلمت طبيبًا عن منع التدخين فإنه غالبًا سيرحب بذلك، وإن كلمت اقتصاديًّا ربما يرفض لأن منع الدخان قد ينفِّر السياح من البلد.
غير أن الطبيب الصحةُ عنده أهم شيء، والاقتصادي المالُ عنده أهم شيء.
ولا يفصل بين الناس إلا كتاب منزل.
ولو فرضنا أن نظامًا سياسيًّا معينًا ضاعف القوة الاقتصادية للبلاد ولكنه قضى على العفة وبثَّ الشهوات ثم تفرَّعت منها الشبهات، فإنَّ كل متدين سيستعيذ من فتنة هذا النظام ويراه شعبة من فتنة الدجال.
ولو أن طبيبًا طلب من شخص عنده محل أن يأخذ استراحةً خمس مرات في اليوم لأجل صحته فلن يعارِض كلام الطبيب بأنه سيخسر زبائن في هذا الوقت، فالصحة أهم من المال.
ولكن كثيرًا منهم إن حدثتَه عن إغلاق المحلات وقت الصلاة فإنه غالبًا سيتحدث عن أمر الرزق وما يفوته من الزبائن، ويغفَل عن أن ما يحصِّله من الثواب في الجماعة خير له من الصحة وخير له من المال، علمًا أنهم يتوقفون عن العمل في الأعياد الوطنية وغيرها أيامًا كاملة!