نقد كتاب فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام للدكتور غالب العواجي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فمن الكتب المنتشرة للراغبين في دراسة حال الفرق المعاصرة كتاب الدكتور
غالب العواجي

وسبب ذلك عدة أمور منها أن المصنف دكتور في العقيدة وفي جامعة سعودية فذلك
أدعى لئن يتلقى الناس ما في كتابه بالقبول

لذا كان لا بد من بيان ما في كتابه من خطل

قال الدكتور غالب عواجي في كتابه الآنف الذكر وهو ينقل عقيدة أهل السنة
عن الأشعري :” وقالوا _ يعني أهل السنة _ : إن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً
قبل أن يفعله، أو يكون أحد يقدر أن يخرج عن علم الله، أو أن يفعل شيئاً علم الله أنه
لا يفعله”

وهذا غلط على أهل السنة بل هو قول الجبرية

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (8/371) :” قَدْ تَكَلَّمَ
النَّاسُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي ” اسْتِطَاعَةِ الْعَبْدِ
” هَلْ هِيَ مَعَ فِعْلِهِ أَمْ قَبْلَهُ ؟ وَجَعَلُوهَا قَوْلَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ
فَقَوْمٌ جَعَلُوا الِاسْتِطَاعَةَ مَعَ الْفِعْلِ فَقَطْ وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ
عَلَى مُثْبِتَةِ الْقَدَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ
وَافَقَهُمْ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ . وَقَوْمٌ جَعَلُوا الِاسْتِطَاعَةَ قَبْلَ
الْفِعْلِ وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى الْنُّفَاةِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ
وَجَعَلَ الْأَوَّلُونَ الْقُدْرَةَ لَا تَصْلُحُ إلَّا لِفِعْلِ وَاحِدٍ إذْ هِيَ
مُقَارِنَةٌ لَهُ لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ وَجَعَلَ الْآخَرُونَ الِاسْتِطَاعَةَ لَا تَكُونُ
إلَّا صَالِحَةً لِلضِّدَّيْنِ وَلَا تُقَارِنُ الْفِعْلَ أَبَدًا وَالْقَدَرِيَّةُ
أَكْثَرُ انْحِرَافًا ؛ فَإِنَّهُمْ يَمْنَعُونَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْفِعْلِ قُدْرَةً
بِحَالِ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْأَثَرِ
لَا يُقَارِنُهُ بِحَالِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ وَالْأَمْرُ

وقال شيخ الإسلام وهو ينقض قول الأشاعرة بأن الاستطاعة لا تكون إلا مع
الفعل ( يريدون بذلك أن العبد لا قدرة عنده وهو الجبر الصريح )

 كما في مجموع الفتاوى (8/480)
:” بَلْ نُصُوصُهُمْ مُسْتَفِيضَةٌ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ
مِنْ إثْبَاتِ اسْتِطَاعَةٍ لِغَيْرِ الْفَاعِلِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلِلَّهِ
عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } وقَوْله تَعَالَى
{ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } { وَقَوْلِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ : صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ
لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ } . وَاتَّفَقُوا
عَلَى أَنَّ الْعِبَادَاتِ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مُسْتَطِيعٍ وَأَنَّ الْمُسْتَطِيعَ
يَكُونُ مُسْتَطِيعًا مَعَ مَعْصِيَتِهِ وَعَدَمِ فِعْلِهِ كَمَنْ اسْتَطَاعَ مَا أُمِرَ
بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَلَمْ يَفْعَلْهُ فَإِنَّهُ
مُسْتَطِيعٌ بِاتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْعِقَابِ
عَلَى تَرْكِ الْمَأْمُورِ الَّذِي اسْتَطَاعَهُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ لَا عَلَى تَرْكِ
مَا لَمْ يَسْتَطِعْهُ . وَصَرَّحُوا بِمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو الْعَبَّاسِ
ابْنُ سُرَيْجٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى الْفِعْلِ
تَصْلُحُ لِلضِّدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ حِينَ الْفِعْلِ مُسْتَطِيعًا أَيْضًا
عِنْدَهُمْ فَهُوَ مُسْتَطِيعٌ عِنْدَهُمْ قَبْلَ الْفِعْلِ وَمَعَ الْفِعْلِ وَهُوَ
حِينَ الْفِعْلِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا تَارِكًا فَلَا يَقُولُونَ
: إنَّ الِاسْتِطَاعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا قَبْلَ الْفِعْلِ ، كَقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ
وَلَا بِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا مَعَ الْفِعْلِ كَقَوْلِ الْمُجَبِّرَةِ بَلْ يَكُونُ
مُسْتَطِيعًا قَبْلَ الْفِعْلِ وَحِينَ الْفِعْلِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : الْعُلَمَاءُ
قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعَبْدَ يَفْعَلُهَا قَسْرًا . يُقَالُ لَهُ : لَمْ يُصَرِّحْ
بِهَذَا أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ الْمَشْهُورِينَ
وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَكَابِرِ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَإِنَّمَا يُصَرِّحُ
بِهَذَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ سَلَكُوا مَسْلَكَ جَهْمٍ وَمَنْ وَافَقَهُ
وَلَيْسَ هُوَ لِأَهْلِ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ بَلْ وَلَا جُمْهُورِهِمْ وَلَا أَئِمَّتِهِمْ
بَلْ هُمْ عِنْدَ أَئِمَّةِ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ “

فالقول الذي نسبه الأشعري لأهل السنة هو في الحقيقة عند السلف من البدع
المنكرة وهو قول الجبرية

والجويني شنع على إمامه الأشعري في هذه المسألة وتهكم به وقال أن مذهبه
لا يرتضيه عاقل

قال الزركشي في البحر المحيط (2/55) :” [ التَّنْبِيهُ ] الْأَوَّلُ
أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ لَمَّا حَكَى الْقَوْلَ بِأَنَّ الْفِعْلَ حَالَ حُدُوثِهِ
مَأْمُورٌ بِهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ مَذْهَبَ الشَّيْخِ فِي الْقُدْرَةِ _ يعني أبا الحسن
الأشعري _ ، ثُمَّ قَالَ : وَمَذْهَبُهُ مُخْتَبَطٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .

ثُمَّ قَالَ : لَوْ سَلَّمَ مُسْلِمٌ لِأَبِي الْحَسَنِ مَا قَالَهُ فِي
الْقُدْرَةِ جَدَلًا فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَهُ كَوْنُ الْحَادِثِ مَأْمُورًا ، هَذَا
حَاصِلُهُ .

وَمَذْهَبُهُ فِي الْقُدْرَةِ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ أَبِي الْحَسَنِ ،
ثُمَّ أَلْزَمَ الشَّيْخُ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ .

ثُمَّ قَالَ : فَقَالَ فِي الْحَادِثِ : هَذَا هُوَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ
الْمُخَاطَبُ ، فَأَمَّا أَنْ يَتَّجِهَ الْقَوْلُ فِي تَعَلُّقِ الْأَمْرِ طَلَبًا
وَاقْتِضَاءً مَعَ حُصُولِهِ ، فَلَا يَرْضَى هَذَا الْمَذْهَبَ الَّذِي لَا يَرْتَضِيهِ
لِنَفْسِهِ عَاقِلٌ “

وهذا يدل على أن الأشعري بقي جبرياً حتى بعد تحسنه في باب الصفات

وقال غالب عواجي في كتابه آنف الذكر وهو يعدد كتب عقيدة أهل السنة
:” – الأشعري بعد رجوعه إلى مذهب السلف في كتابه “الإبانة عن أصول الديانة”
والمقالات”

والأشعري لم يرجع إلى اعتقاد السلف بل بقي جبرياً في الإبانة ومقالات الإسلاميين
كما بينته آنفاً ولبسط هذه المسألة مقام آخر

وقال غالب العواجي في فرق تنتسب إلى الإسلام :” مرجئة السنة: وهم
الأحناف: أبو حنيفة وشيخه حماد بن أبى سليمان ومن أتبعهما من مرجئة الكوفة وغيرهم،
وهؤلاء أخروا العمل عن حقيقة الإيمان”

أقول : مرجئة الفقهاء ليسوا من أهل السنة وتسميتهم بمرجئة أهل السنة بدعة
ومحدث وإذا كان الإمام أحمد لم يعترض على تبديع من يفضل علياً على عثمان فكيف بمن ينكر
زيادة الإيمان ونقصانه ودخول العمل في مسمى وجواز الاستثناء

ولا بد من بيان أمرين مهمين

الأول : هو أن مرجئة الفقهاء أقدم فرق المرجئة ظهوراً إذ أنها ظهرت قبل
ظهور الجهم بن صفوان الذي أحدث قول الجهمية في الإرجاء

قال عبد الله بن أحمد في السنة 594 : حدثني أبي ، نا هاشم بن القاسم ،
عن محمد يعني ابن طلحة ، عن سلمة بن كهيل ، قال : .

 وصف ذر الإرجاء وهو أول من تكلم
فيه ، ثم قال : إني أخاف أن يتخذ هذا دينا ، فلما أتته الكتب من الآفاق قال فسمعته
يقول بعد : وهل أمر غير هذا ؟ .

وذر بن عبد الله هذا كوفي ، وهو أعلى طبقةً من الجهم فإنه من كبار أتباع
التابعين ، وكان عنده من العلم ما حمل بعض الفقهاء كحماد بن سليمان وغيره على اتباعه
، بخلاف الجهم بن صفوان فإن الناس كانوا نافرين عنه لقبح مقالاته وقلة علمه

وأما مرجئة الكرامية ومرجئة الأشاعرة فما ظهرت إلا بعد ذلك بزمن ، وإن
كان قول الأشعرية في الإيمان مقارباً لقول الجهم

الأمر الثاني : أن قول الجهمية في الإيمان كفري عندنا وعند مرجئة الفقهاء

قال ابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/ 324) :” قد جامعتنا
في هذا المرجئة كلها على أن الإقرار باللسان من الإيمان إلا فرقة من الجهمية كفرت عندنا
، وعند المرجئة بزعمهم أن الإيمان هو المعرفة فقط بعد شهادة الله على قلوب من سماهم
كافرين بأنهم عارفون فضادوا خبر الله ، وسموا الجاحد بلسانه العارف بقلبه مؤمنا ، وأقرت
المرجئة إلا هذه الفرقة أن الإقرار من الإيمان وليس هو منه عمل القلب”

وبناءً على الحقيقتين السابقتين فإن المرجئة إذا أطلقوا إنما يراد بهم
مرجئة الفقهاء ، لأنهم أقدم في الظهور ، ولأن أهل العلم اعتادوا على تمييز الجهمية
بلقب ( الجهمية ) ، لأن ضلالهم أوسع من الضلال في مسائل الإيمان ، ثم إن ضلالهم في
مسائل الإيمان له خصوصية يرفضها حتى مرجئة الفقهاء

ومما يدل على أن السلف إذا أطلقوا ( المرجئة ) أرادوا بذلك مرجئة الفقهاء

ما روى الخلال في السنة 976: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَصْرَمَ , أَنَّ
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنِ الْمُرْجِئَةِ , مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : الَّذِينَ يَقُولُونَ
: الإِيمَانُ قَوْلٌ.

أقول : ومرجئة الجهمية لا يدخلون ( القول ) في مسمى الإيمان ، فهم ليسوا
مقصودين بهذا ، بل ما أراد إلا مرجئة الفقهاء فإن مرجئة الكرامية لم يدركوا أحمد

والآن مع الآثار السلفية في شأن المرجئة

1_ قال ابن سعد في الطبقات 9192:  أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ ، قَالَ :
حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، قَالَ : ذُكِرَ عِنْدَ
إِبْرَاهِيمَ الْمُرْجِئَةُ فَقَالَ : وَاللَّهِ إِنَّهُمْ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ.

أقول : وهذا إسنادٌ صحيح ، وإبراهيم النخعي أعلى طبقةً من ذر الهمداني
الذي أحدث الإرجاء ولم يدرك بدعة الجهمية لذا لا يحفظ له كلامٌ فيها ، بل يريد هنا
إرجاء الفقهاء الذي وقع فيه فيما بعد تلميذه حماد بن أبي سليمان ، ويبعد أن يطلق النخعي
كلمةً شديدة كهذه في قومٍ يراهم من أهل السنة

2_ قال ابن سعد في الطبقات 9188 : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ
قَالَ : حَدَّثَنَا مُحِلٌّ قَالَ : قَالَ لَنَا إِبْرَاهِيمُ : لاَ تُجَالِسُوهُمْ
يَعْنِي الْمُرْجِئَةَ.

أقول : والأمر بهجرانهم على مقالتهم يدل على أنهم عنده من أهل البدع

3_ قال عبد الله بن أحمد في السنة 541 : حدثني أبي ، نا إسماعيل ، عن أيوب
، قال : قال سعيد بن جبير غير سائله ولا ذاكرا ذاك له :   لا تجالس
طلقا يعني أنه كان يرى رأي المرجئة .

وسعيد بن جبير من شيوخ ذر الذين نسب إلى إحداث الإرجاء

قال الخلال في السنة وهو يحكي كتاب الإيمان للإمام أحمد 1354 : حَدَّثَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ،
عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ لِذَرٍّ:

مَا هَذَا الرَّأْيُ قَدْ أَحْدَثْتَ بَعْدِي؟ وَالزُّبَيْرُ بْنُ السَّيْقَلِ
يُغْنِيكُمْ بِالْقُرْآنِ؟

4_ قال عبد الله بن أحمد في السنة 624 : حدثني أبي ، نا عبد الله بن نمير
، عن جعفر الأحمر ، قال : قال منصور بن المعتمر – في شيء – : « لا أقول كما قالت المرجئة
الضالة المبتدعة »

وهذا تصريح بتبديعهم

5_ قال اللالكائي في السنة أخبرنا محمد بن المظفر المقرئ ، قال : حدثنا
الحسين بن محمد بن حبش المقرئ ، قال : حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ، قال
: سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين ، وما أدركا عليه العلماء في
جميع الأمصار ، وما يعتقدان من ذلك ، فقالا فذكرا اعتقاداً ومما جاء فيه :” فمن
قال : إنه مؤمن حقا فهو مبتدع ، ومن قال : هو مؤمن عند الله فهو من الكاذبين ، ومن
قال : هو مؤمن بالله حقا فهو مصيب . والمرجئة والمبتدعة ضلال”

أقول : وهذه مقالة جميع المرجئة

6_ قال عبد الله بن أحمد في السنة 534 : حدثني أبي ، نا حجاج ، سمعت شريكا
: وذكر المرجئة ، فقال هم أخبث قوم وحسبك بالرافضة خبثا ولكن المرجئة يكذبون على الله
تعالى

وكان شريك شديداً على المرجئة ، حتى أنه لم يقبل شهادة أبي يوسف

قال الخلال في السنة 1024: وَأَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ
, قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
آدَمَ , قَالَ : شَهِدَ أَبُو يُوسُفَ عِنْدَ شَرِيكٍ بِشَهَادَةٍ , فَقَالَ لَهُ
: قُمْ , وَأَبَى أَنْ يُجِيزَ شَهَادَتَهُ , فَقِيلَ لَهُ : تُرَدُّ شَهَادَتُهُ
, فَقَالَ : أُجِيزُ شَهَادَةَ رَجُلٍ يَقُولُ : الصَّلاَةُ لَيْسَتْ مِنَ الإِيمَانِ
؟.

7- قال الخلال في السنة 974: أَخْبَرَنِي حَرْبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , قَالَ
: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ , قَالَ : الرَّجُلُ يَقُولُ : أَنَا مُؤْمِنٌ
حَقًّا ؟ قَالَ : هُوَ كَافِرٌ حَقًّا.

975- أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ , قَالَ : حَدَّثَنَا زِيَادُ
بْنُ أَيُّوبَ , قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ , يَقُولُ : لاَ يُعْجِبُنَا
أَنْ نَقُولَ : مُؤْمِنٌ حَقًّا , وَلاَ نُكَفِّرُ مَنْ قَالَهُ.

أقول : قول إسحاق بالتكفير لا أعلم أحداً تابعه عليه ، والمقالة ذكرها
مقالة جميع فرق المرجئة

وقد عقد الخلال فصلاً في مناكحة المرجئة واللالكائي فصلاً في هجرانهم وأوردا
ما جاء عن السلف في ذم مرجئة الفقهاء ، مما يدل على أنهم من أهل البدع عندهم فإذا قلنا
أنهم يهجرون وقولهم بدعة لم يكن لقولنا أنهم ( من أهل السنة ) بعد ذلك معنى

وقال ابن بطة في الإبانة الكبرى (3/97) :” والمرجئة تزعم أن الصلاة
والزكاة ليستا من الإيمان ، فقد أكذبهم الله عز وجل ، وأبان خلافهم . واعلموا رحمكم
الله أن الله عز جل لم يثن على المؤمنين ، ولم يصف ما أعد لهم من النعيم المقيم ، والنجاة
من العذاب الأليم ، ولم يخبرهم برضاه عنهم إلا بالعمل الصالح ، والسعي الرابح ، وقرن
القول بالعمل ، والنية بالإخلاص ، حتى صار اسم الإيمان مشتملا على المعاني الثلاثة
لا ينفصل بعضها من بعض ، ولا ينفع بعضها دون بعض ، حتى صار الإيمان قولا باللسان ،
وعملا بالجوارح ، ومعرفة بالقلب خلافا لقول المرجئة الضالة”

فنعتهم بالضلال

8_ قال الخلال في السنة 1146- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ
, وَسُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ , وَأَحْمَدُ بْنُ أَصْرَمَ الْمُزَنِيُّ , وَهَذَا
لَفْظُ سُلَيْمَانَ , قَالَ : قُلْتُ لأَحْمَدَ : يُصَلَّى خَلْفَ الْمُرْجِئِ ؟ قَالَ
: إِذَا كَانَ دَاعِيَةً فَلاَ يُصَلَّى خَلْفَهُ.

1147- وَأَخْبَرَنِي حَرْبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ
, يَقُولُ : لاَ يُصَلَّى خَلْفَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الإِيمَانَ قَوْلٌ إِذَا كَانَ
دَاعِيَةً.

أقول : وأحمد هنا لا يعني إذا مرجئة الفقهاء ، فإن الجهمية عنده كفار لا
تختلف عنه الرواية في ترك الصلاة خلفهم متى قدر المرء على ذلك سواءً كانوا دعاةً أو
غير دعاة

قال العقيلي في الضعفاء (4/444) : حدثنا عبد الله بن أحمد قال سألت أبي
عن أسد بن عمرو وأبي يوسف فقال أصحاب أبي حنيفة لا ينبغي أن يروى عنهم “

أقول : أبو يوسف في نفسه ، فالترك له إنما كان لأمرٍ زائدٍ على الضعف ،
وهو البدعة وعدم الاحتياج لحديثه

فإن قيل : لعله أخذ عليهم الرأي

قلت : هذا أبلغ في تقرير الحجة لأن الإرجاء أشد من القول بالرأي

9_ قال الخلال في السنة 981- وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ,
أَنَّ أَبَا الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ , قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : كَانَ
شَبَابَةُ يَدْعُو إِلَى الإِرْجَاءِ , وَكَتَبْنَا عَنْهُ قَبْلَ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّهُ
كَانَ يَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ , كَانَ يَقُولُ : الإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ
, فَإِذَا قَالَ : فَقَدْ عَمِلَ بِلِسَانِهِ , قَوْلٌ رَدِيءٌ.

982- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ
الأَثْرَمُ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , وَقِيلَ لَهُ : شَبَابَةُ ,
أَيُّ شَيْءٍ تَقُولُ فِيهِ ؟ فَقَالَ : شَبَابَةُ كَانَ يَدْعُو إِلَى الإِرْجَاءِ
, قَالَ : وَقَدْ حُكِيَ عَنْ شَبَابَةَ قَوْلٌ أَخْبَثُ مِنْ هَذِهِ الأَقَاوِيلِ
, مَا سَمِعْتُ أَحَدًا عَنْ مِثْلِهِ , قَالَ : قَالَ شَبَابَةُ : إِذَا قَالَ فَقَدْ
عَمِلَ , قَالَ : الإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ كَمَا يَقُولُونَ : فَإِذَا قَالَ فَقَدْ
عَمِلَ بِجَارِحَتِهِ أَيْ بِلِسَانِهِ . فَقَدْ عَمِلَ بِلِسَانِهِ حِينَ تَكَلَّمَ
, ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : هَذَا قَوْلٌ خَبِيثٌ , مَا سَمِعْتُ أَحَدًا
يَقُولُ بِهِ , وَلاَ بَلَغَنِي.

أقول : وقول شبابة هذا قريبٌ من قول مرجئة الفقهاء مع حيلة ، والإمام أحمد
ترك الكتابة عنه

وسرد نصوص السلف في هذا الباب يطول ، والمراد هنا الإشارة المفهمة

وقد نقل شيخ الإسلام الاتفاق على تبديعهم

وقال العواجي :” لقد انتسب إلى الأشعري جماعة من المشاهير كان لهم
الباع الطويل في تحرر المذهب الذي ينتسبون إليه. إلا إنهم لم يكونوا على طريقة أبي
الحسن الأشعري والمتقدمين من أصحابه في إثبات الصفات.

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (10/748) :” حتى أن الأئمة
كوكيع بن الجراح وأحمد بن حنبل وأبى عبيدة وغيرهم كفروا من قال فى الإيمان بهذا القول
بخلاف المرجئة من الفقهاء الذين يقولون هو تصديق القلب واللسان فإن هؤلاء لم يكفرهم
أحد من الأئمة وإنما بدعوهم”

وقال ابن عبد البر في الانتقاء في فضائل الثلاثة الفقهاء ص146 :”
كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ اسْتَجَازُوا الطَّعْنَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ لِرَدِّهِ
كَثِيرًا مِنْ أَخْبَارِ الآحَادِ الْعُدُولِ لأَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ فِي ذَلِكَ إِلَى
عَرْضِهَا عَلَى مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنَ الأَحَادِيثِ وَمَعَانِي الْقُرْآنِ فَمَا
شَذَّ عَنْ ذَلِكَ رَدَّهُ وَسَمَّاهُ شَاذًّا وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا يَقُولُ
الطَّاعَاتُ مِنَ الصَّلاةِ وَغَيْرِهَا لَا تُسَمَّى إِيمَانًا وَكُلُّ مَنْ قَالَ
مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يُنْكِرُونَ قَوْلَهُ وَيُبَدِّعُونَهُ
بِذَلِكَ “

ومن كبار أولئك الرجال:

أبو بكر الباقلاني المتوفي سنة 403 هـ.

البيضاوي المتوفي سنة 701 هـ.

الشريف الجرجاني المتوفي سنة 816 هـ.

وكذا الإمام الجويني (الأب)، وهو أبو محمد عبد الله بن يوسف الجويني والد
إمام الحرمين المتوفى سنة 438 هـ”

وهذا غلط فالباقلاني من متقدمي أصحاب الأشعري ومتقدمو أصحاب الأشعري كانوا
ينفون الصفات الفعلية ويثبتون الذاتية وطريقتهم في الإثبات ليست طريقة أهل السنة فإنهم
يقولون ( لله يدان ليستا بجارحتين ) وهذه طريقة بدعية في الإثبات

ثم إنهم يقولون بالكلام النفسي الذي هو قول بخلق القرآن أيضاً

قال العواجي :” وأما قدماء الأشاعرة الذين كانوا على مذهب أبي الحسن
الأشعري في إثبات صفات الله تعالي فمنهم: الباقلاني: أبو بكر محمد بن الطيب، والطبري:
أبو الحسن الطبري، والباهلي: أبو عبد الله بن مجاهد، وهؤلاء مشوا على الطريقة السلفية
في باب الصفات”

وهذا غلط تقدم بيانه

فأما الباقلاني فملخص حاله أنه قال بخلق القرآن عن طريق بدعة الكلام النفسي
، ونصر مذهب جهم في الإيمان ونصر مذهب جهم في القدر وقال بإيمان فرعون ، ولم يكن من
أهل الحديث بل كان متكلماً صاحب جدل وقد بدعه علماء عصره

وقال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل (2/ 98) :” قال الشيخ
أبو الحسن وكان الشيخ ابو حامد الإسفرايني شديد الإنكار على الباقلاني وأصحاب الكلام
قال ولم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوا الى الأشعري ويتبرؤن مما بنى
الأشعري مذهبه عليه وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه على ما سمعت عدة من المشايخ
والأئمة منهم الحافظ المؤتمن بن أحمد بن على الساجي يقولون سمعنا جماعة من المشايخ
الثقات قالوا كان الشيخ أبو حامد أحمد بن أبي طاهر الإسفرايني إمام الأئمة الذي طبق
الأرض علما وأصحابا اذا سعى الى الجمعة من قطعية الكرج الى جامع المنصور يدخل الرباط
المعروف بالزوزي المحاذي للجامع ويقبل على من حضر ويقول اشهدوا على بأن القرآن كلام
الله غير مخلوق كما قاله الإمام ابن حنبل لا كما يقوله الباقلاني وتكرر ذلك منه جمعات
فقيل له في ذلك فقال حتى ينتشر في الناس وفي أهل الصلاح ويشيع الخبر في أهل البلاد
أني بريء مما هم عليه يعني الأشعرية وبريء من مذهب ابي بكر بن الباقلاني فإن جماعة
من المتفقهة الغرباء يدخلون على الباقلاني خفية وقرؤون عليه فيفتنون بمذهبه فإذا رجعوا
الى بلادهم أظهروا بدعتهم لا محالة فيظن ظان أنهم منى تعلموه قبله وأنا ما قلته وأنا
بريء من مذهب البلاقلاني وعقيدته

قال الشيخ أبو الحسن الكرجي وسمعت شيخي الإمام أبا منصور الفقيه الأصبهاني
يقول سمعت شيخنا الأمام أبا بكر الزاذقاني يقول كنت في درس الشيخ أبي حامد الإسفرانين
وكان ينهي أصحابه عن الكلام وعن الدخول على الباقلاني فبلغه أن نفرا من أصحابه يدخلون
عليه خفية لقراءة الكم فظن أني معهم ومنهم وذكر قصة قال في آخرها إن الشيخ أبا حامد
قال لي يا بني قد بلغني أنك تدخل على هذا الرجل يعني الباقلاني فإياك وإياه فإنه مبتدع
يدعو الناس الى الضلالة وإلا فلا تحضر مجلسي”

وقال أبو نصر السجزي في الرد على من أنكر الحرف والصوت ص155 :” ومنكر
القرآن العربي وأنه كلام الله كافر بإجماع الفقهاء ومثبت قرآن لا أوّل له ولا آخر كافر
بإجماعهم، ومدعي قرآن لا لغة فيه جاهل غبي عند العرب”

وهذا هو قول الأشاعرة كلهم متقدمهم ومتأخرهم فهم يرون أن كلام الله معنى
نفسي إذا ترجم للعربية صار قرآنا وإذا ترجم للسريانية صار إنجيلاً ، وليس هو الذي بين
أيدينا بل هو شيء واحد لا تتابع فيه ولا أي سمة من سمات الحدوث

وقد عد السجزي الباقلاني وابن فورك من أئمة الضلالة

وقال السجزي في رسالته المذكورة :” ثم بلي أهل السنة بعد هؤلاء بقوم
يدعون أنهم من أهل الاتباع. وضررهم أكثر من ضرر (المعتزلة) وغيرهم، وهم: أبو محمد بن
كلاب

وأبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري.

وبعدهم: (محمد بن أبي تريد بسجستان وأبو عبد الله بن مجاهد بالبصرة.

وفي وقتنا: أبو بكر بن الباقلاني ببغداد، وأبو إسحاق الاسفرائيني

وأبو بكر بن فورك بخراسان فهؤلاء يردون على (المعتزلة) بعض أقاويلهم. ويردون
على أهل الأثر أكثر مما ردّوه على المعتزلة.

وظهر بعد هؤلاء: الكرامية، والسالمية فأتوا بمنكرات من القول.

وكلهم أئمة ضلالة يدعون الناس إلى مخالفة السنة وترك الحديث وإذا خاطبهم
من له هيبة وحشمة من أهل الاتباع قالوا: الاعتقاد ما تقولونه وإنما نتعلم الكلام لمناظرة
الخصوم. والذي يقولونه (كذب) وإنما يستترون بهذا لئلا يشنع عليهم أصحاب الحديث”

والبقية كالباقلاني والله المستعان

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم