فإن عدنان إبراهيم في خطبته ( هل خلقت حواء من ضلع آدم ) ؟
شن حملة على كل الصحابة والتابعين وأظهرهم بصورة البلهاء الذين تأثروا بأساطير بني إسرائيل بأن حواء خلقت من ضلع آدم
العجيب أنه لم يستطع نقل كلمة واحدة عن متقدم تخالف هذا ، كما أنه ليس كل شيء في كتب اليهود والنصارى مرفوض فإن فيها نبوة موسى وإبراهيم ويوسف وغيرهم وعبارات توحيدية وغير ذلك فوجود الشيء في كتب أهل الكتاب ثم لا نجد النبي صلى الله عليه وسلم ولا علماء المسلمين القدامى نقدوه فهذا يدل على أنه حقيقة وشيء لا ضير فيه
وهل ترك النبي صلى الله عليه وسلم كبار أصحابه لا يفهمون القرآن حتى احتاجوا أن يأخذوا بأساطير في تفسير قوله تعالى ( وخلق منها زوجها )
وهل الصحابة مغفلون إلى درجة أنهم يقبلون بأي شيء يلقى إليهم دون نقد ثم يذهبون يفشونه بين الناس
وهل هذا حال الأمة التي وصفها الله بقوله ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر )
ادعى عدنان أن عبد الله بن عباس كان كثير الأخذ عن بني إسرائيل
فنحن إذا قلنا أن الصحابة أخذوا عن بني إسرائيل وصاروا يحدثون عنهم بما لا أصل في شرعنا، جازمين به موهمين الناس أنه حق فقد نسبنا الصحابة إلى تضليل الأمة
وقد نبه على هذا القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات [1/ 222]:
فإن قيل: فقد قيل إن عبد الله بن عمرو وسقين يوم اليرموك، وكان فيها من كتب الأوائل مثل دانيال وغيره، فكانوا يقولون له إذا حدثهم: حَدَّثَنَا ما سمعت من رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا تحدثنا من وسقيك يوم اليرموك، فيحتمل أن يكون هَذَا القول من جملة تِلْكَ الكتب فلا يجب قبوله.
وكذلك كان وهب بن منبه يَقُول: إنما ضل من ضل بالتأويل، ويرون فِي كتب دانيال أنه لما علا إلى السماء السابعة فانتهوا إلى العرش رأى شخصا ذا وفرة فتأول أهل التشبيه عَلَى أن ذَلِكَ ربهم وإنما ذَلِكَ إبراهيم؟
قيل: هَذَا غلط لوجوه: أحدهما أنه لا يجوز أن يظن به ذَلِكَ لأن فيه إلباس فِي شرعنا، وهو أنه يروي لهم ما يظنوه شرعا لنا، ويكون شرعا لغيرنا، ويجب أن ننزه الصحابة عن ذَلِكَ. اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية [3/ 268]:
وهذا الأثر وإن كان في رواية كعب فيحتمل أن يكون من علوم أهل الكتاب ويحتمل أن يكون مما تلقاه عن الصحابة ورواية أهل الكتاب التي ليس عندنا شاهد هو لا دافعها لا يصدقها ولا يكذبها فهؤلاء الأئمة المذكورة في إسناده هم من أجل الأئمة وقد حدثوا به هم وغيرهم ولم ينكروا ما فيه من قوله: من ثقل الجبار فوقهن.
فلو كان هذا القول منكرًا في دين الإسلام عندهم لم يحدثوا به على هذا الوجه. اهـ
هذا قاله في رواية صريحة لكعب الأحبار
ثم إن جزم الصحابي بما يقول يؤكد أنه ليس إسرائيلية، لأن الاسرائيليات لا تصدق ولا تكذب، فكيف يجزم بما لا يصدق ولا يكذب
وقد نبه على هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية
كما في مجموع الفتاوى [13/ 345]:
وَمَا نُقِلَ فِي ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ نَقْلًا صَحِيحًا فَالنَّفْسُ إلَيْهِ أَسْكَنُ مِمَّا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ لِأَنَّ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ أَقْوَى؛ وَلِأَنَّ نَقْلَ الصَّحَابَةِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَقَلُّ مِنْ نَقْلِ التَّابِعِينَ وَمَعَ جَزْمِ الصَّاحِبِ فِيمَا يَقُولُهُ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَدْ نُهُوا عَنْ تَصْدِيقِهِمْ؟.اهـ
قال عبد الرزاق في تفسيره [2596]:
عَنْ إِسْرَائِيلُ , عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ:
أَرْبَعُ آيَاتٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَمْ أَدْرِ مَا هُنَّ حَتَّى سَأَلْتُ عَنْهُنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ:
قَوْمُ تُبَّعٍ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يُذْكَرْ تُبَّعٌ , قَالَ: إِنَّ تُبَّعًا كَانَ مَلِكًا وَكَانَ قَوْمُهُ كُهَّانًا , وَكَانَ فِي قَوْمِهِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَانَ الْكُهَّانُ يَبْغُونَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ , وَيَقْتُلُونَ تَابِعَتَهُمْ.
فَقَالَ أَصْحَابُ الْكِتَابِ لِتُبَّعٍ: إِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ عَلَيْنَا.
قَالَ: فَإِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَقَرِّبُوا قُرْبَانًا فَأَيُّكُمْ كَانَ أَفْضَلَ أَكَلَتِ النَّارُ قُرْبَانَهُ , قَالَ: فَقَرَّبَ أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْكُهَّانُ , فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَأَكَلَتْ قُرْبَانَ أَهْلِ الْكِتَابِ.
قَالَ: فَتَبِعَهُمْ تُبَّعٌ فَأَسْلَمَ , فَلِهَذَا ذَكَرَ اللَّهُ قَوْمَهُ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ.
وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} قَالَ: «شَيْطَانٌ أَخَذَ خَاتَمَ سُلَيْمَانَ الَّذِي فِيهِ مُلْكُهُ فَقَذَفَ بِهِ فِي الْبَحْرِ فَوَقَعَ فِي بَطْنِ سَمَكَةٍ , فَانْطَلَقَ سُلَيْمَانُ يَطُوفُ إِذْ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ بِتِلْكَ السَّمَكَةِ , فَاشْتَرَاهَا فَأَكَلَهَا , فَإِذَا فِيهَا خَاتَمُهُ فَرَجَعَ إِلَيْهِ مُلْكُهُ
فابن عباس هنا ينص أنه تعلم كل القرآن بعيداً عن كعب الأحبار ولم يسأله إلا عن أربع آيات وكلها كلام كعب فيها كان له ما يعضده من ظاهر القرآن ولا يوجد ما يعارضه
ظاهر هذا أن ابن عباس لم يتعلم من كعب إلا هذه الأمور الأربعة، وأما بقية الآيات فكان عنده علمٌ من قبل كعب الأحبار فتنبه لهذا فإنه مهم، ولم يذكر الآيتين الباقتين
وقد جاءت في خبر عكرمة
قال ابن أبي شيبة في المصنف [35253]:
حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَيْسَرَةَ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
قَالَ: سَأَلْتُ كَعْبًا: مَا سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى؟
فَقَالَ: سِدْرَةٌ يَنْتَهِي إِلَيْهَا عِلْمُ الْمَلاَئِكَةِ، وَعِنْدَهَا يَجِدُونَ أَمْرَ اللهِ لاَ يُجَاوِزُهَا عِلْمُهُمْ.
وَسَأَلْتُهُ عَنْ جَنَّةِ الْمَأْوَى؟
فَقَالَ: جَنَّةٌ فِيهَا طَيْرٌ خُضْرٌ، تَرْتَقِي فِيهَا أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ.
وقال أيضاً [32544]:
حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَيْسَرَةَ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
قَالَ: سَأَلْتُ كَعْبًا عَنْ رَفْعِ إدْرِيسَ مَكَانًا عَلِيًّا؟ وذكر خبراً
فهذا يدل على أن بقية القرآن كله علمه ابن عباس من الصحابة من أمثال عمر بن الخطاب الذي ذكر كما في صحيح البخاري أنه أخبره بشأن المرأتين اللتين تظاهرتا، وأبي بن كعب الذي روى عنه قصة موسى والخضر في الصحيح، وزيد بن ثابت الذي تتلمذ عليه طويلاً وغيرهم من الصحابة
فإذا تأرجح بين كونه مأخوذاً عن كعب أو غيره، كان الأصل أنه أخذه من غيره من الصحابة لأن هذا هو الأكثر الغالب، وإذا كان متعلقاً بأمر القرآن فالمتعين أنه أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة لأن مسائله عن كعب عدها لك عداً
ثم إن ابن عباس كان من أشد الناس احترازاً من أباطيل أهل الكتاب
قال البخاري في صحيحه [7363]: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ.
وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَغَيَّرُوهُ وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ وَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا.
أَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ.
فيقال كيف يسأل كعباً بعد هذا؟
فالجواب: أنه يتحدث عن أهل الكتاب الذين بقوا على كفرهم، وأما كعب فقد أسلم وعرف صدقه وأمانته، ومع ذلك كان رواياته خاضعة لنقد الصحابة، فلا تظن أنهم يحدثون عنه بشيء قد علموا بطلانه، أو لا يجزمون بصحته، وسؤال ابن عباس لا يعد إقراراً بالضرورة.
فخمس مسائل فقط من بين كل القرآن الذي فسره ابن عباس بما تعلمه من رسول الله وشيخه زيد بن ثابت وشيخه عمر بن الخطاب جعلها عدنان إبراهيم ( أخذ كثير عن بني إسرائيل ) تهويلاً
قال ابن تيمية _ رحمه الله _ في بيان تلبيس الجهمية (6/448_ 451) :” وأيضاً فعلم ذلك لا يؤخذ بالرأي ، وإنما يقال توقيفاً ، ولا يجوز أن يكون مستند ابن عباس أخبار أهل الكتاب ، الذي هو أحد الناهين لنا عن سؤالهم ، ومع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تصديقهم ، أو تكذيبهم .
فعلم أن ابن عباس إنما قاله توقيفاً من النبي صلى الله عليه وسلم
ففي صحيح عن البخاري عن ابن شهاب عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ بِاللَّهِ تَقْرَءُونَهُ لَمْ يُشَبْ وَقَدْ حَدَّثَكُمْ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ فَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ {لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} أَفَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ وَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا { آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا } الْآيَةَ
فمعلوم مع هذا أن ابن عباس لا يكون مستنداً فيما يذكره من صفات الرب أنه يأخذ عن أهل الكتاب ، فلم يبق إلا أن يكون أخذ من الصحابة الذين أخذوا من النبي صلى الله عليه وسلم “
وقد ادعى عدنان أن روايات السلف منسوخة طبق الأصل عن روايات التوراة وهذا كذب فهناك تقاطع نعم ولكن روايات السلف فيها فائدة زائدة
قال ابن أبي حاتم في تفسيره 4719 – حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ حَمْزَةَ، ثنا شَبَابَةُ، ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ
قَوْلَهُ: وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا قَالَ: حَوَّاءُ مِنْ قَصِيرِ آدَمَ وَهُوَ نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: أَثَّا، بِالنَّبَطِيَّةِ، أَيِ امْرَأَةٌ
وفي رواية ذكر الضلع الأيسر ، وهذا لا وجود له في التوراة ذكر القصير أو الضلع الأيسر
وفي التوراة أن الذي سمى حواء امرأة هو الله وهنا هو آدم
وقد هاجم عدنان أبا هريرة كعادته وأورد ما حجة عليه
فذكر ما روى مسلم في التمييز 10- حَدَّثَنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، حَدَّثَنا مروان الدمشقي ، عن الليث بن سعد ، حدثني بكير بن الأشج ، قال : قال لنا بسر بن سعيد : اتقوا الله وتحفظوا من الحديث ، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدثنا عن كعب ، ثم يقوم ، فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كعب ، وحديث كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذه الرواية ظاهرها أن الذي يفعل ذلك بعض الرواة وليس حفاظهم ومتقنيهم بدليل قول بسر بن سعيد ( بعض من كان معنا ) وبسر نفسه ضابط بدليل أنه استطاع التمييز
فلنأتي لحديث ( خلقت من ضلع ) ونرى من الذي رواه عن أبي هريرة
رواه عن أبي هريرة كل من
1_ الأعرج
وقد قيل أصح أسانيد أبي هريرة أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
2_ أبو حازم الأشجعي
3_ سعيد بن المسيب
رواه بلفظة ( كالضلع )
وأحاديثهم في الصحيحين وغيرها
وهناك غيرهم ولكنني أكتفي بهؤلاء فهل يعقل أن هؤلاء كلهم غلطوا وحولوا حديث كعب حديثاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ولماذا لا نجد أي رواية تحيل هذا اللفظ إلى كعب ، بل ظاهره واضح أنه كلام النبي صلى الله عليه وسلم لأن فيه توجيهاً سلوكياً في التعامل مع المرأة وهذا من وظائف النبي صلىالله عليه وسلم
ولا فرق في المعنى بين رواية ( من ضلع ) و ( كالضلع ) فإن الشيء يميل إلى أصله في الخلق
فكيف إذا علمت أن لهذا الخبر شواهد وإن كانت ضعيفة إلا أنه تقوي المعنى بالجملة
قال ابن أبي شيبة في المصنف 19615- حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ قَالَ : حدَّثَنَا عَوْفٌ , عَنْ رَجُلٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ : سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : إنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِن ضِلَعٍ , وَإِنَّك إِنْ تُرِدْ إقَامَةَ الضِّلْعِ تَكْسِرْه , فَدَارِهَا تَعِشْ بِهَا , فَدَارِهَا تَعِشْ بِهَا.
وقال النسائي في عشرة النساء 256-7910-أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ قَعْنَبٍ ، أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – : ” إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقَوِّمُهَا تَكْسِرْهَا وَإِنْ تَدَعْهَا ، فَإِنَّ فِيهَا أَمَدًا وَبُلْغَةً “
نعيم بن قعنب مختلف في صحبته وهو تابعي كبير محضرم ذكر لأبي ذر أنه وأد ابنته في الجاهلية وهذا يحسن الظن بروايته
فهل الرواة عن أبي ذر وعن سمرة ذكروا النبي صلى الله عليه وسلم بدلاً من كعب هم أيضاً ؟!
وقال ابن أبي شيبة في المصنف 19618- حَدَّثَنَا عَبِيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ , عَنْ رُكَيْنٍ , عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ : قدِمَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَلَى عُمَرَ فَشَكَا إلَيْهِ مَا يَلْقَى مِنَ النِّسَاءِ مِنْ سُوءِ أَخْلاَقِهِنَّ ، قَالَ : فَقَالَ عُمَرُ : إنِّي أَلْقَى مِثْلَ مَا تَلْقَى مِنْهُنَّ ، إنِّي لأَتِي قَالَ : السُّوقَ أَوِ النَّاسَ , أَشْتَرِي مِنْهُمَ الدَّابَّةَ ، أَوِ الثَّوْبَ فَتَقُولُ الْمَرْأْةُ : إنَّمَا انْطَلَقَ يَنْظُرُ إلَى فَتَاتِهِمْ ، أَوْ يَخْطُبُ إلَيْهِمْ ، قَالَ : فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ : أَوَمَا تَعْلَمُ ما شَكَا إبْرَاهِيمُ مِنْ دَرْءٍ فِي خُلُقِ سَارَةَ , فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ : إنَّمَا هِيَ مِن ضِلَعٍ فَخُذَ الضِّلْعَ فَأَقِمْهُ , فَإِنَ اسْتَقَامَ وَإِلاَّ فَالْبَسْهَا عَلَى مَا فِيهَا.
وهذا رجاله ثقات غير أن نعيماً لم يدرك عمر وابن مسعود والخطب في هذا يسير
ثم إن الخبر له شاهد
قال ابن أبي شيبة في المصنف 19616- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ , عَنْ أَبِي طَلْقٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَوْسِ بْنِ ثُرَيْبٍ قَالَ : أَكْرَيْتُ الْحُجَّاجَ , فَدَخَلْت الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ , فَإِذَا عُمَرُ وَجَرِيرٌ ، قَالَ : فَقَالَ عُمَرُ لِجَرِيرٍ : يَا أَبَا عمْرٍو كَيْفَ تَصْنَعُ مَعَ نِسَائِكَ ؟ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إنِّي أَلْقَى مِنْهُنَّ شِدَّةً ، مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدْخُلَ بَيْتَ إحْدَاهُنَّ فِي غَيْرِ يَوْمِهَا , وَلاَ أُقَبِّلُ ابْنَ إحْدَاهُنَّ فِي غَيْرِ يَوْم أُمِّهِ إلاَّ غَضِبْنَ : قَالَ : فَقَالَ عُمَرُ : إنَّ كَثِيرًا مِنْهُنَّ لاَ يُؤْمِنَّ بِاَللَّهِ وَلاَ يُؤْمِنَّ لِلْمُؤْمِنِينَ ، لَعَلَّكَ أَنْ تَكُونَ فِي حَاجَةِ إحْدَاهُنَّ فَتَتَّهِمُك ، قَالَ : فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ , وَهُوَ فِي الْقَوْمِ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ إبْرَاهِيمَ شَكَا إلَى الله دَرْءًا فِي خُلُقِ سَارَةَ قَالَ : فَقِيلَ لَهُ : إنَّ الْمَرْأَةَ مِثْلُ الضِّلَعِ إِنْ أَقَمْتهَا كَسَرْتهَا , وَإِنْ تَرَكْتهَا اعْوَجَّتْ , فَالْبَسْ أَهْلَك عَلَى مَا فِيهِمْ ، قَالَ : فَقَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ اللهِ : إنَّ فِي قَلْبِكَ مِنَ الْعِلْمِ غَيْرَ قَلِيلٍ , قَالَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، زَادَ فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابَهِ , أَظُنُّهُ سُفْيَانَ : مَا لَمْ يَرَ عَلَيْهَا خَرَبة فِي دِينِهَا.
وقال ابن أبي شيبة في المصنف 19614- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ : حدَّثَنَا مِسْعَرٌ , عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ : اشْتَكَى إبْرَاهِيمُ إلَى رَبِّهِ دَرْءًا فِي خُلُقِ سَارَةَ , فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ إِنَّ الْمَرْأَةَ كَالضِّلَعِ , فَإِنْ قَوَّمْتهَا كَسَرْتهَا , وَإِنْ تَرَكْتهَا اعْوَجَّتْ , فَالْبَسْ عَلَى مَا كَانَ فِيهَا.
وهذا إسناد صحيح وأبو البختري تابعي كوفي وليس له أي رواية عن أبي هريرة
ثم إن رواية بسر بن سعيد اليت يعتمدونها واضح أنها تتكلم عن حادثة عين واحدة وليست متكررة وذلك أن بسر بن سعيد ليس من المكثرين عن أبي هريرة وقد شهد ابن سيرين وهو مكثر عن أبي هريرة أنه لم يكن يحدثهم إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الطحاوي في شرح معاني الآثار 53 – وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ , قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا حَدَّثَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقِيلَ لَهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: «كُلُّ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَإِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ يُحَدِّثُهُمْ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وهذا إسناد صحيح لابن سيرين وهو من المكثرين عن أبي هريرة
وقد احتج عدنان تبعاً لأبي رية بما روى البيهقي في المدخل من طريق عمران القطان عن بكر عن أبي رافع أن أبا هريرة لقي كعباً فجعل يحدثه ويسأله، فقال لكعب: ما رأيت رجلاً لم يقرأ التوراة أعلم بما في التوراة من أبي هريرة.
وأبو هريرة نفسه راوي حديث لا تصدقوهم ولا تكذبوهم
وقد علق المعلمي في الأنوار الكاشفة على هذا بقوله :” وعمران القطان ضعيف ولا يتحقق سماعه من بكر، وفي القرآن والسنة قصص كثيرة مذكورة في التوراة الموجودة بأيدي أهل الكتاب الآن، فإذا تتبعها أبو هريرة وصار يذكرها لكعب كان ذلك كافياً لأن يقول كعب تلك الكلمة، ففيم التهويل الفارغ؟”
بل يقال هذا ظاهر الرواية فلو كان كعب هو مصدر هذه الأخبار لما تعجب ولما كان لذكر أبي هريرة لها لكعب معنى ثم إن كعباً شهد أنه أبا هريرة لم يقرأ التوراة فلم يبق سوى الاستفادة من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك والذي كان من آياته أنه أعلم بالتوراة ممن عكفوا سنين على دراستها وهو أمي لا يقرأ العربية فضلاً عن العبرانية
وظاهر القرآن يؤيد هذه الروايات فالله عز وجل يقول ( وخلق منها زوجها )
ويقول ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ) فدل على خصوصية آدم في الابتداء بالخلق
وهذا قياس أولى فإذا كنا خلقنا آدم من غير أم وأب فعيسى من باب أولى ولو كانت حواء كآدم في هذا لذكرها
قال الماوردي في أعلام النبوة :” والثاني: أنه سمي بذلك لاشتقاقه من الأدمة وهي السمرة فلما تكامل خلق آدم استوحش فخلق له حوّاء واختلف فيما خلقت منه على قولين:
أحدهما: أنه خلقها من مثل ما خلق منه آدم وهذا قول تفرد به ابن بحر «9» .
والقول الثاني: وهو ما عليه الجمهور أنه خلقها من ضلع آدم الأيسر بعد أن ألقى عليه النوم حتى لم يجد لها مسا”
وابن بحر هذا معتزلي أصبهاني !
بل هذا القول هو ظاهر القرآن !
قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
وقد اتفق المفسرون أن النفس الواحدة هي آدم
قال الطبري في تفسيره 8403 – حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:”وخلق منها زوجها”، قال: حواء، من قُصَيري آدم وهو نائم، (2) فاستيقظ فقال:”أثا”= بالنبطية، امرأة.
8404 – حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
8405 – حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:”وخلق منها زوجها”، يعني حواء، خلقت من آدم، من ضِلَع من أضلاعه.
8406 – حدثني موسى بن هارون قال، أخبرنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: أسكن آدمَ الجنة، فكان يمشي فيها وَحْشًا ليس له زوج يسكن إليها. (3) فنام نومةً، فاستيقظ، فإذا عند رأسه امرأة قاعدة، خلقها
الله من ضلعه، فسألها ما أنت؟ قالت: امرأة. قال: ولم خلقت؟ قالت: لتسكن إليّ.
وقال الطبري في تفسيره 15499 – حدثني بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة. (وحمل منها زوجها) ،: حواء، فجعلت من ضلع من أضلاعه، ليسكن إليها.
فهذا قول أعيان مفسري التابعين ولم يخالفهم أحد البتة وروي هذا القول عن الصحابة ابن مسعود وابن عباس في تفسير السدي
وقال الزمخشري المعتزلي في الكشاف :” فإن قلت: علام عطف قوله وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أن يعطف على محذوف، كأنه قيل: من نفس واحدة أنشأها أو ابتدأها، وخلق منها زوجها.
وإنما حذف لدلالة المعنى عليه. والمعنى: شعبكم من نفس واحدة هذه صفتها، وهي أنه أنشأها من تراب وخلق زوجها حواء من ضلع من أضلاعها وَبَثَّ مِنْهُما نوعي جنس الإنس وهما الذكور والإناث”
ولو كانت حواء خلقت خلقاً مستقلاً لما صح أن يقال أننا خلقنا من نفس واحدة بل نصير مخلوقين من نفسين اثنين متكافئتين من كل وجه
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم