نقض شبهة سبايا أوطاس …

في

,

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد بلغني عن رجل أنه ارتد لأجل قصة سبي
أوطاس وهي أن الصحابة سبوا نساءً كان لهن أزواج من المشركين ويبدو أنهم هربوا أو قتلوا
فتحرج الصحابة من وطئهن فأنزل الله آية في إباحة ذلك إذا انقضت العدة

فقال : كيف يكون هذا ؟

ولنعرض للرواية أولاً ونشرح سبب تحرج
الصحابة وكون هذا الحكم من دلائل النبوة لأنه حكم أخلاقي محض

قال أبو داود في سننه 2155 – حدَّثنا
عُبيد الله بن عمر بن مَيْسَرَةَ، حدَّثنا يزيدُ بنُ زُرَيع، حدَّثنا سعيدٌ، عن قتادةَ،
عن صالح أبي الخليل، عن أبي علقمةَ الهاشِميِّ

عن أبي سعيدِ الخدري: أن رسولَ الله
– صلَّى الله عليه وسلم – بَعَثَ يومَ حُنَيْنٍ بَعْثاً إلى أوطاسٍ، فلقُوا عَدُوَّهم،
فقاتلوهم، فظَهروا عليهم، وأصابُوا لهم سبايا، فكأن أُناساً مِنْ أصحابِ رسولِ الله
– صلَّى الله عليه وسلم – تحرَّجُوا مِن غشيانهنَّ، من أجلِ أزواجهِنَّ مِن المشركين،
فأنزل الله تعالى في ذلك: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}
[النساء: 24] أي: فَهُن لهم حلالٌ إذا انْقَضَتْ عِدَّتُهُن.

أقول : سبب تحرج الصحابة وليست أول مرة
يسبون هو كون هؤلاء السبايا لهن أزواج في قومهن وهذا معناه أن أرحامهن أن تكون مشغولة
بولد فوطئهن يؤدي إلى اختلاط أنساب

فأنزل الله أنه لا توطأ حتى تستبرأ بحيضة
وأما الحامل فلا يجوز وطئها إلا إذا وضعت حملها

وهذا الحكم الأخلاقي لم يكن يفعله المشركون
مع المسلمين ولا يوجد في أي شريعة من الشرائع هذه المراعاة لعدم اختلاط الأنساب مع
كون السبي كان منتشراً آنذاك

والروايات الأخرى تشرح هذا المعنى

قال أبو داود في سننه 2156 – حدَّثنا
النُّفيليُّ، حدَّثنا مسكين، حدَّثنا شعبةُ، عن يزيدَ بن خُمير، عن عبد الرحمن بن جبير
بن نُفير، عن أبيه عن أبي الدَّرداء: أن رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلم – كان في
غزوةٍ فرأى امرأةً مجِحّاً فقال: “لعل صاحبَها ألمَّ بها” قالوا: نَعم، فقال:
“لقد هَمَمْتُ أن ألعنَه لعنةً تَدْخُلُ مَعهُ في قبرِه، كيف يُوَرِّثُه وهو لا
يَحِلُّ له؟ وكيفَ يستخدِمُه وهو لا يَحِلُّ له؟

يعني حاملاً

وقال أيضاً 2157 – حدَّثنا عمرو بن عون،
أخبرنا شريكٌ، عن قيس بن وهب، عن أبي الودَّاك عن أبي سعيدٍ الخدري – ورفعَه – أنَه
قال في سَبايا أوطاس: “لا تَوطَأ حَامِلٌ حتى تَضَعَ، ولا غيرُ ذاتِ حَملٍ حتَّى
تحيضَ حَيْضةً”

وهذا الحكم متفق عليه بين الفقهاء

وليعلم أن اتفاق المتقدمين منعقد على
عدم جواز وطء الوثنيات بملك اليمين

قال ابن قدامة في المغني :” الْفَصْلُ
الثَّانِي: أَنَّ مَنْ حُرِّمَ نِكَاحُ حَرَائِرِهِمْ مِنْ الْمَجُوسِيَّات، وَسَائِرِ
الْكَوَافِرِ سِوَى أَهْلِ الْكِتَابِ، لَا يُبَاحُ وَطْءُ الْإِمَاءِ مِنْهُنَّ بِمِلْكِ
الْيَمِينِ. فِي قَوْل أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ؛ مُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ،
وَالزُّهْرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو
حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: عَلَى هَذَا
جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَمَا خَالَفَهُ فَشُذُوذٌ
لَا يُعَدُّ خِلَافًا”

وهذا الاتفاق بين فقهاء التابعين ومن
بعدهم يدل على أنه تلقوه من الصحابة ، وهذا الواقع العملي أقوى من مجرد الروايات الآحادية
والتي لا تعارض هذا صراحة

والآن نفهم خبر سبايا أوطاس فإنهن إنما
حللن للمسلمين لأنهن أسلمن بعد أسرهن وقبلها لا يحللن وهذا ما مال إليه أحمد

وسبي أوطاس قال ابن تيمية أنه من سبي
هوازن والمشهور أنهم أعيدوا للمشركين بعدما أسلم المشركون

قال بعض الشافعية : اعلم أن مذهب الشافعي
ومن قال بقوله من العلماء أن المسبية من عبدة الأوثان وغيرهم من الكفار الذين لا كتاب
لهم لا يحل وطؤها بملك اليمين حتى تسلم، فما دامت على دينها فهي محرمة، وهؤلاء المسبيات
كن من مشركي العرب عبدة الأوثان، فيؤول هذا الحديث وشبهه على أنهن أسلمن، وهذا التأويل
لا بد منه

وهذا مذهب كل الناس وليس الشافعي وحده
بل كل الناس حتى ابن حزم المشهور بشذوذه

قال ابن حزم في المحلى :” في الخبر
الوارد من طريق أبى سعيد الخدرى إذ

أصابوا سبايا أوطاس فتحرجوا من غشيانهن
فأنزل الله عزوجل: (والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم) فهن لكم حلال إذا انقضت
عدتهن وبينا انهن بيقين متفق عليه وثنيات من سبايا هوازن ووطؤهن لا يحل للمسلمين حتى
يسلمن بلا خلاف مناومن الحاضرين من المخالفين وبنص تحريم المشركات حتى يؤمن، فصح أن
مراد الله تعالى بذلك إذا اسلمن”

وكذا كل أهل المذاهب قالوا هذا

والآن يقال لطارح الشبهة :

إن كنت ملحداً تؤمن بالنسبية الأخلاقية
فهذا أمر متعارف عليه في ذلك الزمان وكان المشركون يفعلونه بنساء المسلمين أشد مما
يفعل المسلمون وبدون استبراء ولو فرضنا أن هذا ظلم فما الذي يجعلنا نتحدث عن الأخلاق
في سياق إلحادي وما نحن إلا حيوانات متطورة فهذا يكون كافتراس أسد لغزال ، أمر ضروري
لاستمرار الطبيعة ، وإذا كان لا توجد آخرة فلماذا يخاف القوي من سحق الضعيف وإفراغ
شهوته وما يريد

وأما إن كان طارحها نصراني فيقال اقرأ
في سفر القضاة إباحة الخطف والسبي لسبط بنيامين ولا ذكر للاستبراء

ويقال للمسلمين اعلم رحمك الله

أن العلماء اتفقوا أن المرأة إذا بان
إسلامها قبل السبي لم يجز سبيها ، وأن هذا فقط يفعل في أهل الكتاب _ وهذه شريعتهم أصلاً
_ وهم مخيرون بين الجزية والإسلام وكتبهم تأمرهم بأداء الجزية

واعلم أنه لا يجوز ضرب الرقيق على وجهه
وأن في السبي فوائد عظيمة أهمها صيانة المرأة من أن تكون كلأ مباحاً بعد هزيمة قومها
أو تترك هكذا بلا رجل يصونها ويعولها ولكن في الوقت نفسه لا تجعل كالمسلمات وقد فضلت
الكفر فإن أسلمت صار عتقها قربة من أعظم القرب بل يستحب أن يعتقها ويتزوجها وهناك تفصيلات
أخرى وأحكام جليلة في المسألة كتب فيها كثيرون والمقصود التنبيه

وطارح الشبهة متناقض إذ يؤمن بهذا
الحديث وهو رواية واحد عن واحد عن واحد ويجحد آيات النبي صلى الله عليه وسلم
المتواترة وشمائله فسبحان الله

والعجيب أنهم يصورون للسبايا صورة
السبايا أنفسهن أو أنفسهم لم يكونوا يصورونها بل كثير منهم كانوا يسلمون ويحبون
الإسلام وأهله

هذا وصل اللهم على محمد
وعلى آله وصحبه وسلم