فمن الأساطير الفاشية أن صحيح البخاري ما
رواه إلا الأشاعرة وما شرحه إلا الأشاعرة وهنا عدة حقائق قبل الكلام بالتفصيل في
نقض هذه الترهات
الأولى : أنه لا يوجد في الكتب الستة حديث
لشخص يقول بخلق القرآن صراحة فضلاً عن إنكار العلو الذي صرح ابن تيمية أنه أشنع من
القول بخلق القرآن والبخاري نفسه في خلق أفعال العباد نقل أن منكره جهمي بل من
غلاة الجهمية ونقل عن يزيد بن هارون تجهيم محمد بن الحسن وهو أحسن حالاً من عامة
الأشاعرة
الثانية : أن صحيح البخاري نفسه فيه دمغ
لمذاهب الأشاعرة خصوصاً في كتاب التوحيد وكتاب أخبار الآحاد وكتاب الإيمان فيكونون
في روايتهم له كمن يحفر قبره بظفره
الثالثة : أن من أسس خلافنا مع الجهمية
الأشعرية تزهيد كبار أئمتهم بالأحاديث وتقديم ما يسمونه معقولاً عليها فكيف
يستخدمون السنن في رفع خسيستهم وهم ما انحطوا إلا لما أعرضوا عنها
وقد شرحت هذا تفصيلاً في عدة مقالات وإنما
البحث الآن في دعوى أن صحيح البخاري لم يروَ إلا من طريق الأشاعرة
فهذه أسطورة يعتمدون فيها على أن أبا ذر
الهروي صاحب الرواية المشهورة لصحيح البخاري أشعري
ونسوا أمرين هامين
الأول : أن أبا ذر الهروي لم ينفرد بل
تابعه أبو الوقت السجزي والسجزي يرويه عن الداودي والداودي يرويه عن السرخسي
والسرخسي يرويه عن الفربري عن البخاري
وقد تواتر كتاب الصحيح عن السجزي وقد ذكر
الأسانيد إلى السجزي في الصحيح عامة المصنفين في الأثبات
وهؤلاء جميعاً ( أعني من السجزي إلى
الفربري ) ليسوا أشاعرة بدليل عدم ترجمة ابن عساكر لهم في تبيين كذب المفتري في
أصحاب الأشعري
بل السجزي كان من أصحاب أبي إسماعيل
الهروي المشهور بتكفير الأشعرية ويقول عن نفسه خادم شيخ الإسلام _ يعني الهروي _
قال محمد فارس السلوم في تحقيقه للمختصر
النصيح للمهلب بن أبي صفرة :” رواية
محمد بن يوسف بن مطر بن صالح الفربري (ت 320هـ):
سمع الصحيح مرتين، مرة بِفَِرَبْر – ولك
أن تفتح الفاء أو تكسرها (1) – في دخلات البخاري إليها سنة 248، وأخرى في بخارا
سنة 252 أي قبل وفاة البخاري بأربع سنوات.
هكذا قال أَبُونصر الكلاباذي الحافظ،
واشتهر هذا القول عند كثيرين.
ورواه ابن حمويه عن الفربري، وهو مذكور في
إسناد أبِي الوقت السجزي بروايته عن الداودي عن الحمويي عن الفربري – اعتمادًا -.
فقد رواه ابن حمويه: بحق سماعه من أبِي
عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري سنة ست عشرة وثلثمائة (316)، بحق سماعه من
مؤلفه الحافظ أبِي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري مرتين، إحداهما سنة ثمان
وأربعين ومائتين (248) , والثانية سنة اثنتين وخمسين ومائتين (252) أهـ.
لكن غنجارًا الحافظ روى عن الكشاني عن
الفربري قال: سُمع الجامع من البخاري بفربر في ثلاث سنين, في سنة 253, وسنة 254،
وسنة 255.
ذكره ابن نقطة (2)، وهذا إسناد صحيحٌ
عالٍ، ولا يعارض الذي قبله، وقد يكون الفربري اكتفى بذكر التاريخين في رواية ابن
حمويه، ولا يعني هذا أنه لم يسمع بعد ذلك، أو أن البخاري لم يحدث به بعد ذلك.
وفي رواية أبِي زيد عن الفربري اعتمد
تاريخ سنة 253 للسماع، هكذا رواه المتقنون من الحفاظ كالغساني وابن خير
وغيرهم.”
وقال عفيف الدين الواسطي في أربعينه في
الجهاد أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْأَجَلُّ
الصَّالِحُ الثِّقَةُ الْمُسْنِدُ شَيْخُ الْوَقْتِ أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ
الْأَوَّلِ بْنُ عِيسَى بْنِ شُعَيْبِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ
السِّجْزِيُّ الصُّوفِيُّ الْهَرَوِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِمَ عَلَيْنَا
بَغْدَادَ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِمَدْرَسَةِ الشَّيْخِ أَبِي
النَّجِيبِ السُّهْرَوَرْدِيِّ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ،
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ جَمَالُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُظَفَّرِ الدَّاوُدِيُّ الْبُوشَنْجِيُّ،
قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِبُوشَنْجَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ
وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ حَمَّوَيْهِ السَّرْخَسِيُّ الْحَمَوِيُّ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ
وَثَمَانِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ
يُوسُفَ مَطَرٌ الْفِرَبْرِيُّ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاثِ مِائَةٍ،
أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجُعْفِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبُخَارِيُّ سَنَةَ
ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَسَنَةَ ثَلَاثٍ
وَخَمْسِينَ وَمِئَتَيْنِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا
هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ
يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، وَتَوَكَّلَ اللَّهُ
لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ بِأَنْ يَتَوَّفَاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ
يُرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ»
وهذا سند صحيح البخاري
وقال السمعاني في أدب الإملاء والاستملاء
أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى السِّجْزِيُّ بِهَرَاةَ
أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ
بِفُوشَنْجَ أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بن أَحْمد الْحَمَوِيّ أَنا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
الإِمَامُ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ وَكَانَ
قَرِيبًا فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ فَلَمَّا دَنَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ
وقال الخطيب البغدادي في تاريخه 1132-
عُمَر بْن أعز بن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن عموديه السهروردي، أبو حفص ابن أبى
الحارث الصوفي:
أخو شيخنا أبى عبد الله محمد بن أعز الذي
تقدم ذكره، سمع أبا الوقت عبد الأول ابن عيسى بن شعيب السجزى وغيره. كتبت عنه،
وكان شيخا لا بأس به، أحد الصوفية برباط سعادة.
أخبرنا عمر بن أعز بن عمر السهروردي بقراءتي
عليه أنبأ عبد الأول بن عيسى أنبأ أبو الحسن الداودي أنبأ عبد الله بن أحمد
السرخسي حدثنا محمد بن يوسف الفربري حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري حدثنا آدم
حدثنا شعبة قال سمعت أبا عثمان النهدي عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ
عَلَى الرجال من النساء»
وقال الذهبي في معجم شيوخه الكبير
أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَطَّافٍ
الأَنْصَارِيُّ الْبُخَارِيُّ الْمَقْدِسِيُّ ثُمَّ الْحَرَّانِيُّ الْحَنْبَلِيُّ
أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ الْمُفْتِي أَبِي الرَّبِيعِ
كَانَ خَيِّرًا تَالِيًا لِكِتَابِ
اللَّهِ، سَمِعَ بِحَرَّانَ مِنْ أَبِيهِ، وَابْنِ رُوزَبَهْ، وَأَبِي الْمَجْدِ
الْقَزْوِينِيِّ، وَحَدَّثَ بِصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ.
مَاتَ بِقَاسِيُونَ فِي جُمَادَى
الآخِرَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ.
عَنْ بِضْعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً.
-10 – 1: 28 – أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، أنا ابْنُ رُوزَبَهْ، قَالَ: أنا أَبُو الْوَقْتِ السِّجْزِيُّ، أنا
ابْنُ الْمُظَفَّرِ الدَّاوُدِيُّ، أنا ابْنُ حَمُّوَيْهِ السَّرْخَسِيُّ، أنا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ،
ثنا آدَمُ، نا ابْنُ أَبِي ذُئَيْبٍ، نا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
سُرَاقَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ أَنْمَارٍ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ مُتَوَجِّهًا قِبَلَ
الْمَشْرِقِ
وذكر الذهبي الكثير من الأسانيد لأبي
الوقت وكذا ذكره كل من كتب معجماً في شيوخه أو ثبتاً فهو متواتر عنه
قال الذهبي في ترجمة أبي الوقت السجزي
:” وَحَدَّثَ بِخُرَاسَانَ وَأَصْبَهَانَ وَكَرْمَانَ وَهَمَذَانَ
وَبَغْدَادَ، وَتَكَاثرَ عَلَيْهِ الطَّلَبَةُ، وَاشْتُهِرَ حَدِيْثُهُ، وَبَعُدَ
صِيتُهُ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الإِسْنَادِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (1) ،
وَالسَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ
الشِّيْرَازِيُّ، وَارْتَحَلَ إِلَيْهِ إِلَى كِرْمَانَ، وَسُفْيَانُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَنْدَةَ، وَأَبُو ذَرٍّ سُهَيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ
البُوْشَنْجِيُّ، وَأَبُو الضّوءِ شِهَابٌ الشَّذَبَانِيُّ، وَعَبْدُ المُعِزِّ
بنُ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ، وَالقَاضِي عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ بُنْدَارَ
الهَمَذَانِيُّ، وَعَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ مَنْدَوَيْه، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ
اللهِ السُّلَمِيُّ العَطَّارُ، وَعُثْمَانُ بنُ عَلِيٍّ لوَرْكَانِيُّ،
وَعُثْمَانُ بنُ مَحْمُوْدٍ الأَصْبَهَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ
الفَتَّاحُ البُوْشَنْجِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَطِيَّةَ اللهِ الهَمَذَانِيُّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَرَايَا المَوْصِلِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ وَاثقٍ
البَيْهَقِيُّ، وَمُقَرّبُ بنُ عَلِيٍّ الهَمَذَانِيُّ، وَالفَقِيْهُ يَحْيَى بنُ
سَعْدٍ الرّزَايُّ، وَيُوْسُفُ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ
نِظَامِ المُلْكِ، وَحَمَّادُ بنُ هِبَةِ اللهِ الحَرَّانِيُّ، وَعُمَرُ بنُ
طَبَرْزَدَ، وَسَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ
الدِّيْنَوَرِيُّ الصُّوْفِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
السُّهْرَوَرْدِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ
الرُّوذَرَاورِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ ظَفَرِ بنِ هُبَيْرَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ
اللهِ بنِ مُكرَّمٍ، وَمُظَفَّرُ بنُ حَرِّكْهَا، وَعَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ بنِ
صَبُوخَا، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ صِرْمَا، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ
المَيْنُدِيُّ، وَزَيْدُ بنُ يَحْيَى البَيِّعُ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ
عَسْكَرٍ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الرَّيَّانِ، وَأَسَعْدُ بنُ
صُعْلُوكٍ، وَالنَّفِيْسُ بنُ كَرَمٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ شَرِيْفِ
الرَّحْبَةِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ خَلِيْفَةَ الرُّوبَانِيُّ –
بِمُوَحَّدَةٍ – وَمُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ البَيِّعُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ الهَمَذَانِيُّ الخَطِيْبُ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ
بُورْندَازَ (1) ، وَعُمَرُ بنُ أَعزَّ السُّهْرَوَرْدِيُّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ
مُحَمَّدُ بنُ لَيْثٍ الوسْطَانِيُّ، وَصَاعِدُ بنُ عَلِيٍّ الوَاعِظُ،
وَمُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ المُسْتعمِلُ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ الجَوَالِيْقِيِّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ النَّفِيْسِ بنِ عَطَاءٍ، وَالمهَذَّبُ بنُ قُنَيْدَةَ، وَعَبْدُ
السَّلاَمِ بنُ سُكَيْنَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَتِيقِ بنِ صيلاَ، وَأَبُو
الرِّضَى مُحَمَّدُ بنُ عَصيَّةَ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ الدَّاهِرِيُّ، وَأَبُو
نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ النَّرْسِيُّ، وَعُمَرُ بنُ كَرَمٍ، وَالحُسَيْنُ
بنُ الزُّبَيْدِيِّ، وَأَخُوْهُ الحَسَنُ، وَظَفَرُ بنُ سَالِمٍ البيطَارُ،
وَعَبْدُ البَرِّ بنُ أَبِي العَلاَءِ العَطَّارُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ القَطِيْعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مَوْلَى ابْنِ باقَا،
وَزَكَرِيَّا العُلَبِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ رُوزبه،وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ
المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ، وَأَبُو
المُنَجّى عَبْدُ اللهِ بنُ اللَّتِّيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدِ
بنِ بَهْرُوْزَ، وَأَبُو سَعْدٍ ثَابِتُ بنُ أَحْمَدَ الخُجَنْدِيُّ نَزِيْلُ
شيرَاز وَهُوَ آخِرُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ مَوْتاً، بَقِيَ إِلَى سَنَةِ 637،
وَسَمَاعُهُ فِي الخَامِسَةِ.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: أَبُو
الكَرَمِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ المُتَوَكِّلِيُّ، وَكَرِيْمَةُ بِنْتُ
عَبْدِ الوَهَّابِ القُرَشِيَّةُ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ صَالِحٌ،
حَسَنُ السَّمْتِ وَالأَخلاَقِ، مُتودِّدٌ، مُتَوَاضِعٌ، سلِيمُ الجَانبِ،
اسْتَسْعَدَ بصحبَةِ الإِمَامِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، وَخَدَمَهُ مُدَّةً،
وَسَافَرَ إِلَى العِرَاقِ وَخُوزستَانَ وَالبَصْرَةَ، نَزلَ بَغْدَادَ بِرِباطِ
البِسْطَامِيِّ فِيمَا حَكَاهُ لِي، وَسَمِعْتُ مِنْهُ بِهَرَاةَ وَمَالِيْنَ،
وَكَانَ صَبُوْراً عَلَى القِرَاءةِ، مُحِبّاً لِلرِّوَايَةِ، حَدَّثَ بِـ
(الصَّحِيْحِ) ، وَ (مُسْنَدِ عَبْدٍ) ، وَ (الدَّارِمِيِّ) عِدَّةَ نُوَبٍ، وَسَمِعْتُ
أَنَّ أَبَاهُ سَمَّاهُ مُحَمَّداً، فَسَمَّاهُ عَبْدُ اللهِ الأَنْصَارِيُّ
عَبْدَ الأَوّلِ، وَكَنَّاهُ بِأَبِي الوَقْتِ، ثُمَّ قَالَ: الصُّوْفِيُّ ابْنُ
وَقتِهِ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ فِي (التَّحبِيرِ
(1)) : إِنَّ وَالِدَ أَبِي الوَقْتِ أَجَازَ لَهُ، وَإِنَّ مَوْلِدَهُ (2)
بسِجِسْتَانَ، سَنَةَ عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَإِنَّهُ سَمِعَ مِنْ عَلِيِّ
بنِ بُشرَى اللَّيْثِيِّ (مَنَاقِبَ الشَّافِعِيَّ) لِلآبرِيِّ بِفَوتٍ، ثُمَّ
سَكَنَ هَرَاةَ، وَإِنَّهُ شَيْخٌ صَالِحٌ مُعَمَّرٌ، حرصَ عَلَى سَمَاعِ الحَدِيْثِ،
وَحَمَلَ وَلدَهُ أَبَا الوَقْتِ عَلَى عَاتقِهِ إِلَى بُوشَنْجَ، وَكَانَ عَبْدُ
اللهِ الأَنْصَارِيُّ يُكرِمُهُ وَيُرَاعِيْه، مَاتَ بِمَالِيْن، فِي شَوَّالٍ،
سَنَة اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، عَاشَ مائَة وَثَلاَث سِنِيْنَ”
فما أبو ذر إلا متابع لهذا الجبل وقد ترجم
لأبي الوقت ابن عساكر في معجم شيوخه وأحسب أن ابن الجوزي ترجم له
ثم إن الفربري روي عنه الصحيح بطرق كثيرة
أخرى غير طريق السجزي وأبي ذر
قال ابن عطية الأندلسي في فهرسه وقرأت
عَلَيْهِ رَحمَه الله كتاب الْجَامِع الصَّحِيح الْمُخْتَصر من أُمُور رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسننه وأيامه تصنيف الإِمَام أبي عبد الله مُحَمَّد بن
إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم البُخَارِيّ رَضِي الله عَنهُ وَأَخْبرنِي أَنه
قَرَأَهُ بِمَكَّة شرفها الله فِي الْمَسْجِد الْحَرَام عِنْد بَاب بني شيبَة سنة
سبعين وَأَرْبَعمِائَة على الإِمَام الزكي الْعدْل أبي عبد الله الْحُسَيْن بن
عَليّ بن الْحُسَيْن الطَّبَرِيّ نزيل مَكَّة قَالَ حَدَّثتنَا الْحرَّة الزاهدة
كَرِيمَة بنت أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَاتِم المروزية قَالَت حَدثنَا أَبُو
الْهَيْثَم مُحَمَّد بن الْمَكِّيّ بن زراع الْكشميهني قَالَ حَدثنَا أَبُو عبد
الله مُحَمَّد بن يُوسُف بن مطر بن صَالح بن بشر الْفربرِي عَن أبي عبد الله
مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ رَضِي الله عَنهُ
قَالَ الْفَقِيه القَاضِي أَبُو مُحَمَّد
رَضِي الله عَنهُ قَالَ لي أبي رَضِي الله عَنهُ وَكَانَت قراءتي فِي أصل كَرِيمَة
بِعَيْنِه قَالَ لي وقرأته بالمهدية قبل طلوعي إِلَى الْحَج سنة تسع وَسِتِّينَ
وَأَرْبَعمِائَة على الشَّيْخ الْأَجَل أبي عبد الله مُحَمَّد بن معَاذ
التَّمِيمِي القيرواني وَأَخْبرنِي أَنه قَرَأَهُ غير مرّة على الشَّيْخ أبي ذَر
عبد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن غفير الْأنْصَارِيّ الْمَالِكِي قَالَ أَخْبرنِي
أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد بن حموية السَّرخسِيّ بهراة وَأَبُو إِسْحَاق
إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن دَاوُد الْمُسْتَمْلِي ببلخ وَكَانَ من الثِّقَات
المتقنين رَحمَه الله وَأَبُو الْهَيْثَم مُحَمَّد بن الْمَكِّيّ بن زراع
الْكشميهني بهَا قِرَاءَة عَلَيْهِ فِي الْمحرم سنة تسع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة
قَالُوا حَدثنَا مُحَمَّد بن يُوسُف الْفربرِي عَن البُخَارِيّ
قَالَ لي أبي رَضِي الله عَنهُ
وَأَخْبرنِي أَبُو عبد الله بن معَاذ أَيْضا قَالَ حَدثنَا أَبُو عمرَان مُوسَى بن
عِيسَى بن أبي حَاج الفاسي قَالَ حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن إِبْرَاهِيم
الْأصيلِيّ قَالَ حَدثنَا أَبُو زيد مُحَمَّد بن أَحْمد الْمروزِي وَأَبُو أَحْمد
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مكي جَمِيعًا عَن الْفربرِي عَن البُخَارِيّ
قَالَ لي أبي رَضِي الله عَنهُ وقرأته على
الْفَقِيه الْحَافِظ أبي عَليّ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الغساني سنة أَربع وَسبعين
وَأَرْبَعمِائَة قَالَ حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم حَاتِم بن مُحَمَّد بن عبد
الرَّحْمَن التَّمِيمِي قِرَاءَة عَلَيْهِ مَرَّات أَولهَا سنة أَربع وَأَرْبَعين
وَأَرْبَعمِائَة قَالَ أَخْبرنِي بِهِ أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي بكر
الْفَقِيه الْقَابِسِيّ بالقيروان سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة
قَالَ أَبُو عَليّ ونا أَبُو شَاكر عبد
الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن موهب القبري وَالْقَاضِي أَبُو الْقَاسِم سراج بن عبد
الله بن سراج قَالَا حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد
بن عبد الله بن جَعْفَر الْأصيلِيّ قَالَا مَعًا حَدثنَا أَبُو زيد مُحَمَّد بن
أَحْمد الْمروزِي بِمَكَّة سنة ثَلَاث وَخمسين وثلاثمائة
قَالَ الْأصيلِيّ وَأَبُو أَحْمد مُحَمَّد
بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن مكي الْجِرْجَانِيّ جَمِيعًا عَن أبي عبد الله مُحَمَّد
بن يُوسُف عَن البُخَارِيّ
قَالَ لي أبي رَضِي الله عَنهُ وقرأته بالمرية
سنة تسع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة على أبي مُحَمَّد عبد الْجَبَّار بن عَليّ بن
سُلَيْمَان بن سيد بن أبي قُحَافَة قَالَ حَدثنَا أَبُو عمر يُوسُف بن عبد الله بن
مُحَمَّد بن عبد الْبر النمري قِرَاءَة عَلَيْهِ قَالَ حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عبد
الله بن مُحَمَّد بن أَسد الْجُهَنِيّ قَالَ حَدثنَا أَبُو عَليّ سعيد بن عُثْمَان
بن السكن الْحَافِظ بِمصْر عَن مُحَمَّد بن يُوسُف الْفربرِي عَن البُخَارِيّ
قَالَ لي أبي رَضِي الله عَنهُ
وَأَخْبرنِي أَبُو عَليّ الغساني رَحمَه الله بِرِوَايَة أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم
بن معقل بن الْحجَّاج النَّسَفِيّ عَن البُخَارِيّ قَالَ حَدثنِي أَبُو العَاصِي
حكم بن مُحَمَّد بن حكم قَالَ حَدثنَا أَبُو الْفضل أَحْمد بن أبي عمرَان
الْهَرَوِيّ بِمَكَّة قَالَ حَدثنَا أَبُو صَالح خلف بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل
الْخيام عَن إِبْرَاهِيم بن معقل عَن البُخَارِيّ
مولد البُخَارِيّ رَحمَه الله يَوْم
الْجُمُعَة بعد الصَّلَاة لثلاث عشرَة لَيْلَة خلت من شَوَّال عَام أَرْبَعَة
وَتِسْعين وَمِائَة وَتُوفِّي البُخَارِيّ رَحمَه الله سنة سِتّ وَخمسين
وَمِائَتَيْنِ
وهناك غيره كثير وأيضاً للبخاري أربع
روايات غير رواية الفربري
وكلها موجودة ثم إن أقدم شرح على صحيح
البخاري هو شرح الخطابي والخطابي واضح من كتابه الغنية أنه ترك الأشعرية والخطابي
يصل لأبي داود بواحد وللبخاري بواحد أو اثنين
زيادة على هذا كله كتاب البخاري مشهور
وشهرته تغني عن تتبع إسناده وأحاديث البخاري في كتبه الأخرى كالأدب المفرد وخلق
أفعال العباد والتاريخ وغيرها مطابقة لأحاديث الصحيح والصحيح لا يصنفه إلا رجل
كالبخاري
الثاني : أن أبا ذر الهروي على غير عقيدة
متأخري الأشاعرة بل على عقيدتهم يجب أن يكون مجسماً !
فإنه كان على عقيدة الباقلاني قال الذهبي
في السير :” أَلَّفَ كِتَاباً سَمَّاهُ: (الإِبَانَة) ، يَقُوْلُ فِيْهِ:
فَإِن قِيْلَ: فَمَا الدَّلِيْلُ عَلَى أَنَّ للهِ وَجهاً وَيداً؟
قَالَ قَوْله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}
[الرَّحْمَن:27] وَقوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}
[ص:75] فَأَثبت تَعَالَى لِنَفْسِهِ وَجهاً وَيداً.
إِلَى أَنْ قَالَ: فَإِن قِيْلَ: فَهَلْ
تقولُوْنَ: إِنَّهُ فِي كُلِّ مَكَان؟
قِيْلَ: مَعَاذَ اللهِ بَلْ هُوَ مُسْتَوٍ
عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ”
وكلام الباقلاني في إثبات الصفات الذاتية على
طريقة الكلابية مشهور جداً
وهنا توضيح هام جداً في حفظ السنة وما نظر
فيه البخاري من الكتب لكي يصنف الصحيح
اعلم رحمك الله أن السنة النبوية قد حفظت
بشكل عظيم وقد اجتمع فيها عدد من عوامل الحفظ
الأول : أن العرب في طبيعتهم آنذاك كانوا
أقوياء الحفظ ولهذا كانوا يحفظون القصائد الطويلة من أول مرة يسمعونها كالمعلقات
التي فشت فيهم مع قلة القراء والكتاب فيهم في ذلك الوقت ، وهذا أمر موجود في أهل
القرى إلى يومنا هذا
الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يعيد الكلام ثلاثاً وكان يترسل في كلامه لكي يفهم كما نصت عليه عائشة
الثالث : أنه كان رجلاً بليغاً وكان يختصر
الكلام بعبارات جامعة وأحاديثه الطوال نادرة جمعها الطبراني في مصنف مستقل لا يبلغ
المجلد
الرابع : أن كثيراً من الأحاديث قد ارتبطت
بواقع عملي كالأحاديث المتصلة بالعبادات والمعاملات فكان يقولها ويطبقها ويطبقها
معه الصحابة وهذا أرسخ للحفظ
الخامس : أنه كان يقول أكثر أخباره في
محفل من الناس
السادس : أن الصحابة كانوا يتراجعون في
بعض الأخبار فدل سكوتهم على عامة الأخبار أنها معروفة عندهم فقد أنكرت عائشة على
ابن عمر قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب وخطأته في ذلك وهما متفقان
على اعتماره ولكن اختلفا في الشهر ، وأنكرت أمهات المؤمنين على أبي هريرة تحديثه
بحديث منسوخ في الجنب يصبح صائماً فالحديث كان صحيحاً ولكنه كان منسوخاً فحصل
الإنكار ، بل كره سلمان لحذيفة التحديث ببعض أحاديث الفتن لكون العقول لا تبلغها
السابع : أن السنة كان شيء كثير منها مدون
في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ومن ادعى أن السنة لم تدون في حياة النبي صلى
الله عليه وسلم فقط غلط
قال أحمد في مسنده 6510 – حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ الْأَخْنَسِ، أَخْبَرَنَا
الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
عَمْرٍو، قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ،
فَقَالُوا: إِنَّكَ تَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ
ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ: “
اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنِّي إِلَّا حَقٌّ “
فهذا واضح أن عبد الله بن عمرو كان يكتب
وقال البخاري في صحيحه 113 – حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو
قَالَ أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ عَنْ أَخِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا
هُرَيْرَةَ يَقُولُ مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ تَابَعَهُ مَعْمَرٌ
عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
وقال البخاري في صحيحه 2434 – حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا
الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي
أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى
عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ
عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ كَانَ
قَبْلِي وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ
لِأَحَدٍ بَعْدِي فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَلَا
تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ
بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ فَقَالَ
الْعَبَّاسُ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الْإِذْخِرَ
فَقَامَ أَبُو شَاهٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ اكْتُبُوا لِي يَا
رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ قُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ مَا قَوْلُهُ اكْتُبُوا لِي يَا
رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَذِهِ الْخُطْبَةَ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهذا حديث متأخر في فتح مكة
وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان
عند أبي بن محمد بن عمرو بن حزم مشهور معروف عند المحدثين
وله صلوات وسلامه عليه كتب عديدة للأمصار
ومن ذلك كتابه إلى عمرو بن حزم
وقال ابن عبد البر وهو يتكلم عن كتاب عمرو
بن حزم :” وكتاب عمرو بن حزم هذا قد تلقاه العلماء بالقبول والعمل ، وهو
عندهم أشهر وأظهر من الإسناد الواحد المتصل ” انتهى من” الاستذكار
” (2/471) .
وقال يعقوب بن سفيان الفسوي رحمه الله : “
لا أعلم في جميع الكتب كتابًا أصح من كتاب عَمْرو بن حزم ، وقَال : كان أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون يرجعون إليه ويَدَعون آراءهم “. انتهى
من” المعرفة والتاريخ ” (2/217)
ثم إن عامة إن الأحكام لها أصل في القرآن
ولذا تجد الأصول الفقهية العظام متفق عليها وعامة خلاف الفقهاء فرع عن اتفاق فهم
متفقون على الطواف سبعاً وعلى الركوع وعلى السجود وعلى الصلوت الخمس وعلى الوضوء
وعلى المواريث بالجملة
ولكن يختلفون في بعض صور الطواف هل تجزي
أم لا واختلافهم القديم في مسح القدمين أو غسلهما فرع عن الاتفاق على مسح القدمين
بالماء واختلافهم في بعض نواقض الوضوء فرع عن اتفاقهم على وجود نواقض أصلاً
واتفاقهم على العديد منها
وهناك مسائل اختلفوا فيها ثم انقرض الخلاف
بعد ظهور السنن كأحكام الاحداد ومشروعية زيارة القبور
وهذا من أعظم البراهين على بقاء الشريعة
قال الشيخ في بيان التلبيس :” وقد كان الثقة يحدث عن الشيخ أبي عمرو ابن
الصلاح أنه لما رأى قوله إن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين لعنه على ذلك وقال هذا
تعطيل الإسلام وقد بسط هذا في مواضع والمقصود هنا أن يتبين أن دعواه أن كل دليل
سمعي موقوف على مقدمات ظنية دعوى باطلة معلوم فسادها بالاضطرار ولو صح هذا لكان لا
يجزم أحد بمراد أحد ولكان العلم بمراد كل متكلم لا يكون إلا ظنًّا وهذا مما يعلم
فساده بالاضطرار وإذا كان آحاد العامة قد بين مراده بكلامه حتى يقطع بمراده
فالعلماء أولى بذلك وإذا كان العلماء المصنفون في العلوم يقطع بمرادهم في أكثر ما
يقولونه كما يقطع بمراد الفقهاء والأطباء والحُسّاب وغيرهم فالرسول الذي هو أكمل
الخلق علماً وبياناً ونصحاً أولى أن يبين مراده ويقطع به وكلام الله تعالى أكمل من
كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وأكمل بياناً فهو أولى بالقطع بمراد الرب فيه من
كلام كل أحد ومعاني الكلام منقولة بالتواتر معلومة بالاضطرار أعظم من ألفاظه
والمسلمون كلهم يعلمون بالاضطرار أن الله تعالى أمر بغسل الوجه واليدين ومسح الرأس
في الوضوء وبالاغتسال من الجنابة وبالتيمم وأن الله تعالى أمر بالصلاة إلى الكعبة
وأمر بالحج إلى البيت الذي بمكة والطواف به والتعريف بعرفات وصوم شهر رمضان
وامتناع الصائم من الأكل والشرب والنكاح وغير ذلك من معاني القرآن وأكثرهم لا
يحفظون حروف القرآن فمعانيه التي دلت عليها هي معلومة عندهم بالاضطرار منقولة
بالتواتر أعظم من العلم بألفاظه الدالة على تلك المعاني ولا يحتاجون في ذلك إلى
نقل اللغة ولا نفي المعارض بل الأمر موقوف على مقدمة واحدة وهو العلم بمراد
المتكلم وهذا قد يعلم اضطراراً وقد يعلم بأدلة قطعية وقد يكون ظنًّا كذلك العلم
بما أخبر له الرسول صلى الله عليه وسلم من أسماء الرب وصفاته ومن اليوم الآخر كثير
منه أو أكثره معلوم عند الأمة اضطراراً نقلاً متواتراً وإن كان أكثرهم لا يحفظون
حروفه وإذا سمعوا حروفه علموا قطعاً أنها دالة على تلك المعاني المعلومة عندهم كما
إذا سمعوا قوله تعالى وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمران 97]
علموا أن المراد بلفظ البيت البيت الذي بمكة وإذا سمعوا شهر رمضان علموا أن المراد
بهذا اللفظ بالشهر التاسع الذي بين شعبان وشوال وإذا سمعوا خلق السموات والأرض
علموا أن المراد بذلك أنه هو الذي أحدثهما وابتدأهما وأنشأهما لا أنهما قديمتان
ملازمتان له وإذا سمعوا قوله تعالى كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى [البقرة
73] وقوله كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) [فاطر 9] علموا أن المراد بذلك إحياء الموتى
للقيامة وإذا سمعوا قوله تعالى وتقدس إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)
[طه 46] علموا أن ذلك معنى أنه سميع بصير وأمثال ذلك كثير “
وكذلك أهم حوادث السيرة لها أصل في القرآن
واتفقوا عليها فالهجرة وغزوة بدر وأحد والحديبية والخندق وبيعة الرضوان وفتح مكة
وحنين وغزوة العسرة وغزوة بني النضير وبني قريظة وغيرها مذكورة في القرآن بالإشارة
أو ذكر بعض أحداثها مع كيد المنافقين وغيرها من الأمور وبعضها فرغت له معظم سورة
كمباهلة وفد نجران في سورة آل عمران
وهذا كله باتفاق المفسرين من كل النحل
فظهر أن كل العلوم أصلها القرآن المقطوع به وأن السنة شارحة
وقد شرحت في مقالي ( قاعدة في أن معظم
الأحكام الشرعية ثابتة بطريقة قطعية ) طريقة المحدثين في تصحيح الأخبار وأنها
منتهى في الاحتياط وأنه لم يبنَ حكم في الغالب إلا على خبر احتفت به قرائن ترفعه
إلى درجة القطعية حتى على مذهب المتكلمين المتشككين
والآن سأشرح شيئاً من تاريخ تدوين السنة
الذي يجهله كثير ممن يتكلم في هذه الأمور حتى من المدافعين عن السنة
فيقال تقدم معنا ذكر كتب النبي وهذه
المرحلة الأولى
وهناك المرحلة الثانية وهي مرحلة الصحف
كصحيفة همام بن منبه عن أبي هريرة وصحيفة أبي الزبير عن جابر وهذه صحف مشهورة
ومؤلفوها سمعوا من الصحابة مباشرة
والمرحلة الثالثة مرحلة التدوين الراتب
دون تصنيف وهي التي دعا إليها عمر بن عبد العزيز وأعانه الزهري وكلاهما تابعي
تتلمذ على الصحابة وكبار التابعين
والمرحلة الرابعة مرحلة أصحاب الثنائيات
وهذه التي يجهلها كثيرون مع أهميتها العظيمة
وأصحاب الثنائيات هم من عندهم أسانيد
يصلون فيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم باثنين فقط ولهم كتب مصنفة
فعلى رأسهم الإمام مالك صاحب الموطأ الذي
تواتر عنه فمالك يروي عن حميد عن أنس
وعن نافع عن ابن عمر
وعن أبي حازم عن سهل بن سعد
وعن نعيم المجمر عن أبي هريرة
وعن الزهري عن أنس وعن سهل وغيرهم من
الصحابة الذين أدركهم الزهري
وعن ابن المنكدر عن جابر
وعن أبي الزبير عن جابر
فهو قريب جداً من النبي صلى الله عليه
وسلم وله أسانيد أخرى ثلاثية وربما ثنائية فاتتني وهذه للتنبيه وقد اتفقت الأمة
على تعديل مالك ولا يشارك الثقات في حديثه إلا ويظهر فضله وتثبته وموافقته لهم
ولا يكاد يوجد حديث مرفوع انفرد به واحد
عن مالك بل لو انفرد فإنه يكون منكراً فمالك حديثه منتشر ومحفوظ في الموطأ
واليوم المرء منا لو أراد أن يحكي قصة عن
محمد بن عبد الوهاب فلن يستطيع أن يصل إليه باثنين فقط فمالك أقرب إلى النبي منا
إلى محمد بن عبد الوهاب
ومن أصحاب الثنائيات ابن جريج عبد الملك
بن عبد العزيز بن جريج والذي له جزء مطبوع
وهو يروي عن عطاء بن أبي رباح وعطاء أدرك
ابن عباس وابن عمر وجابراً وغيرهم من الصحابة
ويروي عن نافع عن ابن عمر
ويروي عن مجاهد ومجاهد سمع ابن عباس وابن
عمر وغيرهم من الصحابة بل له تفسير معروف
عن مجاهد
ويروي عن ابن أبي مليكة وابن أبي مليكة
سمع عائشة وابن عباس وابن عمر وغيرهم
ولابن جريج شيوخ أخر وثلاثيات وإنما أذكر
هذا لأقرب لك شدة قرب إسناده من النبي صلى الله عليه وسلم وابن جريج كان يعيش في
مكة
وابن جريج حاله كحال مالك في اتفاق الأمة
على تعديله بالجملة وموافقة الثقات له إذا رووا ما روى واشتهاره بالعلم وتعذر
التفرد عنه بالمرفوع المتصل
ومن أصحاب الثنائيات الإمام الكوفي سفيان
الثوري
فهو يروي عن حميد عن أنس
وعن ابن المنكدر عن جابر
وعن أبي الزبير عن جابر
وعن أبي حازم عن سهل
وعن أبي إسحاق عن البراء
وعن عمرو بن دينار عن ابن عباس
وعن محارب بن دثار عن ابن عمر وجابر
وسمع من سماك بن حرب أحسن السماع وسماك
سمع من النعمان بن بشير وجابر بن سمرة وكلاهما صحابي
وسفيان له كتاب في التفسير وله جامع فقد
ولكن أحاديثه تملأ الكتب والتفرد عنه بمرفوع متصل شبه مستحيل بل مستحيل حقاً إلا
على جهة الغلط من الراوي والأئمة يعدونه منكراً
ومن أصحاب الثنائيات من المصنفين أبو
إسحاق الفزاري وهذا له كتاب في السير مطبوع وهو يروي عن حميد عن أنس ولا أعلم
ثنائياً غير هذا
ومن أصحاب الثنائيات موسى بن عقبة صاحب
المغازي المشهورة والتي إن فقد عين الكتاب إلا أنه مبثوت في عشرات الكتب الحديثية
وهذا يروي عن الزهري عن شيوخه من الصحابة
الذين تقدم ذكر بعضهم
ويروي عن نافع عن ابن عمر وكتابه في
المغازي معروف في زمن السلف بل إنه حج مع ابن عمر وسمع أم خالد الصحابية
ويروي عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر (
وعبد الله سمعه مالك وسفيان أيضاً )
وله ثنائيات أخرى
ومن أصحاب الثنائيات معمر بن راشد
فهو يروي عن قتادة عن أنس ويروي عن ثابت
عن أنس ويروي عن أبي إسحاق عن البراء وغيره من الصحابة الذين سمعهم أبو إسحاق
ويروي عن عمرو بن دينار عن ابن عباس ويروي عن همام بن منبه عن أبي هريرة ويروي عن
الزهري عن شيوخه من الصحابة
ومعمر له كتاب الجامع وله تفسير عن قتادة
ومن أصحاب الثنائيات سعيد بن أبي عروبة
وله كتاب المناسك يروي عن قتادة عن أنس ويروي عن النضر بن أنس عن أبيه ويروي عن
أبي رجاء العطاردي التابعي الكبير الذي يروي عن سمرة وابن عباس ويروي عن أبي نضرة
العبدي عن أبي سعيد
ومن أصحاب الثنائيات الإمام الليث بن سعد
الإمام المصري قرين مالك وهو يروي عن عطاء
بن أبي رباح الذي سمع جمعاً من الصحابة وهو من كبار فقهاء التابعين ويروي عن قتادة
الذي سمع أنساً وهو من كبار فقهاء التابعين ويروي عن نافع عن ابن عمر ويروي عن
الزهري عن شيوخه من الصحابة وغيرهم ويروي عن أبي الزبير عن جابر ويروي عن يحيى بن
سعيد الأنصاري عن أنس وغيرها
والليث مصنف بل له مذهب فقهي
ومن أصحاب الثنائيات ابن أبي نجيح تلميذ
مجاهد وله تفسير يثنون عليه
ومن أصحاب الثنائيات الأوزاعي الإمام
الشامي وهو سمع الزهري وقتادة ويروي عن شداد أبي عمار عن واثلة وله غيرها فيما أظن
وله كتاب السير ولأبي يوسف صاحب الرأي رد
عليه
ومن أصحاب الثنائيات الإمام حماد بن سلمة
فهو سمع ثابتا الراوي عن أنس وسمع حميداً وسمع قتادة وغيرهم ممن يصل للصحابة بواحد
فيما أظن وحماد بن سلمة وقد ذكروا أن حماد بن سلمة له مصنف وهو وإن فقد إلا أن أحاديث
حماد بن سلمة فاشية في الكتب وهو على سمت من ذكرنا لا يكاد أحد يستطيع الانفراد
عنه بحديث مرفوع متصل وهو بصري
ومن أصحاب الثنائيات محمد بن إسحاق صاحب
السيرة وسيرته معتمدة وقد تتملذ على الزهري وقد أثنى الزهري عليه في السيرة ويروي
عن سعيد المقبري عن أبي هريرة وعن مكحول الشامي الذي سمع بعض الصحابة وغيرهم ممن
يثني الراوي عنهم
ومن أصحاب الثنائيات المصنفين سفيان بن
عيينة وهذا سمع من الزهري وسمع من عبد الله بن دينار وسمع عمرو بن دينار ومن محارب
بن دثار وكلهم سمعوا الصحابة وسفيان هذا أكثر المذكورين تلاميذا لأنه طال به العمر
حتى أنك لا تجد حديثاً مرفوعاً يروى
متصلاً من طريقه إلا ويرويه جمع من الأئمة فقد تتلمذ عليه أحمد والشافعي وإسحاق
والحميدي وابن المديني وغيرهم
ومن أصحاب الثنائيات شعبة بن الحجاج وقد
جمع حديثه في أجزاء وله من جمعه هو وهو قرين سفيان يشركه في كثير من الثنائيات
التي ذكرناها عن سفيان الثوري وينفرد عنه بأمور
ومن أصحاب الثنائيات عبد الله بن المبارك
تتلمذ على حميد وداود بن قيس الفراء وعبد الله بن محمد بن عقيل وسليمان التيمي
وعاصم الأحول وعكرمة بن عمار ويحيى بن سعيد الأنصاري وغيرهم ممن سمع بعض الصحابة
وابن المبارك له مسند وكتاب في الجهاد وكتاب في الزهد وكتاب في الصلة كلها مطبوعة
وموجودة
ومن أصحاب الثنائيات إبراهيم بن طهمان
الذي أدرك فتنة الجهمية وكتب عليهم فقد سمع من سماك بن حرب وسماك سمع جابر بن سمرة
والنعمان بن بشير
وهنا وقفة : عامة أصحاب الثنائيات أئمة
معروفين وتواترت عنهم الرواية بل منهم أئمة في الفقه لهم مذاهب وهم مالك وسفيان
الثوري والليث بن سعد والأوزاعي أو على
الأقل أئمة مشاهير وهناك أصحاب ثنائيات صنفوا كيزيد بن هارون وأضرابه ما ذكرتهم
اختصاراً
والحسن بن صالح كان من أصحاب الثنائيات
ولكن قلت الرواية عنه بسبب بدعته ومع ذلك له مذهب وشهرة
ويلاحظ أن معظمهم اتفق الناس على تعديلهم
ولا يشركهم غيرهم في الرواية إلا ويوافقهم وأنهم ممتدون على أمصار مختلفة فمنهم
المصري ومنهم المكي ومنهم المدني ومنهم الكوفي ومنهم البصري ومنهم الواسطي ومنهم
الشامي فالتواطؤ غاية في البعد وجمعوا
الأخبار ودونوها وانتشرت كتبهم بين الناس فلو أن البخاري نظر في كتب هؤلاء فقط
واستخرج عليها بمعنى روى أخبارهم بأسانيده لتحصل له بسهولة جزء كبير من الصحيح
خصوصاً وأن اخبارهم على تقتصر على الثنائيات بل لهم ثلاثيات ورباعيات ولهم روايات
لفتاوى الصحابة والتابعين التي تعضد الأخبار ، وحتى أهل الرأي أبي حنيفة وأصحابه
مع شدة خلافهم مع أهل الحديث ما كانوا يطعنون عليهم في الرواية والفرق الأخرى التي
ظهرت لاحقاً كالزيدية والرافضة ليس عندهم منهج حديثي دقيق ولا رواية على وزن رواية
أهل السنة أو الوقت المبكر لتدوينها ومع ذلك معظم أحاديثهم يأخذونها من كتب أهل
السنة ويذكرونها بأسانيدهم التي يخترعونها ويقحمون أئمتهم بها حتى إنك لتجد
المعتزلي القح كالزمخسري يصنف في التفسير فإذا جاء للمأثور ذكر أخبار أهل السنة
ولا يسند من طريق أصحابه المعتزلة إذ لا معرفة لهم بالحديث ولا عناية لهم بطلبه
فكيف إذا علمت أنه قد جاء مصنفون جمعوا
حديث هؤلاء وزادوا عليه في مصنفات كبيرة
فمنهم عبد الرزاق فقد تتلمذ على مالك
والثوري وابن عيينة ومعمر وابن جريج وغيرهم وجمع حديثهم في مصنفه المشهور
ومنهم تلاميذ ابن عيينة كالحميدي وأحمد
وإسحاق وغيرهم
ومنهم من تتلمذ على مالك وابن عيينة
ونظرائهم كالشافعي
ومنهم من تتملذ على مالك وشعبة وسفيان
وغيرهم كعلي بن الجعد ( وهو شيخ مباشر للبخاري )
وكثر التصنيف في هذه الطبقة جداً بما لم
يمكن حصره بسهولة
وكان يكفي البخاري النظر في مسند شيخه
أحمد وشيخه إسحاق وشيخه الحميدي ليجمع عامة مادة الصحيح فكيف وهو له رحلته وله
اطلاعه الواسع على كتب غيرهم وله معرفته بالعلل التي أخذها عن ابن المديني
وقد حفظ البخاري كتب ابن المبارك وهو صغير
وكل من نظر في تصانيف البخاري علم أن الصحيح لا يمثل إلا جزءاً من محفوظاته
الواسعة وأنه الابداع كان في الترتيب والانتقاء وإلا فعامة المسانيد التي صنفها
شيوخه والمصنفات التي صنفها شيوخه وشيوخ شيوخه أكبر من كتابه الصحيح بكثير
إذا علمت فاعلم أن صحيح البخاري لا يوجد فيه
حديث إلا وهو موجود في مصادر أخرى أعلى منه وموازية بنفس السند والمتن وإنما يقع
الاختلاف في شيخ البخاري أو شيخ شيخه هذا إن وقع أصلاً وقد يتفق هذا كله
وأن المذاهب الفقهية المشهورة سواء مذاهب
أهل الرأي أو مذاهب أهل الحديث استقرت وانتشرت قبل أن يولد البخاري أصلاً ،
وانطفأت جذوة الجدل الفقهي العالي بين أهل الرأي وأهل الحديث بعد الهجمة الغضنفرية
التي شنعها الشافعي على أهل الرأي عندما كان البخاري صغيراً
إذا علمت هذا فاعلم أن عامة أحاديث
البخاري مشروحة ومأخوذ منها ما يحتاج إليه في ضروريات الدين قبل أن يولد فدعوى أن
الأمة كانت تائهة عن فقه كتاب البخاري حتى جاء بعض الجهمية وشرحه كلام فارغ
وأقدم شرح للصحيح شرح الخطابي والذي أظهر
منافرة للأشعرية في كتابه الغنية وهناك كتب كبيرة في الغريب شرحت أحاديث البخاري
وغيره ككتب الحربي وأبي عبيد وابن قتيبة وغيرهم
وهناك شرح السنة للبغوي وهو على مذهب
الأشعري في مقالات الإسلاميين والذي يعده متأخري الأشعرية تجسيماً
وشروح البخاري قبل شرح ابن حجر كثيرة وهو
نفسه انتفع بها وفعلاً كثير ممن شرح الصحيح عنده انحرافات عقدية ولكن الميل لطريقة
متأخري الأشعرية منكري العلو هذه خصوصية لابن حجر مع إقحام القبوريات
وإنما يأتي التجديد في استخراج
الاستنباطات الدقيقة والردود على أحدوثات المتكلمين وغلاة الصوفية ومتعصبة المذاهب
من الأحاديث وهذا لم يكن باب ابن حجر لأنه نفسه متأثر بكثير من هذا بل ربما حمل
الأحاديث على هذه البلايا قسراً وإنما هذا باب أمثال ابن تيمية وابن القيم
وابن رجب
وابن حجر عنده توسع ظاهر في إيراد
الزيادات الشاذة التي اجتنبها البخاري والتوسع في ذلك وتقويتها والتحشية بذلك على
الصحيح ولشرحه عيوب أخرى ليس هذا محل ذكرها وما فيه من علم وخير إنما هو المنقول
من غيره ممن هو أحسن عقيدة منه
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم