هبك عفا عنك فأين الحياء منه ؟

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال ابن رجب كما في تفسيره المجموع (2/ 132) :” وجاء تصديقُ ذلكَ
في الأحاديثِ والآثارِ كما روى عبدُ اللَهِ بنُ الإمامِ أحمدَ في كتابِ “الزهدِ” بإسنادِهِ عن أبي هريرةَ – رضي الله
عنه – قال: 

“يُدْنِي اللَّه عزَّ وجلَّ العبدَ يومَ القيامةِ، فيضعُ عليه كنفَهُ،
فيسترُهُ من الخلائقِ كلها، ويدفعُ إليه كتابَهُ في ذلكَ السترِ، فيقول: اقرأْ يا ابنَ
آدمَ كتابَكَ، قال: فيمرّ بالحسنةِ، فيبيضُّ لها وجْهُه ويُسَرُّ بها قلبُهُ قال: فيقولُ
اللَهُ عزَ وجل: أتعرفُ يا عبدِي؟

فيقول: نعم، يا ربَ أعرفُ، فيقول: إني قد قبلتُها منك.

قال: فيخرُّ للَّه ساجدًا، قال: فيقول اللَّهُ عزَّ وجلَّ:

ارفع رأسَك يا ابنَ آدمَ وعُدْ في كتابِكَ، قال: فيمرُّ بالسيئةِ فيسودُ
لها وجْهُه، ويوجلُ منها قلبُه وترتعدُ منها فرائصُه، ويأخذه من الحياءِ من ربه ما
لا يعملُه غيرُهُ، قال: فيقول اللَّه عزَّ وجلَّ: أتعرفُ يا عبدِي؟

قال: فيقول: نعم، يا ربَ أعرفُ، قال: فيقول: إني قد غفرتُها لك؟

قال: فلا يزال حسنةٌ تُقبلُ فيسجدُ، وسيئةٌ تُغفرُ فيسجدُ، فلا

ترى الخلائقُ منه إلا السجودَ، قال: حتى تنادي الخلائقُ بعضها بعضًا:
طوبى

لهذا العبدِ الذي لم يعصِ اللَّهَ قط، ولا يدرونَ ما قد لقي فيما بينه
وبين اللَّهِ

عزَ وجلَ “.

ومما قدْ وقفه عليه ورُوي معنى ذلك عن أبي موسى، وعبدِ اللَّهِ بنِ
سلامٍ.

وغيرِهِما، ويشهدُ لهذا حديثُ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ الثابتُ في
“الصحيح “

– حديثُ النجوى – أن النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال:

“إذا كان يوم القيامةِ دعا اللَّهُ بعبدِهِ فيضعُ عليه كنَفَهَ
فيقولُ: ألم تعملْ يومَ كذا وكذا ذنبَ كذا وكذا؟

فيقولُ: بلى يا ربِّ، فيقول: فإني قد سترتُها عليك في الدنيا وغفرتُ
ذلك لك اليومَ “

وهذا كلُّه في حقِّ من يريدُ اللَّهُ أن يعفوَ عنه ويغفرَ له فما الظنُّ
بغيره؟

ولهذا في “مراسيل الحسنِ ” عن النبي – صلى الله عليه وسلم

قولِهِ تعالى: (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ
لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كبِيرَة إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا)
.

وقد نُقِلَ ذلك صريحًا عن غيرِ واحدٍ من السلفِ كالحسنِ البصريِّ وبلالِ
بنِ سعد – حكيم أهلِ الشامِ –

كما روى ابنُ أبي الدنيا، وابنُ المنادِي وغيرُهُما عن الحسنِ:

“أنه سُئل عن الرجلِ يذنبُ ثم يتوبُ هل يُمحى من صحيفتِهِ؟

قال: لا، دون أن يوقِفَهُ عليه ثم يسألُهُ عنه “

ثم في رواية ابنِ المنادِي وغير: “ثم بكى الحسنُ، وقال:

لو لم تبكِ الأحياءُ من ذلكَ المقامِ لكانَ يحقُّ لنا أن نبْكِي فنطيلَ
البكاءَ”.

وذكرَ ابنُ أبي الدنيا عنْ بعضِ السلفِ أنه قال:

“ما يمرُّ عليَّ أشدُ من الحياءِ من اللَّهِ عزَّ وجلَّ
“.

وفي الأثرِ المعروفِ الذي رواه أبو نُعيمٍ وغيرُهُ عن علقمةَ بنِ مرثدٍ:

“أنَّ الأسودَ بنَ يزيدَ لما احتُضِرَ بكى، فقيلَ له: ما هذا الجزعُ؟

قالَ: ما لي لا أجزعُ، ومن أحقُّ بذلكَ منَي.

واللَّهِ لو أُتيتُ بالمغفرةِ من اللَّهِ عزَّ وجلَّ، لهمَّني الحياءُ
منه

مما قدْ صنعتُه، إنَّ الرجلَ ليكونُ بينه وبين الرجلِ الذنبُ الصغيرُ

فيعفو عنه فلا يزالُ مستَحِيًا منه “.

ومن هذا قولُ الفضيلِ بنِ عياضٍ:

“بالموقفِ واسوءتاهُ منكَ وإنْ عفوتَ “.

المقصود هنا أن آلام الذنوبِ ومشاقَّها وشداتها التي تزيدُ على لذاتِها

أضعافًا مضاعفةً، لا يتخلفُ عن صاحِبها، لا مع توبة ولا عفوٍ، فكيفَ
إذا

لم يُوجدْ واحدٌ منهما”

قال ابن رجب كما في تفسيره المجموع (2/129) :” فلا يقاومُ اللذةَ
الحاصلةَ بالمعصيةِ ما في التوبةِ النصوح المشتملةِ

على النَّدمِ والحزنِ والخوفِ والبكاءِ وتجشم الأعمالِ الصالحةِ؛ من
الألم

والمشقةِ، ولهذا قال الحسنُ:

“تركُ الذنبِ أيسرُ من طلبِ التوبةِ”

ويكفي المذنبُ ما فاته في حالِ اشتغالِهِ بالذنوبِ من الأعمالِ الصالحةِ
الَّتي كانَ يمكنُه تحصيلَ الدرجاتِ بها”

قال ابن المبارك في الزهد 66 – أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن
محمد ، عن ابن عباس أنه قال له رجل : رجل قليل العمل قليل الذنوب أعجب إليك ، أو رجل
كثير العمل كثير الذنوب ؟ قال : « لا أعدل بالسلامة » . قال ابن صاعد : « يعني شيئا
»

وقال أيضاً 67 – أخبرنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عائشة قالت
: « من سره أن يسبق الدائب المجتهد فليكف نفسه عن الذنوب ؛ فإنكم لن تلقوا الله بشيء
خير لكم من قلة الذنوب »

والنخعي لم يسمع عائشة غير أنه رآها والخطب في مثل هذا هين

فأعد لذلك الموقف جواباً أخي المسلم فإنما أنت أيام كلما ذهب منها شيء
ذهب بعضك وذلك أمرٌ لا يتوقف ولا يمهلك حتى توافي أجلك كما وافاه من قبلك ، ولك في
نومك كل يوم موعظة فهذه الميتة الصغرى لا تسطيع دفعها عن نفسك وتغلبك وإن كنت شديداً
فما بالك بالميتة الكبرى التي لا تدري متى توافي فالبدار البدار

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم