نقض انتقادات محمد جميل زينو على تفسير عبد الرحمن السعدي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد رأيت تنبيهات لمحمد جميل زينو على تفسير عبد الرحمن بن ناصر السعدي لم يوفق
في عامتها ، وكان جارياً في عامتها على اتهام السلف بأنهم يحدثون بالإسرائيليات المكذوبة
جازمين ويفسرون بها القرآن !!

 ويتواطؤون على ذلك ، وهذا منهج
لو تأمله السائر عليه لعدل عنه لما فيه من الحط البالغ على السلف

 بل إنه مباشرةً يكذب الاسرائيليات
إن صححنا أنها اسرائيليات، مخالفة للأمر النبوي في عدم تصديقها أو تكذيبها لئلا يكذب
المرء بالحق وإليك المواطن التي انتقدها الشيخ محمد جميل زينو:

الموطن الأول:

 قال  محمد جميل:” ﴿ردوها
عليَّ فطفق مسحا بالسوق والأعناق﴾،قال-رحمه الله-: “أي جعل يعقرها بسيفه في سوقها
وأعناقها “.اهـ.

قلت:هذا التفسير من الإسرائيليات(!) و الصحيح ما ثبت في صحيح البخاري عن
ابن عباس- رضي الله عنه -:”أي يمسح سوقها وأعناقها حباً لها”.

أقول : على كلامه مآخذ:

الأول: القول بأن سليمان عقرها هو قول الحسن وقتادة والسدي وإبراهيم التيمي
(يعني جمهور مفسري السلف) ولا يوجد رائحة دليل على أنهم أخذوه من بني إسرائيل فهذا
الجزم يحتاج إلى دليل.

ثانياً: قوله (كما ثبت في صحيح البخاري) يوحي بأن الخبر فيه مسند والصواب
أنه معلق وهو في صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وعهدي بمحمد جميل أنه يتابع  الألباني على تضعيف هذه الصحيفة وسيأتي عنه أنه يرد بعض ما فيها.

ثالثاً: لو سلمنا أن الخبر اسرائيلية فالاسرائيليات لا تصدق ولا تكذب فلا
يقال (إسرائيلية مكذوبة) بهذا الاطلاق اعتماداً على رواية هي ضعيفة عندك أصلاً ، وقد
اختار ابن كثير وابن القيم قول الجمهور وذكرا في ذلك وجهاً حسناً.

قال ابن كثير في تفسيره: “وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: جعل
يمسح أعراف الخيل، وعراقيبها حبالها. وهذا القول اختاره ابن جرير قال: لأنه لم يكن
ليعذب حيوانا بالعرقبة ويهلك مالا من ماله بلا سبب سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها
ولا ذنب لها.

 وهذا الذي رجح به ابن جرير فيه
نظر؛ لأنه قد يكون في شرعهم جواز مثل هذا

ولا سيما إذا كان غضبا لله عز وجل بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة؛
ولهذا لما خرج عنها لله تعالى عوضه الله تعالى ما هو خير منها وهي الريح التي تجري
بأمره رخاء حيث أصاب غدوها شهر ورواحها شهر فهذا أسرع وخير من الخيل”.

وهذا الذي قاله ابن كثير هو كلام ابن القيم ولعلهما أخذاه من شيخ الإسلام
فلا اعتراض أبداً على الشيخ السعدي فيما ذهب إليه فهو قول جمهور المفسرين واختيار ابن
كثير وابن القيم بل الاعتراض على من وصف قول جمهور المفسرين بالاسرائيلية المكذوبة
بدون بينة.

الموطن الثاني :

 قال  محمد جميل زينو:”﴿وَأَلْقَيْنَا
عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾[ص:34]، قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:
“أي ابتليناه واختبرناه بذهاب ملكه وانفصاله عنه بسبب خلل اقتضته الطبيعة البشرية!!

﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾: أي شيطاناً قضى الله وقدر
أن يجلس على كرسي ملكه ويتصرف في الملك في مدة فتنة سليمان”.اهـ كلامه(!!).

قلت:وهذه من الإسرائيليات المكذوبة(!) بل ثبت في الصحيحين من حديث أبي
هريرة -رضي الله عنه-عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال:(قال سليمان بن داود-عليهما
السلام-:لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل
الله فقال له صاحبه قل إن شاء الله فلم يقل إن شاء الله فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة
جاءت بشق رجل والذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً
أجمعون).

وهو واضح أن الله – جل وعلا – ابتلاه بشق الولد وهو الجسد المذكور في الآية
الكريمة وإلى هذا ذهب جمع من المفسرين أخذاً بالحديث وطرحاً للروايات المكذوبة”.

أقول : هذا الذي قاله  محمد جميل زينو خلاف إجماع مفسري السلف فكلهم
اتفقوا على أن الله ألقى على كرسي سليمان جسد شيطان ولا يعلم أحدٌ من الصحابة أو التابعين
قال بخلاف هذا والحديث الذي ذكره لا علاقة له بالآية لا من قريب ولا من بعيد ولو جزمنا
أن هذا إسرائيلية فالواجب التوقف لا الجزم بالكذب بهذه الجرأة فكيف إذا وجدنا عامة
السلف يقولون بهذا القول بما فيهم ابن عباس في صحيفة علي بن أبي طلحة التي اعتمدها محمد جميل نفسه في المثال السابق.

قال الحاكم في المستدرك 3680 – حَدَّثَنَا أَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ
بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ ، ثنا قَبِيصَةُ
بْنُ عُقْبَةَ ، ثنا سُفْيَانُ ، عَنْ الْأَعْمَشُ ، عَنِ الْمِنْهَالِ [بْنِ عَمْرٍو]
، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فِي
قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ قَالَ: “
هُوَ الشَّيْطَانُ الَّذِي كَانَ عَلَى كُرْسِيِّهِ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ أَرْبَعِينَ
يَوْمًا ، وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ جَارِيَةٌ يُقَالَ لَهَا: جَرَادَةُ وَكَانَ بَيْنَ
بَعْضِ أَهْلِهَا وَبَيْنَ قَوْمِهِ خُصُومَةٌ ، فَقَضَى بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ إِلَّا
أَنَّهُ وَدَّ أَنَّ الْحَقَّ لِأَهْلِهَا ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ سَيُصِيبُكَ
بَلَاءٌ ، وَكَانَ لَا يَدْرِي يَأْتِيهِ مِنَ السَّمَاءِ أَوْ مِنَ الْأَرْضِ”.

وبهذا قال مجاهد والحسن والسدي واختاره البخاري في صحيحه، حيث قال : ﴿جَسَدًا﴾
شَيْطَانًا ، الذي خرج الحديث الذي اعتمده محمد جميل!

فكل هؤلاء ساروا على إسرائيلية مكذوبة ، غفرانك اللهم !

والخلاصة: أنه لا اعتراض على  السعدي بل الاعتراض على من جعل السلف
كلهم قائلين باسرائيلية مكذوبة !

الموضع الثالث :

قال  محمد جميل:”﴿إن هذا أخي له,تسع وتسعون نعجةً ولى نعجة واحدة
فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب﴾[ص:23].

قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:”نعجة: أي زوجة..”!!

قلت: الصحيح أنها على ظاهرها نعاج من الغنم, وما ورد من ذكر النساء في
فتنة داود – عليه السلام – مما يتنافى مع عصمة الأنبياء-صلوات الله عليهم جميعاً-كله
من أكاذيب اليهود”.

القول بأن المقصود بالنعجة الزوجة قد صح عن ابن مسعود وابن عباس وابن مسعود
لا يعرف بالأخذ عن بني إسرائيل.

قال عبد الرزاق في تفسيره عن الثوري عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال قال
عبد الله ما زاد داود على أن قال أكفلنيها أي انزل لي عنها.

عن الثوري عن عبدالرحمن بن عبد الله عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس قال ما زاد داود على أن قال أكفلنيها أي تحول لي عنها.

وهذا التفسير يبطل الروايات التي تدعي أن داود سعى في قتل الرجل ، أو أكاذيب
اليهود الخبيثة في أنه زنا بالمرأة فنسبة هذا للنبي كفر أكبر ، وقد ورد عن جماعة من
السلف أن داود ما تزوجها أو ما دخل بها بل اعتزل النساء جميعاً بعد عتاب ربه له وبقي
يبكي على خطيئته بعد أن كتبها على يده وهذا أشبه بأحوال الأنبياء، فلا يحملنا أن كذب
كاذب أن نكذب بالحق، وهذه الآثار يغلب على الظن أن مرجعها النبي صلى الله عليه وسلم
بل هذا شبه اليقين فمن ردها فهو على خطر عظيم.

الموضع الرابع:

 قال  محمد جميل زينو:”﴿ولقد
همت به, وهم بها لولا أن رءا برهن ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا
المخلصين﴾[يوسف:24]، قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:”..لأنه قد هم فيها هماً(!!)تركه
لله وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء(!!!)…”.اهـ

قلت:الصحيح من أقوال المفسرين أنه-عليه السلام-لم يهم بها أصلاً, فلولا
أنه – صلى الله عليه وسلم- رأى برهان ربه لهم بها وهذا الموافق لعصمة الأنبياء صلوات
الله وسلامه عليهم أجمعين

كيف وقد ذكره ربه تبارك وتعالى مادحاً له ومثنياً عليه بأعلى صفات النفوس
التقية النقية المطمئنة فقال سبحانه: ﴿إنه من عبادنا المخلصين﴾، وقد ذكره خاتم الأنبياء
– صلى الله عليه وسلم- بذكرٍ عطرٍ فواحٍ مادحاً له مثنياُ عليه بأعلى صفات النفوس المطمئنة
فقال:(إن الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم
عليهم السلام) -رواه البخاري(3210)-.

وإذا كانت نفوس أفضل الخلق الأصفياء الخيار أمارة بالسوء – ولو في وقتٍ
دون وقت!!- فأي محل للعصمة بقي؟!! وهل أحد بعدهم -صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً-
تكون نفسه مطمئنة؟؟!! والله أعلم.

-وانظر لزاماً: (الإسرائيليات في كتب التفسير) لأبي شهبة فإنه قد أجاد
وأفاد-“.

هذا كلام الأشاعرة فإن الأنبياء ليسوا معصومين عن الهم ومن هم بسيئة ثم
تركها كتبت له حسنة

وعامة السلف على أن الهم حقيقي والقول بأنه لم يهم من أقوال أهل البدع

 قال القرطبي في تفسيره:وقال أبو
عبيد القاسم بن سلام: وابن عباس ومن دونه لا يختلفون في أنه هم بها، وهم أعلم بالله
وبتأويل كتابه، وأشد تعظيما للأنبياء من أن يتكلموا فيهم بغير علم.

وقال الحسن: إن الله عز وجل لم يذكر معاصي الأنبياء ليعيرهم بها؛ ولكنه
ذكرها لكيلا تيأسوا من التوبة.

وقال الطبري في تفسيره 16/37: فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يوصف يوسف بمثل
هذا، وهو لله نبيّ؟

قيل: إن أهل العلم اختلفوا في ذلك.

فقال بعضهم: كان من ابتلي من الأنبياء بخطيئة، فإنما ابتلاه الله بها،
ليكون من الله عز وجلّ على وَجَلٍ إذا ذكرها، فيجد في طاعته إشفاقًا منها، ولا يتّكل
على سعة عفو الله ورحمته.

وقال آخرون: بل ابتلاهم الله بذلك، ليعرّفهم موضع نعمته عليهم، بصفحه عنهم،
وتركه عقوبتَه عليه في الآخرة.وقال آخرون: بل ابتلاهم بذلك ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب
في رَجاء رحمة الله، وترك الإياس من عفوه عنهم إذا تابوا.

وأما آخرون ممن خالف أقوال السلف وتأوَّلوا القرآن بآرائهم، فإنهم قالوا
في ذلك أقوالا مختلفة.

فقال بعضهم: معناه: ولقد همت المرأة بيوسف، وهمَّ بها يوسف أن يضربها أو
ينالها بمكروه لهمِّها به مما أرادته من المكروه، لولا أنّ يوسف رأى برهان ربه، وكفَّه
ذلك عما همّ به من أذاها لا أنها ارتدعت من قِبَل نفسها. قالوا: والشاهد على صحة ذلك
قوله: ﴿كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء﴾، قالوا: فالسوء هُو ما كان همَّ به من أذاها،
وهو غير”الفحشاء”.

وقال آخرون منهم: معنى الكلام: ولقد همت به، فتناهى الخبرُ عنها. ثم ابتدئ
الخبر عن يوسف، فقيل:﴿وهم بها يوسف لولا أن رأى برهان ربه﴾. كأنهم وجَّهوا معنى الكلام
إلى أنَّ يوسف لم يهمّ بها، وأن الله إنما أخبر أنَّ يوسف لولا رؤيته برهان ربه لهمَّ
بها، ولكنه رأى برهان ربه فلم يهمَّ بها، كما قيل: ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا﴾[النساء: 83] .

قال أبو جعفر: ويفسد هذين القولين: أن العرب لا تقدم جواب”لولا”
قبلها، لا تقول: “لقد قمت لولا زيد”، وهي تريد”: لولا زيد لقد قمت”،
هذا مع خلافهما جميع أهل العلم بتأويل القرآن، الذين عنهم يؤخذ تأويله.

وقال آخرون منهم: بل قد همَّت المرأة بيوسف، وهم يوسف بالمرأة، غير أن
همَّهما كان تميِيلا منهما بين الفعل والترك، لا عزمًا ولا إرادة.

 قالوا: ولا حرج في حديث النفس،
ولا في ذكر القلب، إذا لم يكن معهما عزْمٌ ولا فعلٌ.

قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص19: “وفسروا القرآن بأعجب تفسير
يريدون أن يردوه إلى مذاهبهم ويحملوا التأويل على نحلهم فقال فريق منهم في قوله تعالى:
﴿وسع كرسيه السموات والأرض﴾ أي علمه وجاءوا على ذلك بشاهد لا يعرف وهو قول الشاعر:

ولا يكر سيئ علم الله مخلوق.

كأنه عندهم ولا يعلم علم الله مخلوق والكرسي غير مهموز ويكرسئ مهموز يستوحشون
أن يجعلوا لله تعالى كرسياً أو سريراً ويجعلون العرش شيئاً آخر والعرب لا تعرف العرش
إلا السرير وما عرش من السقوف والآبار يقول الله تعالى: “ورفع أبويه على العرش”
أي على السرير. وأمية بن أبي الصلب يقول:

مجدوا الله وهو للمجد أهل … ربنا في السماء أمسى كبيرا

بالبناء الأعلى الذي سبق النا … س وسوى فوق السماء سريرا

شرجعاً ما يناله بصر العين … تردونه الملائك صورا

وقال فريق منهم في قول الله تعالى: ﴿ولقد همت به وهم بها﴾ إنها همت بالفاحشة
وهم بالفرار منها أو الضرب لها والله تعالى يقول: ﴿لولا أن رأى برهان ربه﴾، أفتراه
أراد الفرار منها أو الضرب لها فلا رأى البرهان أقام عندها وليس يجوز في اللغة أن تقول
هممت بفلان وهم بي وأنت تريد اختلاف الهمين حتى تكون أنت تهم بإهانته ويهم هو بإكرامك
وإنما يجوز هذا الكلام إذا اتفق الهمان” انتهى المراد نقله.

فأين محمد جميل من هذا الفقه حيث وقع فيما وقع أهل التعطيل من التأويل
المتعسف والله المستعان.

الموضع الأخير :

 قال محمد جميل زينو:”﴿فنادته
الملائكة وهو قائم يصلى في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمةٍ من الله وسيداً
و حصوراً ونبياً من الصلحين﴾[آل عمران:39].

– قال الشيخ السعدي – رحمه الله -: “أي ممنوعاً من إتيان النساء فليس
في قلبه لهن شهوة اشتغالاً بخدمة ربه وطاعته..اهـ-هذا التفسير ورد في الطبعة التي حققها
الأستاذ اللويحق [المجلد الواحد].

– أما الطبعة التي حققها الأستاذ النجار[الخمس مجلدات]وكذا طبعة دار ابن
الجوزي ففيها تفسير معارض لهذا وأحسن منه(!!)- والسؤال المطروح: أي التفسيرين للآية
قاله الإمام السعدي-رحمه الله-؟!

قلت: والذي يليق بجناب كمال الأنبياء وتنزيههم من النقائص وبدرجة الشيخ
السعدي – رحمه الله – في العلم العالية ومكانته الرفيعة الغالية هو التفسير الذي نقله
المحقق النجار وكذا دار ابن الجوزي ففيه ذكر للأقوال ثم الترجيح الأولى بالقبول. والله
أعلم بالصواب”.

تفسير الحصور بالذي لا شهوة عنده هو تفسير السلف فمن ادعى أن في هذا انتقاصاً
للأنبياء فقد نسب السلف لذلك.

وقال  الألباني في الصحيحة : “2984 -” ما من أحد من ولد
آدم إلا قد أخطأ، أو هم بخطيئة، ليس يحيى بن زكريا”.

روي عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص أو عن أبيه عمرو وأبيهريرة
والحسن البصري مرسلا ويحيى بن جعدة مرسلا.

(1) أما حديث ابن عباس، فله عنه طريقان:

الأولى: عن حماد بن سلمة قال: أنبأنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عنه
مرفوعا به. أخرجه الحاكم (2 / 591) والبيهقي (10 / 186) وابن أبي شيبة في ” المصنف
” (11 / 562) وأحمد (1 / 254 و 292 و 295 و 301 و 320، وأبو يعلى (4 / 418 /
2544) والطبراني في ” المعجم الكبير ” (12 / 216 /12933) وابن عساكر في
” تاريخ دمشق ” (18 / 93) . قلت: وهذا إسناد ضعيف، وقد بينه الهيثمي في
” مجمع الزوائد “، فقال (8 / 209) : ” رواه أحمد وأبو يعلى والبزار
والطبراني، وفيه علي بن زيد، وضعفه الجمهور، وقد وثق، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح
“. قلت: كذا قال. وقد سئل النووي عن الحديث: “هل هو صحيح، ومن رواه من أصحاب
الكتب؟ “. فأجاب: ” هذا حديث ضعيف لا يجوز الاحتجاج به، رواه أبو يعلى في
” مسنده ” عن زهير عن عفان عن حماد بن سلمة..

وهذا الإسناد ضعيف، لأن علي بن زيد بن جدعان فيه ضعف، ويوسف بن مهران مختلف
في جرحه. والله أعلم “. كذا في ” الفتاوى ” له (ص 120 – 121) . قلت:
وفي هذين النقلين نظر، بيانه فيما يأتي:

    أولا: لا يلزم من ضعف إسناد
الحديث ضعف متنه، لشواهده التي أشرت إليها أعلاه، والآتي تخريجها، وهي خالية عن الضعف
الشديد بل إن أسانيد بعضها صحيح كما يأتي.

    ثانيا: لقد قصر النووي جدا
في عزوه إياه لأبي يعلى وحده، وقد رواه من هو أعلى طبقة منه كابن أبي شيبة وأحمد.

    ثالثا: تخصيص الهيثمي أحمد
بالذكر بكون رجاله رجال الصحيح، مع أن رجال أبي يعلى كذلك.

    رابعا: قوله: ” رجاله
رجال الصحيح ” وهم، أو أنه ظن أن (يوسف بن مهران) هذا هو (يوسف بن ماهك بن مهران)
المخرج له في ” الصحيحين “، وهو قول لبعضهم، لكن الصحيح أنه ليس به كما جزم
به الحافظ المزي والذهبي والعسقلاني، وقد وثقه أبو زرعة وغيره.

    خامسا: حشره البزار مع أحمد
وأبي يعلى يشعر بأنه عنده من هذا الوجه، وليس كذلك، وإنما رواه من الطريق التالية،
ولم يتنبه لذلك المعلق أو المعلقان على ” مسند أبي يعلى “! مغترين بتعليق
الشيخ الأعظمي الآتي!

الطريق الثانية: عن محمد بن عون الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس. أخرجه
البزار (3 / 109 / 2359) وابن عساكر (18 / 93).

قلت: والخراساني هذا متروك الحديث، فيخشى أن يكون وهم في إسناده.

وقد ظن الشيخ الأعظمي أنه سقط من إسناده ابن جدعان متأثرا بحشر الهيثمي
المذكور آنفا، فقال في تعليقه على ” كشف الأستار ” عقب عبارته المتقدمة:
” قلت: ليس في الأصل (علي بن زيد) في إسناد حديث عكرمة عن ابن عباس “. قلت:
ولا ينبغي أن يكون، فإنه ليس له رواية عن عكرمة، بخلاف محمد بن عون الخراساني، فقد
ذكروه في الرواة عنه.

الطريق الثالثة: عن موسى بن إبراهيم بن جعفر بن مهران السباك : أخبرنا
أبي إبراهيم ابن جعفر بن مهران أخبرنا سليمان بن حرب أخبرنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت
عن سعيد ابن جبير عنه به. أخرجه ابن عساكر أيضا. قلت: وموسى بن إبراهيم السباك وأبوه
لم أعرفهما، ومن فوقه من رجال الشيخين، غير أن ابن أبي ثابت مدلس.

(2) عبد الله بن عمرو بن العاص أو أبوه عمرو، يرويه يحيى بن سعيد عن سعيد
بن المسيب عنه. أخرجه الطبري في “التفسير” (3 / 174) والبزار (2360) وابن
عساكر (18 / 82) من طرق عن يحيى به. بعضهم قال: عن ابن عمرو، وبعضهم: عن عمرو، وأحدهم:
عن ابن العاص، وبعضهم أوقفه، وكل ذلك لا يضر، فإنه في حكم المرفوع، لاسيما وزيادة الثقة
مقبولة، وسواء كان المسند ابن عمرو أو أباه، فهو انتقال من صحابي إلى صحابي، وكلهم
عدول، والأرجح أنه عن ابن عمرو، فإن سعيدا معروف بالرواية عنه. وزاد الطبري وابن عساكر:
قال: ثم دلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الأرض، وأخذ عودا صغيرا ثم قال:
” وذلك أنه لم يكن له ما للرجل إلا مثل هذا العود، ولذلك سماه الله (سيدا وحصورا
ونبيا من الصالحين)، وإسنادها حسن، وأخرجها ابن أبي حاتم في ” تفسيره “
(2 / 2 / 1) من طريق أخرى عن يحيى بن سعيد به، إلا أنه قال: ” عن ابن العاص، لا
يدرى: عبد الله بن عمرو، أو عمرو”.

وإسناده صحيح، واستغربه ابن كثير (1 / 361) ولا أرى له وجها، فإنه لم يقف
على الطريق الأخرى عند الطبري وابن عساكر. وقال الهيثمي في رواية البزار: “ورجاله
ثقات”، وأقول: إسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير شيخه محمد بن الوليد
– وهو البغدادي – قال الذهبي: ” ثقة “. وقال الحافظ: “صدوق”. ولفظ
حديثه: “لا ينبغي لأحد [أن] يقول: أنا خير من يحيى بن زكريا، ما هم بخطيئة، أحسبه
قال: ولا عملها”.

(3) أبو هريرة، يرويه أبو الأزهر حجاج بن سليمان عن الليث بن سعد عن محمد
بن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عنه مرفوعا بلفظ: “كل ابن آدم يلقى الله بذنب
قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه، إلا يحيى ابن زكريا كان * (سيدا وحصورا ونبيا
من الصالحين)”. ثم أهوى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قذاة من الأرض، وقال:
” كان ذكره مثل هذه القذاة”. أخرجه ابن أبي حاتم (2 / 23 / 2) وابن عدي
(2 / 234)

والطبراني في ” المعجم الأوسط ” (2 / 8 – 1 / 6700 – بترقيمي)
وابن عساكر (18 / 93 – 94) من طريقين عن الحجاج به. وقال ابن أبي حاتم: ” قال
أبي: لم يكن هذا الحديث عند أحد غير الحجاج، ولم يكن في كتاب (الليث) ، وحجاج هذا شيخ
معروف “. وكذا قال في ” الجرح والتعديل “، وذكره ابن حبان في
” الثقات” (8 / 202) وقال: ” يعتبر حديثه إذا روى عن الثقات
“. ونحوه قول ابن عدي في آخر ترجمته: ” إذا روى عن غير ابن لهيعة، فهو مستقيم
إن شاء الله تعالى”. وفي “الميزان” و “اللسان”: “قال
ابن يونس: في حديثه مناكير، وقال أبو زرعة: منكر الحديث. ومشاه ابن عدي “. 4
– الحسن البصري مرفوعا مثل حديث ابن مهران عن ابن عباس. رواه حماد بن سلمة أيضا عن
حبيب بن الشهيد ويونس بن عبيد وحميد عنه. أخرجه الحاكم أيضا، وكذا البيهقي، وابن عساكر،
ثلاثتهم مع حديث يوسف بن مهران عن ابن عباس، وبيض له الحاكم، وقال الذهبي في
“التلخيص”: “قلت: إسناده جيد “. كذا قال، والنقد العلمي – فيما
أعلم – لا يساعد على ذلك، أما بالنسبة لحديث ابن عباس فلما عرفت من حال ابن مهران وابن
جدعان، وأما بالنسبة لحديث الحسن فلإرساله، فلعله يريد أنه جيد بمجموع الإسنادين. والله
أعلم”.

فتأمل تصحيح الألباني خبر عبد الله بن عمرو في أن الحصور من لا شهوة
عنده ، ومال الألباني إلى تصحيح رفعه والصواب الوقف فيه عندي غير أن الألباني  قال أنه وإن
كان موقوفاً فله حكم الرفع وفعلاً له حكم الرفع ، ويا خيبة من رد تفسير النبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه!

وقد أحسن محمد جميل في تعقبه على  السعدي تفسيره (ثم استوى
إلى) بالقصد وبين  زينو أنه الصواب في معناها (علا)

قال  محمد جميل: “﴿هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى
إلى السماء فسوهن سبع سموت وهو بكل شيء عليم﴾[البقرة:29].

– قال الشيخ السعدي-رحمه الله-: “..أي لما خلق تعالى الأرض قصد(!)
إلى خلق السموات..”.اهـ

قلت: جاء في صحيح البخاري في تفسير هذه الآية بعينها عن مجاهد وأبي العالية
من التابعين:”استوى”أي”علا وارتفع”, وهو القول الموافق لتفسير
السلف لمعنى الاستواء في سائر آي الكتاب الكريم كلها- والله أعلم -“

 وهذا التعقب سليم وقد بين ابن
القيم وشيخه شيخ الإسلام أن هذا تفسير السلف.

هذا ما أردت بيانه والله المستعان.

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم