فقد أرسل بعض الأخوة مقطعاً لعدنان إبراهيم يتكلم فيه عن عثمان بن أبي شيبة وأنه شيخ البخاري وأنه كان يصحف في القرآن على جهة المزح فيتلاعب بالقرآن وأن البخاري كيف يخرج لرجل كهذا
والواقع أن هذه شبهة سطحية تشبه شبهة بعض المستشرقين على إسماعيل بن أبي أويس شيخ البخاري الذي لم يخرج من طريقه إلا أحاديث الموطأ المعروفة المنتشرة بين المحدثين
وسواءً كان عثمان بن أبي شيبة ثقة أو كذاباً أو مجروحاً فإن ذلك لا يضر كتاب البخاري في شيء
فإن قيل : كيف هذا ؟
قلت لك : أن عثمان بن أبي شيبة لم ينفرد بشيء من أحاديث الصحيح بل هو طبقة يصعب فيها الانفراد بأي خبر ، فكل الأحاديث التي في صحيح البخاري من طريق عثمان بن أبي شيبة قد توبع عليها وهي لا تبلغ السبعين حديثاً
وما لا يعلمه كثير من الجهلة أمثال عدنان إبراهيم أن مسألة عامة الأحاديث الصحيحة محسومة من قبل أن يولد البخاري بين أهل الحديث
قال ابن تيمية في منهاج السنة :” ولا يعلمون أن قولنا رواه البخاري ومسلم علامة لنا على ثبوت صحته لا أنه كان صحيحا بمجرد رواية البخاري ومسلم بل أحاديث البخاري ومسلم رواها غيرهما من العلماء والمحدثين من لا يحصي عدده إلا الله ولم ينفرد واحد منهما بحديث بل ما من حديث إلا وقد رواه قبل زمانه وفي زمانه وبعد زمانه طوائف ولو لم يخلق البخاري ومسلم لم ينقص من الدين شيء وكانت تلك الأحاديث موجوده بأسانيد يحصل بها المقصود وفوق المقصود وأنما قولنا رواه البخاري ومسلم كقولنا قراه القراء السبعة والقرآن منقول بالتواتر لم يختص هؤلاء السبعة بنقل شيء منه وكذلك التصحيح لم يقلد أئمة الحديث فيه البخاري ومسلما بل جمهور ما صححاه كان قبلهما عند أئمة الحديث صحيحا متلقى بالقبول “
وما ذكره ابن تيمية حقيقة يعلمها المتخصص إذ أن هناك سلاسل إسنادية اتفق المحدثون على تصحيح ما روي بها لما علموه من وثاقة رواتها وضبطهم
كروايات منصور عن أبي وائل عن ابن مسعود
وروايات الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود
وروايات هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
وروايات حماد عن ثابت عن أنس
وروايات الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة
وغيرها كثير من السلاسل المعروفة ، وحتى بعض السلاسل غير المشتهرة التي صححها الأئمة
وعامة ما خرجه البخاري في صحيحه من طريق عثمان بن أبي شيبة ، هو من حديث منصور والأعمش وهشام بن عروة وحديث هؤلاء الثلاثة معروف منتشر بين الناس حتى أنك تجد عامة هذه الأحاديث في صحيح البخاري نفسه من طريق غير طريق عثمان وفي صحيح مسلم كذلك وتجدها في مسند أحمد وفي مصنف أبي بكر بن أبي شيبة ( شقيق عثمان ) وغيرها من المصنفات
ولولا خشية الإطالة لذكرت روايات البخاري عن عثمان بن أبي شيبة رواية رواية وبينت من تابعه من الأئمة الأعلام غير أنني أكتفي بالتحدي بأن يأتي برواية واحدة انفرد بها عثمان فيكون لم يخرج له إلا ما أصاب به
ولا بد أن ننصف عثمان بن أبي شيبة وننظر هل كان يتعمد العبث بكتاب الله
الذي ذكره الخطيب والعسكري أنه كان يصحف والتصحيف إنما يكون بغير قصد لعدم حفظه القرآن
ولكن السؤال : هل صح عنه هذا التصحيف ؟
كان يجب على رجل يشكك بكل ما رواه الثقات في نزول المسيح وفي الدجال وفي النسخ وغيرها ، أن يتوقف عن رمي مسلم شهد له المحدثون في وقته بالاستقامة بتحريف القرآن قبل النظر في أسانيد الروايات التي تنسب له فقط التصحيف دون التعمد
قال الخطيب في الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع 642 – ما أنا محمد بن الحسن الأهوازي ، أنا أبو أحمد العسكري ، أنا أبو العباس بن عمار ، أنا ابن أبي سعد ، حدثني محمد بن يوسف ، قال : حدثني إسماعيل بن محمد السبري ، قال : سمعت عثمان بن أبي شيبة ، يقرأ : « فإن لم يصبها وابل فظل » ، قال : وقرأ : مرة « الخوارج مكلبين »
أبو العباس ابن عمار رجل شيعي محترق لم يوثقه أحد وهو من مؤرخيهم
• قال الدَّارَقُطْنِيّ: أبو العباس أحمد بن عبيد الله بن عمار، الكاتب، يروي عن عثمان بن أبي شيبة، وسليمان بن أبي شيخ، وغيرهما، وكان يعرف بحمار العزير، وكان شيعيًا، وله مصنفات في «مقاتل الطالبيين» ، وغير ذلك. «المؤتلف والمختلف» صفحة 1752.
فلا يستبعد والحال هذه أن يضع رواية على بعض محدثي أهل السنة لداعي الخصومة العقدية ، ولا أدري أين ذهب عقل عدنان إبراهيم غير أنني أعلم جيداً أنه شبه أمي في أمر الإسناد
وقال الخطيب في الجامع 643 – أنا أبو حامد الدلوي ، أنا علي بن عمر الحافظ ، نا القاضي أحمد بن كامل ، نا أبو شيخ الأصبهاني محمد بن الحسن ، قال : « قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة في التفسير : » وإذا بطاسيم بطاسيم خبازين ، يريد قوله تعالى : ( وإذا بطشتم بطشتم جبارين ) «
أحمد بن كامل القاضي لينه الدارقطني وزعم أنه يحدث من حفظه بما ليس في كتبه ، وهل يمكن الاعتماد على مثل هذا في الطعن في ثقة أثنى عليه أحمد وابن معين
على أن الخبر لو صح يحمل على التصحيف غير المتعمد
وقال الخطيب في الجامع 644 – وقال ابن كامل : نا أحمد بن علي الخلال ، قال : سمعت محمد بن عبيد الله المنادي ، يقول : « كنا في دهليز عثمان بن أبي شيبة ، فخرج إلينا فقال : ( ن والقلم ) في أي سورة هو »
وهذا فيه ابن كامل أيضاً وليس فيه ذكر أي تصحيف وسورة ن يعرفها الصغير والكبير فيستغرب من مثل هذا الرجل عدم حفظ اسم السورة ، ولعل هذه جرت منه على جهة الدعابة وليس فيها أي تصحيف في القرآن
وقال الخطيب في الجامع 646 – أنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد ، أنا أبو الحسن الدارقطني ، نا أبو القاسم علي بن محمد بن كاس النخعي القاضي ، نا إبراهيم بن عبد الله الخصاف ، قال : قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة في التفسير : « فلما جهزهم بجهازهم جعل السفينة في رجل أخيه » ، فقيل له : إنما ( جعل السقاية في رحل أخيه ) ، فقال : أنا وأخي أبو بكر لا نقرأ لعاصم «
الحصاف ما عرفته وابن كادش متهم بالكذب
وقال الخطيب أيضاً 647 – أنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ ، قال : سمعت عبد الله بن يحيى الطلحي ، يقول : سمعت محمد بن عبد الله الحضرمي ، يقول : قرأ عثمان بن أبي شيبة : فضرب بينهم بسنور له ناب ، فقال له بعض أصحابه : إنما هو ( بسور له باب ) فقال : « أنا لا أقرأ قراءة حمزة ، قراءة حمزة عندنا بدعة »
وشيخ أبي نعيم ما عرفته وهذا إن صح يحمل على تصحيف غير متعمد وخصوصاً وأن ظروف الكتابة في ذلك العصر مختلفة فالقراءة صعبة جداً والحروف يدخل بعضها على بعض وحصل من المحدثين تصحيف كثير بسبب ذلك يعرف بمقارنة الروايات ، والتصحيف في القرآن أقل بل شبه معدوم لأن القرآن يحفظه العام والخاص
وهذه التصحيفات فسرها الذهبي تفسيراً عجيباً اعتمده عدنان حيث قال :” فكأنه كان صاحب دعابة.
ولعله تاب وأناب”
فحذف عدنان ( كأنه ) لأنها تمريض وجزم أن عثمان بن أبي شيبة يفعل ذلك دعابة وتعمداً مع أن الذهبي لم يسبق إلى هذا التفسير ، بل كل من سبقه حمل الأمر على التصحيف غير المتعمد لكون الرجل لا يحفظ القرآن
فكيف يجوز له أن يتهم مسلماً بتعمد تحريف القرآن بلا أدنى بينة ، بل يعتمد على كلمة للذهبي حذف منها (كأنه )
والعجيب أنه يحيل على كتاب التصحيفات للدارقطني وهو كتاب مفقود !
وهذا من خنفشارياته وكذبه الفج
على أنه لا فضل له بهذه الشبهة وإنما سرقها من بعض الرافضة الذين أخذوها من المستشرقين
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم