قال البخاري في صحيحه 5954 : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ وَمَا بِالْمَدِينَةِ
يَوْمَئِذٍ أَفْضَلُ مِنْهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا:
قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ
لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هَتَكَهُ وَقَالَ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ
بِخَلْقِ اللَّهِ قَالَتْ فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ
وقال البخاري في صحيحه 7559 : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا
ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا
ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً
أقول : قد قال الله عز وجل ( ألا له الخلق والأمر ) ففصل بين الخلق والأمر
الذي هو كلامه وليس من خلقه ، ولا شك أن كلام الله عز وجل أعظم من خلق الله عز وجل
، فإذا كانت هذه عقوبة من يضاهي خلق الله وهم المصورون ، فكيف بمن ضاهى بأمر الله عز
وجل ونهيه وأحدث في دينه وهم أهل البدع ؟
لا شك أن حاله أشنع
قال الشاطبي في الاعتصام (1/68) :” وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْمُبْتَدِعَ
قَدْ نَزَّلَ نَفْسَهُ مَنْزِلَةَ الْمُضَاهِي لِلشَّارِعِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ وَضَعَ
الشَّرَائِعَ وَأَلْزَمَ الْخَلْقَ الْجَرْيَ عَلَى سُنَنِهَا، وَصَارَ هُوَ الْمُنْفَرِدَ
بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ حَكَمَ بَيْنَ الْخَلْقِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ،
وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ التَّشْرِيعُ مِنْ مُدْرَكَاتِ الْخَلْقِ لَمْ تُنَزَّلِ الشَّرَائِعُ،
وَلَمْ يَبْقَ الْخِلَافُ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا احْتِيجَ إلى بعث الرسل عليهم السلام.
فهذا الَّذِي ابْتَدَعَ فِي دِينِ اللَّهِ قَدْ صيَّر نفسه نظيراً ومضاهياً،
حَيْثُ شرَّع مَعَ الشَّارِعِ، وَفَتَحَ لِلِاخْتِلَافِ بَابًا، وَرَدَّ قَصْدَ الشَّارِعِ
فِي الِانْفِرَادِ بِالتَّشْرِيعِ، وَكَفَى بذلك شراً “
وقال الله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ
وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ
اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ )
وهذه الآية تنطبق على أهل البدع من باب أولى.
قال ابن القيم في مدارج السالكين
(1/363 ) :” قال الله تعالى إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد
ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا
وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم وذنب المبتدع فوق ذنب الكاتم لأن ذاك
كتم الحق وهذا كتمه ودعا إلى خلافه فكل مبتدع كاتم ولا ينعكس “
ولهذا استجاز جمع من السلف لعن أهل البدع إذ لعن من هو دونهم
قال أحمد في مسنده 19415 : حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا الْحَشْرَجُ
بْنُ نُبَاتَةَ الْعَبْسِيُّ كُوفِيٌّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ قَالَ: أَتَيْتُ
عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى وَهُوَ مَحْجُوبُ الْبَصَرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ،
قَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ ؟ فَقُلْتُ: أَنَا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ
وَالِدُكَ ؟ قَالَ: قُلْتُ: قَتَلَتْهُ الْأَزَارِقَةُ
قَالَ: لَعَنَ اللهُ الْأَزَارِقَةَ،
لَعَنَ اللهُ الْأَزَارِقَةَ، حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
” أَنَّهُمْ كِلَابُ النَّارِ “، قَالَ: قُلْتُ: الْأَزَارِقَةُ وَحْدَهُمْ
أَمِ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا ؟ قَالَ: ” بَلِ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا ” .
قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّ السُّلْطَانَ
يَظْلِمُ النَّاسَ، وَيَفْعَلُ بِهِمْ، قَالَ: فَتَنَاوَلَ يَدِي فَغَمَزَهَا بِيَدِهِ
غَمْزَةً شَدِيدَةً ، ثُمَّ قَالَ: ” وَيْحَكَ يَا ابْنَ جُمْهَانَ عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ
الْأَعْظَمِ، عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ إِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَسْمَعُ
مِنْكَ، فَأْتِهِ فِي بَيْتِهِ، فَأَخْبِرْهُ بِمَا تَعْلَمُ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْكَ،
وَإِلَّا فَدَعْهُ، فَإِنَّكَ لَسْتَ بِأَعْلَمَ مِنْهُ “
قال عبد الله بن أحمد في السنة 757 – حدثني أبي ، نا بهز ، نا عكرمة بن
عمار ، قال : سمعت القاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله
يلعنان القدرية الذين يكذبون بقدر
الله عز وجل حتى يؤمنوا بخيره وشره .
وقال حرب الكرماني في مسائله (2/887) :” سألت إسحاق – يعني ابن راهوية
– عن لعن أهل البدع قال: يستوجبون اللعنة”
وفي ترجمة القادر بالله العباسي في سير أعلام النبلاء (15/135) يقول الذهبي
:” وَامتَثَل ابْنُ سُبُكْتِكِين أَمرَ القَادِر، فَبَثَّ السُّنَّة بِممَالِكه،
وَتهدَّد بِقَتْلِ الرَّافِضَة وَالإِسْمَاعِيْليَّة وَالقرَامطَة، وَالمشبِّهَة وَالجَهْمِيَّة
وَالمُعْتَزِلَة.
وَلُعنُوا عَلَى المنَابِرِ .
وَفِيْهَا: أَعنِي سنَة تِسْعٍ، قَدِمَ سُلْطَان الدَّوْلَةِ بَغْدَادَ
“
وقال ابن الجوزي في المنتظم (4/ 326) :” واستن بسننه في أعماله التي
استخلفه عليها من خراسان وغيرها في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية
والمشبهة، وصلبهم وحبسهم ونفاهم، وأمر بلعنهم على منابر المسلمين، وإيعاد كل طائفة
من أهل البدع وطردهم عن ديارهم، وصار ذلك سنة في الإسلام”
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم