في هذا الزمان الذي فشا فيه تقديس الإنسان ظهرت ظاهرة المبالغة في الاعتذار للكافر وإساءة الظن بالبيِّنات من عقلٍ وفطرةٍ ونص.
ولهذا كثير من الناس ينظرون لأهل الضلال بأنهم ضحايا، ثم يتساءلون تساؤلات تتعلق بمصيرهم الأخروي كأنها طعن في العدل الإلهي.
وقد قال النبي ﷺ للخارجي: «ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل».
فكيف يأتي إنسان يتشكك في العدل الإلهي ثم بعد ذلك يكفُر بالله ويؤمن بعشوائية لا عدل فيها البتة ولا عزاء لأي مظلوم أفلت ظالمه أو مات هذا المظلوم تحت الظلم ولا ضمان فيها لكون من عاند أو كابر أو سفسط سيعاقب أو ينكسر أو لا تكون له العاقبة.
وكثيراً ما يتساءل الناس عن الكافر الذي وُلد كافراً من أبوين كافرين ما ذنبه؟
ويتساءل بعضهم عن المؤمن الذي وُلد مؤمناً ما مزيَّته؟
وهذا التساؤل مبناه على أن عامل البيئة حتمي ولا خيار للمرء معه، وأنه لا توجد مسئولية مع الإيمان ولا تخفيف مع النشأة على الكفر (كسقوط الفرائض القديمة عن الكافر الذي أسلم ولو عاش عمره في الكفر).
قال تعالى: {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين (١٠) وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين (١١) ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين (١٢)} [التحريم].
أقول: النساء مضرب مثل في كونهن مطواعات للعرف المجتمعي العام، وغالباً ما يتبعن أزواجهن، لهذا حُرِّم زواج المسلمة من الكتابي وأبيح زواج الكتابية من المسلم.
ومع كون هذا عاملاً إلا أن الآيات تبيِّن أنه ليس عذراً، فضرب الله مثل لنساء نشأن في بيوت أنبياء ومع ذلك كفرن، فما انتفعن بهذا العامل العظيم، وذلك أن عناد المرء وكبره قد يكون أقوى تأثيراً من كل عوامل الهداية مهما قويت.
وضرب -سبحانه- مثلاً بامرأة مؤمنة تحت أكفر أهل الأرض وأعتاهم، فما طاوعته وما أخافها كفره وعتوه، وذلك أن امتثال المرء لداعي الفطرة قد يكون أقوى من كل عوامل الترغيب بالكفر -من سلطةٍ وجاهٍ ومالٍ ورضا زوج ذي سلطان- والترهيب من الإيمان (العذاب الشديد).
وكذلك مريم -عليها السلام- كانت في مجتمع فيه بقايا نبوة، غير أن أهله انحرفوا انحرافاً شديداً، فما سارت معهم على هذا.
فإذا كان هذا في النساء فغيرهن من باب أولى إن أُنصِف.
وهذا أدعى لئلا يُذهب المرء نفسه حسرات على هالك ويلوم نفسه على هلاكه.