فقد وقع في عصرنا صنوفٌ من مظاهر العجلة في طلب العلم ، فوجدت الدورات
الصاروخية التي يتم فيها إنهاء بعض الكتب الكبيرة أو المتوسطة في أيام معدودة ، ووجدت
الدورات السريعة لحفظ القرآن فصرنا نسمع بمن حفظ القرآن في شهر ! وشهرين ! وثلاثة
!
ومن تلكم المظاهر مجالس السماع المعاصرة التي يتم فيها قراءة بعض أمهات
كتب السنة مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم وربما مسند الإمام أحمد في أسبوع أو ثلاثة أو
أربعة
وإني على علم أن الكلام على هذه المجالس ربما أحفظ بعض الإخوة ولكن الدين
النصيحة
قال الإمام البخاري في كتاب العلم :” باب: من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم
عنه”
ثم أورد حديث :” اللهم هل بلغت ” ثم قال /95 – حدثنا عبده قال:
حدثنا عبد الصمد قال: حدثنا عبد الله بن المثنى قال: حدثنا ثمامة بن عبد الله، عن أنس،
عن النبي صلى الله عليه وسلم:أنه كان إذا سلم سلم ثلاثا، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا.
(95) – حدثنا عبده بن عبد الله: حدثنا عبد الصمد قال: حدثنا عبد الله بن
المثنى قال: حدثنا ثمامة بن عبد الله، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا، حتى تفهم عنه، وإذا أتى على قوم
فسلم عليهم، سلم عليهم ثلاثا.
قال أبوجعفر : فأين هذا من ذلك السرد السريع جداً التي يحصل في مجالس السماع
اليوم ، فالغاية الفهم والتفقه لا مجرد إنهاء الكتب
قال الإمام البخاري (3375) وقال الليث: حدثني يونس، عن ابن شهاب أنه قال:
أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة أنها قالت:ألا يعجبك أبو فلان، جاء فجلس إلى جانب
حجرتي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعني ذلك، وكنت أسبح، فقام قبل أن أقضي
سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث
كسردكم.ورواه مسلم 2493
أقول : فانظر كيف أنكرت على هذا الصحابي الجليل سرده للحديث ، علماً بأن
سرده يختلف كثيراً مما يقع في مجالس السماع اليوم فإن كلامه كان يفهم ولا أظنه كان
يثقل كواهل الناس بسماع مئات الأحاديث في المجلس الواحد !
قال أبو داود 4839: حدثنا عثمان وأبو بكر ابنا أبي شيبة قالا: ثنا وكيع،
عن سفيان، عن أسامة، عن الزهري عن عروة، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت:
كان كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلاماً فَصْلاً يفهمه كلُّ من
سمعه.
أقول : فأين هذا من حال القراء في تلك المجالس !
قال عفان بن مسلم في [ حديثه 261 ] :” حدثنا بشر بن المفضل عن خالد
الحذاء : كنا نأتي أبا قلابة فإذا حدثنا بثلاثة أحاديث قال :- قد أكثرت “
قال الذهبي في الموقظة ص19 :”
وكان الحُفَّاظُ يَعقِدون مجالسَ للإملاء ، وهذا قد عُدِمَ اليوم ،
والسماع بالإملاء يكون مُحقَّقاً ببيانِ الألفاظِ للمُسمِع والسامع .
ولْيجتنِبْ روايةَ المشكلات ، مما لا تحملُه قلوبُ العامَّة ، فإن رَوَى
ذلك فليكن في مجالس خاصة . وَيَحرُمُ عليه روايةُ الموضوع ، وروايةُ المطروح ، إلا
أن يُبيّنَه للناسِ ليَحذّرُوه”
وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوزن عشر آيات حتى يتعلموا
ما فيها من العلم والعمل ، لأن الغاية ليست حفظ الحروف فقط ، وإنما المراد العمل ،
ولا يتأتى العمل بهذا السرد السريع الذي لا يفهم
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (7/ 157) :” دَعْنَا مِنْ هَذَا
كُلِّه، فَلَيْسَ طَلَبُ الحَدِيْثِ اليَوْمَ عَلَى الوَضعِ المُتَعَارَفِ مِنْ حَيِّزِ
طَلَبِ العِلْمِ، بَلْ اصْطِلاَحٌ وَطَلَبُ أَسَانِيْدَ عَالِيَةٍ، وَأَخْذٌ عَنْ شَيْخٍ
لاَ يَعِي، وَتَسمِيْعٌ لِطِفلٍ يَلْعَبُ وَلاَ يَفْهَمُ، أَوْ لِرَضِيعٍ يَبْكِي،
أَوْ لِفَقِيْهٍ يَتَحَدَّثُ مَعَ حَدَثٍ، أَوْ آخَرَ يَنسَخُ.
وَفَاضِلُهُم مَشْغُوْلٌ عَنِ الحَدِيْثِ بِكِتَابَةِ الأَسْمَاءِ أَوْ
بِالنُّعَاسِ، وَالقَارِئُ إِنْ كَانَ لَهُ مُشَارَكَةٌ، فَلَيْسَ عِنْدَهُ مِنَ الفَضِيْلَةِ
أَكْثَرَ مِنْ قِرَاءةِ مَا فِي الجُزْءِ، سَوَاءٌ تَصَحَّفَ عَلَيْهِ الاسْمُ، أَوِ
اخْتَبَطَ المَتْنُ، أَوْ كَانَ مِنَ المَوْضُوْعَاتِ.
فَالعِلْمُ عَنْ هَؤُلاَءِ بِمَعْزِلٍ، وَالعَمَلُ لاَ أَكَادُ أَرَاهُ،
بَلْ أَرَى أُمُوْراً سَيِّئَةً – نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ -“
الله المستعان الأمر في زمننا أظهر
ولكن مجالس السماع المتأنية التي يقرأ فيها مائة خبر أو مائتين أو يقارب ذلك في المجلس الواحد بتأني هذه مطلوبة هذه الأيام وهامة وضرورية وقد تكلمت على ذلك في مقدمة مجالس سماع الموطأ التي بدأناها قبل مدة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم