نقض اعتراض الأشاعرة على أثر ابن مسعود ( والله فوق العرش )

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد كنت كتبت مقالاً في براءة السلف من عقيدة التفويض صدرته بأثر ابن مسعود
الذي

 رواه ابن خزيمة قال :

 551 : حدثنا محمد بن معمر ، وأبو
غسان ، قالا : ثنا روح ، قال : ثنا المسعودي ، عن عاصم ابن بهدلة ، عن زر بن حبيش ،
قال : قال عبد الله بن مسعود :

 ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة
عام ، وبصر كل سماء خمسمائة عام يعني غلظها ، وما بين السماءين خمسمائة عام ، وبين
الكرسي وبين الماء خمسمائة عام – ولم يقل ابن معمر  وبصر كل سماء خمسمائة عام , ولم يقل أيضا : وبين
الكرسي وبين الماء خمسمائة عام ، والعرش فوق الماء ، والله فوق العرش ، وما يخفى عليه
من أمركم شيء –

وقال أيضاً 125 : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، قال : ثنا يزيد بن هارون
، قال : ثنا حماد يعني ابن سلمة ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله ، قال :

 ما بين كل سماء إلى أخرى مسيرة
خمسمائة عام ، وما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام ، وما بين السماء السابعة إلى
الكرسي مسيرة خمسمائة عام ، وما بين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عام ، والعرش على
الماء ، والله على العرش ، ويعلم أعمالكم

وقال أيضاً 127 : حدثنا بحر بن نصر بن سابق الخولاني ، قال : ثنا أسد ،
قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم ابن بهدلة ، عن زر بن حبيش ، عن ابن مسعود ، قال
:

 ما بين سماء الدنيا والتي تليها
مسيرة خمسمائة عام ، وبين كل سماء مسيرة خمسمائة عام ، وبين السماء السابعة وبين الكرسي
خمسمائة عام ، والعرش فوق السماء ، والله تبارك وتعالى فوق العرش ،

وقلت : إسناده قوي فضعفه الأشعري بعدة علل

العلة الأولى : حماد بن سلمة وأنه سيء الحفظ واجتنبه البخاري

العلة الثانية : المسعودي وأنه مختلط

العلة الثالثة : عاصم بن بهدلة وأن بعضهم ضعفه

والجواب على هذه العلل

أن حماد بن سلمة ثقة محتج به ، وإنما ساء حفظه بآخره ولم يهدر ، ورواية
المسعودي تعضد روايته فتقوي كل منهما الأخرى وقد روى هذا الخبر عنه عدد من كبار أصحابه

1- يزيد بن هارون

2- أسد بن موسى وحديثهما عند ابن خزيمة في التوحيد

3- موسى بن إسماعيل التبوذكي وحديثه عنه عند الدارمي في الرد على الجهمية

فيبعد أن يكونوا حملوه بعدما ساء حفظه , ثم هو هنا اعتضد برواية المسعودي

ولا وجه لإعلال الخبر باختلاط المسعودي فالراوي عنه هو روح بن عبادة البصري
وقد قال أحمد :” إنما اختلط ببغداد ومن سمع منه بالكوفة والبصرة فسماعه جيد”

فإن قلت : أنهم قالوا أنه كان يغلط في حديث عاصم

فيقال : احتمال الغلط هنا بعيد لأنه قد تابعه حماد بن سلمة

والصوفية والأشاعرة يحتجون بحديث حماد بن سلمة إذا احتاجوا

فعن عثمان بن حنيف، أن رجلاً أعمى أتى النبي فقال: إني أصبت في بصري، فادع
الله لي. قال: “اذهب فتوضأ، وصل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي
محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أستشفع بك على ربي في رد بصري، اللهم فشفعني في نفسي،
وشفع نبيي في رد بصري، وإن كانت حاجة
فافعل مثل ذلك”. فرد الله عليه بصره

قلت : الزيادة الملونة بالأحمر هي موطن احتجاج المتصوفة بهذا الخبر إذ
أنهم يحتجون بها على أن هذا النوع من التوسل غير منقطع

وهذه الزيادة انفرد بها حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة
عن عثمان بن حنيف – كما في تاريخ ابن أبي خيثمة على ما أفاد شيخ الإسلام في قاعدة جليلة

وقد خالفه شعبة بن الحجاج فروى هذا الحديث دون هذه الزيادة وحديثه عند
أحمد (4/138)

وقد روى هذا الحديث هشام الدستوائي وروح بن القاسم ولم يذكروا هذه الزيادة
أيضاً – انظر رسالة التوسل للشيخ الألباني –

وحماد بن سلمة نفسه قد روى هذا الحديث عنه جمع ولم يذكروا هذه الزيادة

فقد روى النسائي في السنن الكبرى ( 9171) هذا الحديث من طريق محمد بن معمر
(وهو ثقة روى عن أبو داود والنسائي ) قال حدثنا حبان ( هو ابن هلال ثقة حافظ ) قال
حدثنا حماد أخبرنا أبو جعفر فذكره وفي آخره (( اللهم شفع في نبيي وشفعني في نفسي
))

قلت : و قد تابع مؤمل بن إسماعيل حبان بن هلان عند أحمد في المسند
(4/138) وروايته نحو من رواية شعبة

وجميعهم لم يذكروا هذه الزيادة

ومع ذلك فقد صحح عبد الله الغماري هذه الزيادة في رسالته التي صنفها في
تصحيح حديث الأعمى .

والجهمية منذ زمن يطعنون في أخبار حماد بن سلمة

لهذا كان أحمد بْن حنبل يقول: إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة، فاتهمه
على الاسلام، فإنه كان شديدا على المبتدعة.

وأما عاصم بن بهدلة فقد قال الحافظ في التقريب :” صدوق له أوهام ،
حجة فى القراءة “

فمثله يقبل في الموقوفات وينظر في حديثه المرفوع

فإن قيل : أليس يضطرب في حديث زر فتارة يجعله عن زر وتارة عن أبي وائل

قلنا : مثل هذا غير مؤثر لأن كلاهما ثقة سمع من ابن مسعود

واعلم أن الجهمي الأشعري قد احتج بأن البخاري ما خرج لحماد بن سلمة في
الصحيح وما علم المسكين أن البخاري احتج بهذا الأثر في كتابه ( خلق أفعال العباد )

حيث قال :” 105- وَقَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ ، عَنِ النَّبيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ
، وَسَمَاوَاتُهُ فَوْقَ أرضه مِثْلُ الْقُبَّةِ

106- وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ، فِي قَوْلِهِ : {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى
الْعَرْشِ} . قَالَ : الْعَرْشُ عَلَى الْمَاءِ ، وَاللَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ ، وَهُوَ
يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ”

ومثله احتج بهذا الأثر الدارمي في الرد على الجهمية وابن خزيمة في التوحيد
والآجري في الشريعة وابن أبي زمنين في أصول السنة ، وغيرهم من الأئمة وذكره الذهبي
في العرش وصححه

وإني لأعجب ممن يصحح أحاديث التوسل والزيارة ثم يعل مثل هذه الأخبار القوية !

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم