نقض على العلمويين

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال الفيلسوف ابن مسكوية في كتابه الهوامل والشوامل : كالحال فِي الخُلْد فَإِنَّهُ لما فقد آلَة الْبَصَر، كَانَ أذكى شَيْء سمعا. وكالحال فِي النَّحْل فَإِنَّهُ لما ضعف بَصَره كَانَ أدهى من المبصرات شماً. وَأَنت تعرف ضعف بصر النَّحْل، والنمل وَالْجَرَاد، والزنابير، وَمَا أشبههَا من الْحَيَوَانَات الَّتِي لَا تطرف، وَلم تخلق لَهَا جفون، وعَلى أبصارها غشاء صلب حجري يدْفع عَنْهَا الْآفَات، بِمَا يعرض لَهَا فِي الْبيُوت الَّتِي لَهَا جامات الزّجاج فَإِن يظنّ أَن الجاه كوَّة نَافِذَة إِلَى الْهَوَاء فَلَا يزَال يصدمه إِرَادَة لِلْخُرُوجِ إِلَى أَن يهْلك.

أقول : هذا التفكر العجيب ذكرني بوجه من أعظم أوجه نقد نظرية التطور بصفتها العشوائية ، فإنه ما داعي ظهور العين أصلا مثلا أو الأسنان والكائنات التي بلا أعين ولا أسنان يمكنها البقاء والغذاء بلا حاجة لعين ولا سن وغاية ما يسمى الانتخاب الطبيعي التخير بين عين وعين أو سن وسن داخل نوع واحد أو جنس لا تفسير أصل الشيء فذلك عصي عليهم في سياقهم العشوائي

وقد وجدت له كلاما يصلح في نقض الاشتراكية ويبين حكمة الله في تفاضل الخلق

حيث قال : فَأَما قَوْلهم: لَا يزَال النَّاس بِخَبَر مَا تفاوتوا فَإِذا تساووا هَلَكُوا فَإِنَّهُم لم يذهبوا فِيهِ إِلَى التَّفَاوُت فِي الْعدْل الَّذِي يُسَاوِي بَينهم فِي التعايش وَإِنَّمَا ذَهَبُوا فِيهِ إِلَى الْأُمُور الَّتِي يتم بهَا التمدن والاجتماع. والتفاوت بالآحاد هَهُنَا هُوَ النظام للْكُلّ. وَقيل: إِن الْإِنْسَان مدنِي بالطبع فَإِذا تساوى النَّاس فِي الِاسْتِغْنَاء هَلَكت المدنية وَبَطل الِاجْتِمَاع. وَقد تبين أَن اخْتِلَاف النَّاس فِي الْأَعْمَال وانفراد كل وَاحِد مِنْهُم بِعَمَل هُوَ الَّذِي يحدث نظام الْكل وَيتم المدنية وَمِثَال ذَلِك الْكِتَابَة الَّتِي كليتها تتمّ باخْتلَاف الْحُرُوف فِي هيئاتها وأشكالها وأوضاع بَعْضهَا عِنْد بعض فَإِن هَذَا الِاخْتِلَاف هُوَ الَّذِي يقوم ذَات الْكِتَابَة الَّتِي هِيَ كُلية وَلَو اسْتَوَت الْحُرُوف لبطلت الْكِتَابَة.

وهذا تشبيه لطيف

وقد أحسن لما سئل عن بدايات عوائد الأمم من أين جاءت فقال : لعمري إِن الْعَادة من عَاد يعود فَأَما السُّؤَال عَن مبادىء الْعَادَات وَكَيف نزع النَّاس إِلَى أوائلها وَمَا كَانَت تِلْكَ الْأَوَائِل وَمن شبق إِلَيْهَا ورتبها لكل قوم فِي الزى فَأمر لَا أضمن لَك الْوَفَاء فِيهِ وَلَو ضمنه ضَامِن لي لما رغبت فِيهِ وَلَا عددته علما وَلَا كَانَ فِيهِ طائل.

لو كان للعلمويين مثل عقل هذا الرجل لارتحنا فإن العلم مبني على قوانين إنما تظهر بعد ظهور الأعيان بكمالها وتفاعلها مع بعضها البعض وبناء عليه فتطلب قوانين تشرح مباديء الأشياء مطلقا عبث وإرهاق للعقل وفلسفة هشة لا علاقة لها بنتاج العلم في مجاله الذي يُحسنه ( ما بعد ظهور العالم مكتملا ) وأقصى ما يصنع أن يأخذ بيدك عتبة ظهور العالم ثم يقف ليترك المجال للوحي ومباديء العقل