نقض شبهة أشعرية جهمية في إنكار صفة اليد

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال الله تعالى : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ
أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ
يَشَاءُ)

وأربى الجهمية على اليهود فقالوا ليس لله يد أصلاً

قال الله تعالى : ( قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا
خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ)

فخص الله عز وجل آدم بخلقه بيده وأما الجهمية الأشعرية فتأولوه بأنه خلقه
بقدرته فلم يعد هناك لآدم فضل على إبليس فكلهم خلقوا بقدرة الله عز وجل !

والنصوص في الكتاب والسنة وآثار السلف متواترة معنوياً في إثبات صفة اليد
وقد جمع الذهبي حظاً وافراً من ذلك في جزئه ( إثبات صفة اليد )

وقد تشبث الجهمية بشبهات هي أوهن من بيت العنكبوت إذا رآها العاقل تأكد
له أنهم أصحاب الأهواء

إذ يتركون الواضحات المحكمات ويتتبعون المشتبهات وهذا صنيع أهل الزيغ الذين
حذرناهم رب العالمين في كتابه العزيز

فمن ذلك تشبثهم بقوله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ
أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ
مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيد)

وقوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ
رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) ونظائرها في القرآن

قالوا : فالعذاب والرحمة ليس لها يدان حقيقيتان

والجواب على هذا الخطل من وجوه

أولها : أن القوم هربوا من تشبيه الله عز وجل بالأجسام ( زعموا ) فشبهوه
بالمعاني ( الرحمة ) و ( العذاب ) فلا ينفك عنهم ما هربوا منه

ثانيها : أن اليدين إذا أضيفتا إلى قائم بذاته فلا تحتمل إلا اليدين الحقيقيتين
وأما المعاني ك( الرحمة ) و ( العذاب ) فليس من هذا الباب ، والله عز وجل قيوم قائم
بنفسه مقيم لغيره سبحانه فلا يحتمل إلا معنى اليد الحقيقية

ثالثها : ذكر ( اليدين ) مع ظرف المكان ( بين ) وحرف الجر ( من ) معروف
ظاهر لغة العرب أنه يعني من ( أمام ) وذكر اليدين مع ذكر البسط والقبض وذكر الكف وذكر
التخليق معلوم في لغة العرب أنه لا يدل إلا على اليدين الحقيقيتين

فلا يجوز أن يقال ( يدي العذاب فعلتا كذا ) و ( يدي الرحمة قامتا بكذا
)

قال الدارمي في الرد على المريسي ص230 :” فَيَسْتَحِيلُ فِي كَلَامِ
الْعَرَبِ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ لَيْسَ بِذِي يَدَيْنِ، أَوْ لَمْ يَكُ قَطُّ ذَا يَدَيْنِ:
إِنَّ كُفْرَهُ وَعَمَلَهُ بِمَا كَسَبَتْ يَدَاهُ.

وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: بِيَدِ فُلَانٍ أَمْرِي وَمَالِي، وَبِيَدِهِ
الطَّلَاقُ وَالْعِتَاقُ وَالْأَمْرُ، وَمَا أَشْبَهَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ
الْأَشْيَاءُ مَوْضُوعَةً فِي كَفِّهِ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمُضَافُ إِلَى يَدِهِ
مِنْ ذَوِي الْأَيْدِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُضَافُ إِلَى يَدِهِ مِنْ ذَوِي الْأَيْدِي
يَسْتَحِيلُ أَنْ يُقَالَ: بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ.

 وَقَدْ يُقَالُ: بَيْنَ يَدَيِ
السَّاعَةِ كَذَا وَكَذَا، وَكَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ
شَدِيدٍ} وَكَقَوْلِهِ: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا}
، وَكَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} فَيَجُوزُ أَنْ
يُقَالَ: بَيْنَ يَدَيْ كَذَا وَكَذَا وَكَذَالِمَا هُوَ مِنْ ذَوِي الْأَيْدِي وَمن
لَيْسَ من ذَوي الْأَيْدِي.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: بِيَدِهِ إِلَّا لِمَنْ هُوَ مِنْ ذَوِي الْأَيْدِي؛
لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ بِيَدِ السَّاعَةِ كَذَا وَكَذَا كَمَا قُلْتَ: بَيْنَ يَدَيْهَا،
اسْتَحَالَ، وَبِيَدِ  الْعَذَابِ كذ وَكَذَا،
وَبِيَدِ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ كَذَا وَكَذَا،
أَوْ بِيَدِ الْقَرْيَةِ الَّتِي جَعَلَهَا نَكَالًا كَذَا وَكَذَا اسْتَحَالَ ذَلِكَ
كُلُّهُ.

 وَلَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يُقَالَ:
بَيْنَ يَدَيْكَ؛ لِأَنَّكَ تَعْنِي أَمَامه وقدامه وَبَيْنَ يَدَيْهِ. فَلِذَلِكَ
 يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلْأَقْطَعِ إِذَا كَفَرَ
بِلِسَانِهِ: إِنَّهُ بِمَا كَسَبَتْ يَدَاهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ ذَوِي الْأَيْدِي
قُطِعَتَا أَوْ كَانَتَا مَعَهُ.

وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُقَالَ: بِمَا كَسَبَتْ يَدُ السَّاعَةِ وَيَدُ الْعَذَابِ،
وَيَدُ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَال: بيد شَيْءٌإِلَّا وَذَلِكَ الشَّيْءُ مَعْقُولٌ
فِي الْقُلُوبِ أَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَيْدِي، وَأَنْتَ أَوَّلُ مَا نَفَيْتَ عَنِ
اللَّهِ يَدَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِذِي يَدَيْنِ”

وقال الدارمي في الرد على الجهمية :” وقال الله تبارك وتعالى : (
بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) . و ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) . و ( بيدك
الخير إنك على كل شيء قدير ) . وقال : ( يد الله فوق أيديهم ) . قال هؤلاء : ليس لله
يد ، وما خلق آدم بيديه ، إنما يداه نعمتاه ورزقاه . فادعوا في يدي الله أوحش مما ادعته
اليهود ( قالت اليهود يد الله مغلولة ) ، وقالت الجهمية : يد الله مخلوقة ، لأن النعم
والأرزاق مخلوقة لا شك فيها ، وذاك محال في كلام العرب فضلا أن يكون كفرا ؛ لأنه يستحيل
أن يقال : خلق آدم بنعمته ، ويستحيل أن يقال : في قول الله تبارك وتعالى : ( بيدك الخير
) : بنعمتك الخير ؛ لأن الخير نفسه هو النعم نفسها ، ومستحيل أن يقال في قول الله عز
وجل : ( يد الله فوق أيديهم ) : نعمة الله فوق أيديهم ، وإنما ذكرنا هاهنا اليد مع
ذكر الأيدي في المبايعة بالأيدي ، فقال : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد
الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ) . ويستحيل أن يقال : ( يداه مبسوطتان
) : نعمتاه ، فكأن ليس له إلا نعمتان مبسوطتان ، لا تحصى نعمه ، ولا تستدرك “

وقد جمع الحافظ ابن مندة في كتابه الرد على الجهمية الأحاديث الواردة في
صفة اليدين وذكر القبض والبسط والأصابع والكف وغيرها مما يؤمن به أهل السنة ويكابره
الجهمية

وداعي التنبيه على هذه الشبهة الباردة أن علي الطنطاوي الشامي عول عليها
في كتابه تعريف عام بدين الإسلام والكتاب منشور على الشبكة لذا وجب التنبيه

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم